وجهة لآلاف السُياح في الخريف.. "محمية حوف" تغمض عينيها عن الحرب وتُبهج زوارها

[ "محمية حوف" الواقعة بمحافظة المهرة في أقصى شرق اليمن ]

يُقال عن حوف، المحمية الطبيعية الواقعة بمحافظة المهرة في أقصى شرق اليمن، بأنها جنة الله على الأرض، وفي فصل الخريف تحديداً تتحول إلى وجهة لآلاف السياح من داخل البلاد وخارجها.
 
تتجول الإعلامية سارة محمد وأسرتها بين طبيعة حوف الساحرة للاستمتاع بأجوائها الخريفية الممطرة، معبرة عن سعادة لا توصف من مناظر خلابة بين أغصان الشجر وصوت الطيور والضباب والمطر والموج والجبل.
 
تقول سارة، "محمية حوف الطبيعية تلبس حلتها الخضراء في موسم الخريف من كل عام، وتسعد الزائر والمقيم بمناظرها الرائعة، فكل شيء في هذه المحمية جميلاً للغاية، حيث التناغم الفريد والمميز بين البيئة البحرية والبرية، فالحديث عن مكوناتها يحتاج إلى آلاف الصفحات، غير أن ما يكدر هذه الجنة الطبيعية افتقار المحمية إلى الاهتمام الرسمي والاستثمار التجاري، إذ تغيب عنها الخدمات السياحية من فنادق ومنتجعات ومطاعم".
 
تضيف، "الدولة بدأت الآن في صيانة الطرق في حوف، هذا شيء جيد لكنه لا يكفي، لا بد من إصلاح أضرار أعاصير "تشابالا" و"مكونو" و"لبان" التي ضربت المحمية في السنوات الماضية، كما هي فرصة جيدة للمستثمرين للاستفادة من مقومات المحمية وتقديم الخدمات للزائرين".



كنز طبيعي
 
محمية حوف مركز التنوع الحيوي، وكنز طبيعي مليء بالنباتات والحيوانات النادرة، ومناظر طبيعية في غاية الجمال، وتم إعلانها رسمياً محمية طبيعية في أغسطس (آب) 2005، وتعد من أكبر الغابات الموسمية في شبه الجزيرة العربية، وموطناً للعديد من النباتات والحيوانات والطيور النادرة.
 
وتؤكد الدراسات البيئية أن هناك 65 نوعاً من الطيور تعيش في المحمية ومنها الطيور المهاجرة، كما توجد فيها حيوانات نادرة كالنمر العربي والضباع والقنفذ والذئب العربي والثعلب الأحمر والوعول والغزلان والوبر والغزال الريم والهشيم والقطط البرية المتوحشة.
 

تنوع فريد
 
وفقاً لمستشار محافظ محافظة المهرة لشؤون البيئة والثقافة أحمد عبد الله بلحاف، تتميز غابات المحمية بكثرة النباتات بمختلف الأصناف، والتي تزيد على 250 نوعاً، وكثير منها له أهمية غذائية وطبية على المستوى المحلي، وكان يستخدمها الأهالي في علاج العديد من الأمراض قديماً، ومنها ما يستعمل من بعض السكان المحليين بطريقة تقليدية في وقتنا الحاضر.
 
كما تشتهر محمية حوف بشجرة اللبان وهي من أجود الأنواع ذات الرمزية التاريخية، وازدهرت تجارته في العصور القديمة إلى العالم الخارجي مثل الهند والعراق ومصر، وكان اللبان يستخدم لأغراض علاجية وكمادة تساعد في التعقيم، وفي بعض الطقوس الدينية يحرق في المعابد.
 
وفي محمية حوف توجد مياه كبريتية تخرج من الجبل على أحد السواحل بين منطقتي مرارة ورهن، ويسمى ذلك المكان بالمهري (حموه حرق) ويعني المياه الساخنة، التي كان الأهالي يعالجون بها قديماً الأمراض الجلدية.



جمال بكل الألوان
 
يواصل بلحاف في حديثه إلى "اندبندنت عربية" سرد جماليات المحمية، قائلاً "توجد أصناف مختلفة من الزواحف والحشرات والفطريات، وهذه بحاجة إلى دراسات أكثر تفصيلاً وتعمقاً، وهو ما نعمل عليه حالياً بالتنسيق مع بعض السكان المحليين وخبراء البيئة".
 
ويضيف، "البيئة البحرية في محمية حوف غنية بالثروة السمكية كالشارخة والربيان والسردين والثمد والجحش وسرطان البحر والدلافين، وتحتضن سواحل المحمية موطن السلاحف التي تعتبر من المكونات الهامة للأحياء البحرية، وسُجل نوعين من السلاحف البحرية على شواطئها، وهي مدرجة ضمن الأنواع المحمية حسب منظمة صون الطبيعة، بالإضافة إلى الطحالب البحرية وأصناف عديدة من الرخويات".


استعادة عافيتها
 
يبشر المستشار بلحاف باستعادة حوف عافيتها في خريف 2021، بعد أن تأثرت نسبياً في موسم السنة الماضية بسبب جائحة كورونا وما رافق ذلك من إجراءات احترازية مشددة أعلنتها السلطات، لافتاً إلى الإقبال الجيد هذه السنة من قبل السياح الذين توافدوا من محافظات يمنية عدة وبعض الدول الخليجية، لا سيما سلطنة عُمان.
 
غير أن المستشار يستدرك بالكشف عن انتشار الحمى الفيروسية والزكام في خريف حوف هذا العام، حيث سجلت إحصاءات مركز حوف الصحي ارتفاع عدد الحالات، ويخشى أن يؤدي ذلك إلى عودة انتشار كورونا في أرجاء المحمية.

ويرى بلحاف أن "محمية حوف بحاجة إلى أن تكون في حال دولة مستقرة حتى تجذب الاستثمارات التي تليق بالجانب السياحي، وتلتزم بالضوابط البيئية بحيث لا تتعرض إلى التدمير والعبث بالطبيعة الجميلة ومواطن الحيوانات والنباتات النادرة، فإذا استقرت الدولة وسُلمت الأمور إلى أهل الاختصاص، واستغلت المحمية استغلالاً سليماً، فبكل تأكيد سيستفاد منها لمصلحة الجميع، وعلى ذلك سيبنى الوعي الذي نحن بحاجة إليه لحماية البيئة والطبيعة من جهل الإنسان سواء كان زائراً أو من السكان المحليين لمحمية حوف".

 

ترشيح حوف للعالمية
 
لم يكن جديد حوف هذه السنة عودة الحيوية والسياح إليها وحسب، بل ترشحها إلى قائمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو).
 
ويوضح بلحاف "تدرس السلطة المحلية في محافظة المهرة ترشيح المحمية في قائمة "يونسكو"، وتقوم بجهود لاستكمال بعض الإجراءات وإعداد التقارير، من خلال الهيئة العامة لحماية البيئة وإدارة المحمية والسلطة المحلية في المحافظة والمديرية، وباهتمام مباشر من محافظ المهرة الشيخ محمد علي ياسر الذي يولي البيئة اهتمامه ودعمه المستمرين".


حياة الإنسان
 
يتمركز سكان حوف في ثلاثة تجمعات حضرية وهي جاذب وحوف ورهن، ويعتمدون في كسب عيشهم على الزراعة ورعي الأغنام والإبل والصيد والسياحة، إذ يأتي إليهم سنوياً آلاف السياح من الداخل والخارج للاستمتاع بالأجواء النقية وهدوء الطبيعة بعيداً من ضوضاء المدينة.
 
ويلفت مستشار محافظ المهرة إلى أن "المردود السياحي لأهالي حوف ضعيف جداً، باستثناء قيام بعض الأسر بتأجير زوار المحمية منازلهم، خصوصاً الأسر التي تنتقل إلى الريف في فصل الخريف وتبقى المنازل في المدينة خالية، فحاولوا أن يحسنوا من وضعهم المعيشي والاستفادة من هذا الموسم السياحي.
 
 كما يستفيد بعض المستثمرين في المحال التجارية من الحركة السياحية، حيث ترتفع الحركة الشرائية إلى حد ما في موسم الخريف، كما يستفيد بعض الأهالي ممن يملكون أراض زراعية بزراعة الأرض في بداية فصل الخريف الذي يبدأ في منتصف يونيو (حزيران) وينتهي في منتصف سبتمبر (أيلول)، وقديماً كانوا يستفيدون من المحمية لسد قوتهم، فهناك من يقوم بهذا النشاط حفاظاً على موروث الآباء والأجداد، ونوع من التعلق بالزراعة والطبيعة، وقليلون جداً من يبيعون المنتجات الزراعية في السوق المحلية".
 


بين الجبل والبحر
 
في أرياف محمية حوف الطبيعية وفي جبالها تحديداً، يوجد رعاة يمتلكون قطعاناً كبيرة من الأبقار والجمال والأغنام، وتمثل الأبقار نسبة أكبر في المحمية، ويعتمد السكان المحليين منذ القدم على ما يملكونه من مواشي في تأمين وضعهم الاقتصادي والمعيشي، وفي الفترات الحالية توسعوا في بعض الأعمال الحرة المختلفة والوظائف الحكومية لمواجهة ظروف الحياة.
 
أما على الشريط الساحلي للمحمية فيبرز نشاط الصيادين الذين يملكون القوارب وأدوات صيد الأسماك على مدار السنة، ومن هذه المواسم موسم السردين الذي يجفف وكان يباع زيته (الصيفه) قديماً إلى دول الخليج العربي، أما الآن فيكتفى ببيعه مجففاً. وهناك كذلك مواسم لصيد الثمد والشروخ والروبيان والحبار، إضافة إلى الأسماك الأخرى التي تظل موجودة على مدار العام، ويتم بيع جزء كبير منها للتجار الذين يصدرونها إلى خارج المحافظة.
 
لكن في السنوات الأخيرة بدأ بعض الأهالي يهجرون هذه المهنة، بسبب عدم الالتزام بقوانين الاصطياد، واتباع السلوك العشوائي الذي تسبب بغياب كثير من أنواع الأسماك والثروة البحرية. كما أن تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع أسعار المشتقات النفطية ووسائل الصيد، أسهم في عزوف الشباب عن هذه المهنة واللجوء إلى بعض الوظائف والأعمال الحرة.
 

مستوطنات تاريخية
 
ينوه بلحاف إلى التاريخ الحضاري الموغل في القدم لمديرية حوف، ففي ضمن نطاق موقعها توجد منطقة دمقوت التي تعتبر إحدى أهم المستوطنات التاريخية، وضمن أقدم المدن المهرية المذكورة في النقوش اليمنية منذ فترات قبل الإسلام، وهي معروفة بهذا الاسم، وقد ذكرها الكاتب الإنجليزي صموئيل مايلز عام 1875، وذكرها أيضاً المؤرخ اليمني محمد بلفقية بأنها ميناء قديم وإحدى المحطات لتصدير اللبان.
 

بداية الغيث
 
شهد العام الحالي صحوة رسمية من الدولة اليمنية للاهتمام بمحمية حوف، وكان أهم إجراءاتها قيام رئيس البرلمان اليمني سلطان البركاني الأسبوع الماضي بوضع حجر الأساس لمشروع إعادة وصيانة المقاطع المتضررة لطريق المهرة- حوف بطول 100 كيلومتر، والذي سيسهل حركة المواصلات من المحافظات اليمنية إلى المحمية.
 
وفي يونيو الماضي وضع وزير الصحة العامة والسكان قاسم بحيبح برفقة محافظ المهرة محمد ياسر حجر الأساس لمشروع سكن الأطباء في مستشفى حوف الريفي، مما يساعد على توفير الخدمات الطبية لسكان المديرية والسياح معاً.
 

المصدر: إندنبندنت عربية


- فيديو :


مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر