الأخبار

(ملف) كيف أهدرت السلطة المحلية بـ "الشمايتين" بتعز فرصة تحويل "التربة" إلى مدينة حديثة اكثر ازدهارا؟

‫ملفات‬| 1 أغسطس, 2024 - 8:43 م

(خاص) يمن شباب نت

image

صورة أرشيفية لمدينة "التربة"- جنوبي غرب محافظة تعز

  تمثل مدينة "التربة"، الواقعة على بعد 60 كم جنوبي غرب محافظة تعز، مركز الثقل لمنطقة "الحجرية" التي تتبعها معظم مديريات الريف الجنوبي للمحافظة، ومنذ القدم ظلت مدينة "التربة" تشكل السوق الرئيسة لعدد من تلك المديريات، بكثافة سكانية مرتفعة.

  ويعتمد سكان منطقة "الحجرية" بدرجة رئيسة على الاشتغال بالنشاط التجاري والخدمي، بالإضافة إلى النشاط الزراعي. وتشتهر عدد من البيوت التجارية في الحجرية بالاستحواذ على القطاع الخاص، وينتشرون بمشاريعهم التجارية والخدمية المختلفة في معظم محافظات اليمن..

 والمفارقة المثيرة هي أن مدينة "التربة"، لم تنل من النشاط التجاري والخدمي، للقطاع الخاص، إلا القليل. حتى على الرغم من توفر كافة المقومات المساعدة على ذلك، مؤخرا، بعد أن تحولت "التربة" إلى منطقة حيوية هامة بفعل الحرب، والحصار المطبق المفروض على مدينة تعز، حيث أصبحت "التربة" هي المنفذ الوحيد لأبناء المدينة المحاصرة..!!

ويرجع الكثيرون السبب في ذلك، بدرجة رئيسية؛ إلى الإهمال الإداري الذي تشهده المدينة من قبل قيادة السلطة المحلية في مديرية "الشمايتين"، التي تعتبر مدينة "التربة" مركزها وعاصمتها الإدارية.

image 

إحصائيات حيوية للتحول

 منذ 2015، تحولت مدينة "التربة" من بلدة نائية صغيرة على طريق فرعي غير مؤهل لمرور الشاحنات التجارية بين محافظتي تعز وعدن، إلى مأوى لعشرات الآلاف من النازحين والمُهّجَرين، المتضررين من جحيم الحرب الحوثية على اليمن.

 وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 25 ألف أسرة فرّت من مدينة تعز، عاصمة المحافظة، لتستقر في مدينة "التربة" خلال العام 2015 لوحده.

ووفقا لمصدر خاص، من منظمة دولية معنية باللاجئين والنازحين، تحدث مع "يمن شباب نت"؛ يوجد ما لا يقل عن 15 ألف نازحا يسكنون منازلا مستأجرة في مدينة التربة.

 وفي العام 2016، نجحت قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من طرد مليشيا الحوثي من خط الضباب (جنوب غربي مدينة تعز)، وإثر ذلك أسست نشاط تجاري ضخم، أصبحت بموجبه "التربة" منطقة نشطة تجاريا. وساعدها الحصار الخانق الذي فرضته ميليشيا الحوثي على مدينة تعز (ما زال مستمرا حتى اليوم)، حيث تحولت مدينة "التربة" إلى منطقة ترانزيت حيوية لوقوعها على الخط الوحيد المتبقي للسفر من تعز، جنوبا، إلى العاصمة المؤقتة "عدن".

وتأكيدا على هذه الميزة؛ أفاد مسئول في "مؤسسة أبراج قَدَسْ" المعنية بتجارة مواد البناء، في حديث خاص مع "يمن شباب نت"؛ إن الازدهار التجاري الواسع الذي شهدته مدينة التربة منذ العام 2025، دفع بالمؤسسة إلى نقل أعمالها التجارية إلى المدينة، بعد أن واجهت معيقات، بينها مضايقات تعرضت لها في عدة محافظات أخرى نتيجة لعدم الاستقرار.

فرصة مهدرة

بعد النجاح في تطهير مدينة "المخأ" الواقعة على الساحل الغربي، من ميليشيات الحوثي الإرهابية، مطلع العام 2018، أصبحت مدينة "التربة" مقصدا لتوافد الآلاف من أفراد قوات العمالقة وحراس الجمهورية، مع عائلاتهم، للاستقرار في المدينة القريبة من الساحل الغربي.

وقد شكل النازحون والوافدون إلى المدينة، بالإضافة إلى غيرهم من القادمين إليها لمزاولة النشاط التجاري والخدمي، فرصة ثمينة لإنعاش المدينة النائية بالحياة والتجارة، وتحويلها إلى أحد أكثر المدن اليمنية الجديدة ازدهارا. الأمر الذي لم يحدث حتى الآن؛ لا من قبل المحافظين الثلاثة المتناوبين على قيادة المحافظة منذ العام 2015، ولا حتى من قبل المسئول المباشر في المديرية، ممثلا بمديرها المعين منذ أكثر من سبع سنوات. والذي، بدلا من ذلك، أصبح هو نفسه يشكل حجر عثرة في طريق تطورها. بحسب ما يكشفه حجم الشكاوى المرفوعة من مواطنيه، ونوعياتها..!!

لا يعرف على وجه الدقة عدد سكان التربة (بحسب الإسقاطات السكانية، منذ آخر تعداد سكاني في البلاد عام 2004، يمكن أن يكون العدد حاليا قد تجاوز المليون نسمة، مع الأخذ في الاعتبار أعداد النازحين والوافدين إليها خلال سنوات الحرب).

 وأي يكن الأمر، فالواقع إن المدينة كانت تمتلك فرصة عظيمة للازدهار، أسوة بمناطق أخرى كثيرة في البلاد نمت وتطورت وازدهرت منذ العام 2015، حين وجدت سلطة محلية مسئولة قادرة على التقاط الفرصة، لتكون الحرب مدخلا لبنائها وتحويلها إلى مدينة كبيرة، نشطة ومؤثرة.

 وبالنسبة لمدينة "التربة"، فإن طفرة الازدهار التجاري الذي شهدته المدينة، على مدى السنوات الثمان الأخيرة، بفعل تحولها إلى ممر رئيس للنشاط التجاري للريف الجنوبي كاملا من محافظة تعز، وأيضا لمدينة تعز منذ 2016؛ لم تكلف السلطات المحلية في المديرية نفسها لترجمته إلى حالة مستقرة ودائمة، بل تعاملت معه كموسم يتلاشى نشاطه بانتهاء الموسم، لتعود إلى سابق عهدها كسوق صغير لقرى نائية وفقيرة..!!

المنظمات.. دعم كبير عديم الأثر

 مع الاستقرار الأمني التي حظيت به مدينة تعز، وما حولها من مناطق ومديريات محررة، بما فيها مدينة "التربة"، فقد اختيرت الأخيرة لتكون ملاذا آمنا لمقرات معظم المنظمات الدولية والمحلية التي تقدم خدماتها للمناطق المحررة في محافظة تعز. غير أن هذا الحال لم يستمر طويلا، إذ بدأت عدد من تلك المنظمات بالتسرب تدريجيا من المدينة لأسباب عديدة، على رأسها انعدام البيئة المناسبة للعمل هناك..! بحسب ما أفادت مصادر ذات علاقة بالعمل الإغاثي، تحدثت مع "يمن شباب نت" شريطة السرية.

 ووفقا لمصادرنا في مكتب التخطيط بالمحافظة، فإن كبريات المنظمات الدولية والأممية والمحلية، كانت اتخذت مقرات لها في مدينة التربة لتغطية أنشطتها المخصصة لمحافظة تعز، بموازنات تصل إلى ملايين الدولارات، إلا أن آثار أنشطة المنظمات على البنية التحتية والاستراتيجية لمدينة التربة لا تذكر، مقارنة بالمبالغ الضخمة التي صرفتها على مشاريعها هناك..!!

وردا على ذلك؛ قال مصدر رفيع في منظمة دولية، ضمن حديثه الخاص لـ "يمن شباب نت": إنه "خلال السنوات الأولى من الحرب كانت مديرية الشمايتين تحصل على ما يقارب 40% من إجمالي موازنة المنظمات".

وكشف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، بأن "سوء الإدارة والتخطيط والتنسيق بين السلطات المحلية بالمديرية والمنظمات، جعل تلك المشاريع بموازناتها الضخمة عديمة الأثر". الأمر الذي أفضى مؤخرا إلى اتخاذ عدد من المنظمات الإنسانية والإغاثية قرارا بنقل مقراتها وأعمالها من مدينة التربة.

وقد حصل "يمن شباب نت"، من مصادره الوثيقة، على تفاصيل بحالة أهم المنظمات التي؛ إما نقلت أعمالها بالكامل خارج التربة، وإما أنها فتحت لها مكاتب إسناد أخرى خارجها بعد أن كانت تقتصر على مقر وحيد لها هناك، وفقا للكشف أدناه:  

جبايات ضخمة.. ومدينة منهارة 

تعد مدينة التربة أغرب مدينة في اليمن.! فرغم أنها أصبحت مؤخرا ذات كثافة سكانية عالية، وتحولها إلى مركز رئيس للتسوق لمعظم ريف تعز الجنوبي، إلا أن نموها السكاني وتطورها التجاري لم يوآكبهما تطورا حقيقيا مشهودا في البنى التحتية والخدمات..!

فما زالت المدينة حتى اليوم تكاد تخلو كليا من الشوارع المعبدة بـ "الإسفلت". بل أن شارعها الرئيسي الوحيد، المزدحم دائما، أصبح متهالكا وتحول إلى طريق شبه وعرة، ومليء بالقمامة ومياه المجاري الطافحة. وبدلا من إصلاحه لجأت السلطة المحلية إلى قطعه بالحواجز الخرسانية، محولة مرور العربات من غرب المدينة إلى شرقها عبر طريق دائرية هي الأخرى ترابية وعرة وغير معبدة وضيقة..!!

وانتشرت الكثير من الصور على وسائل التواصل الاجتماعي تكشف حجم الدمار الشامل الذي تعرض له شارع المدينة الرئيس، بما فيها المسار الذي يمر أمام مجمع السلطة المحلية، رغم ما تجنيه هذه السلطة من إيرادات متنوعة وضخمة، خصوصا منذ تحولت المدينة إلى ممر رئيسي وحيد لشاحنات نقل البضائع، والمسافرين، من/ والى مدينة تعز ومديرياتها المحررة، بعد أن أغلقت ميليشيات الحوثي المعابر الرئيسية شرق وشمال المدينة.

ووفقا لمصادر خاصة عاملة في قطاع النقل، تحدثت لـ "يمن شباب نت"، تمر يوميا قرابة 100 شاحنة نقل على الأقل عبر مدينة التربة إلى محافظة تعز، ومنها تتحصل السلطة المحلية جبايات باسم التحسين وأخرى باسم النقل، تتراوح معظمها ما بين 50 و100 ألف ريال، وقد تصل أحيانا إلى 150 ألف ريال، وأقلها 30 ألف ريال عن الشاحنة الواحدة.

وحيث أن السلطات المحلية في مديرية التربة لم تفصح عن إجمالي تلك الجبايات بشكل رسمي، ترفض الجهات المالية المسئولة إعطاء أي أرقام "كون ما تحصل عليه من بيانات أقل بكثير مما يتم جنيه من جبايات" بحسب أحد المصادر ذات الشأن. إلا أنه من خلال تقدير إيرادات رسوم قطاع النقل فقط، وفقا للأرقام السابقة أعلاه، فإنه يمكن الحديث عن مئات الملايين من الريالات تجنيها السلطة المحلية سنويا. وتعتقد مصادر مالية بالمديرية أن الرقم قد يصل أحيانا إلى المليارات..!!

سماسرة تراخيص البناء

وغير ذلك؛ قالت مصادر خاصة لـ "يمن شباب نت" إن سماسرة مرتبطين بالسلطة المحلية بالمديرية يقومون بانتزاع جبايات غير قانونية مقابل منح تراخيص بناء خارج القانون. وبحسب المعلومات فقد وصل المزاد في هذا الجانب إلى قرابة سبعة آلاف ريال سعودي مقابل منح بعض تلك التراخيص.

وقال أحد المصادر إن تراخيص بناء منزلا سكنيا في القرى المحيطة بمدينة التربة كلفته ما لا يقل عن 13 ألف ريال سعودي، مقابل السماح له ببناء منزل خاص به.

image

ومع ذلك؛ لم تظهر آثار تلك الجبايات على المدينة. وحصل "يمن شباب نت" على أكثر من وثيقة وتوجيه كان مدير المديرية، المتربع عليها منذ قرابة سبع سنوات؛ يعلن فيها عن مشاريع للطرق، ثم تتبخر دون وجود تفسير رسمي لذلك. بينما تزداد المدينة اكتظاظا بالسكان والنازحين مع انتشار البناء العشوائي فيها بدون أي أفق للتحول من مجرد قرية إلى مدينة حديثة..!!

فبحسب مذكرة رفعها مدير المديرية إلى مدير مكتب الأشغال بالمديرية بتاريخ 11 سبتمبر 2023 طالبه فيها بـ "سرعة تجهيز دراسات الشارع العام...". ورغم أن مدير المديرية أختتم مذكرته بتوجيه حاسم منه لمدير مكتب الأشغال بـ "سرعة العمل"، محذرا إياه بتحميله "مسئولية التأخير"، إلا أن شيء من ذلك لم يحدث حتى الآن رغم مرور عام تقريبا على تلك المذكرة..!! (أطلع على صورة المذكرة أدناه)

image

 

جبايات غير قانونية بالقوة

ولم يقتصر الأمر على تلك الأساليب غير المسئولة في التعامل مع قضايا المديرية، بل وصل الأمر، في نواحي أخرى، إلى ابتزاز التجار في مدينة التربة عن طريق تحصيل أموال غير قانونية لتنفيذ مشاريع يفترض بالمديرية القيام بها من ميزانيتها، أو على الأقل من الجبايات الهائلة التي تتحصلها..!

حيث تشير إحدى الوثائق التي حصلنا عليها إلى أن مدير المديرية أنشأ لجنة خاصة تحت مسمى "اللجنة المجتمعية والصرف الصحي" يرأسها شخص يدعى أبوبكر الشيباني، بغرض جمع الأموال من التجار وأصحاب المحلات لحفر مجاري الصرف الصحي في شارع 24.

وكشفت الوثيقة المرفوعة من مدير مكتب المالية بمديرية الشمايتين، إلى مدير المالية بالمحافظة الدكتور محمد عبد الرحمن السامعي، بتاريخ 3 مايو الماضي (2024)، عن قيام اللجنة المذكورة بجمع ما يقدر بـ 150 مليون ريال، تم جمعها بشكل غير قانوني عبر اللجنة وفرع مكتب الأشغال العامة بالمديرية عن طريق "إجبار المواطنين بدفع مبالغ وبسندات غير رسمية"، ومن يرفض يتم حبسه..!! حسب الوثيقة.

وتشير المذكرة أيضا إلى أنه لم يتم الاكتفاء بجمع تلك الجبايات غير القانونية المحصلة بالقوة من التجار في شارع 24 غير قانونية، فحسب، بل "قد تم رصد 30,000.000 ريال/ ثلاثون مليون ريال يمني في موازنة البرنامج الاستثماري لهذا العام لنفس الغرض، وهو إصلاح مجاري شارع 24"، ما جعل مدير مكتب المالية يتساءل عن مصير تلك المبالغ التي تم جبايتها خارج القانون والنظام، والتي تقدر بأكثر من 150,000,000 ريال (مائة وخمسين مليون ريال يمني)؟؟؟

ومؤخرا قام مدير المديرية بإيقاف مدير مكتب المالية بالمديرية هاشم المغربي، بطريقة غير قانونية، بحسب ما أكده المدير الموقوف وزملائه الذين نفذوا احتجاجات ضد الشيباني عقب احتجاز زميلهم في سجن خاص داخل المديرية..!!

image

كما سبق وأن وجه مدير المديرية نفسه، بتشكيل لجنة مجتمعية لجمع أموال من التجار والمواطنين لغرض إعادة تأهيل وصيانة طريق "هيجة العبد" والتوجيه بفتح حسابات لها، بحسب مذكرة مرفوعة منه إلى مدير الشركة الوطنية للتحويلات النقدية، بتاريخ 26 سبتمبر 2020. ومع ذلك لم يتم إصلاح طريق "هيجة العبد" منذ ذلك الحين. وحاليا يتم إصلاحها بدعم وتمويل السعودية..!!

image 

 ليس ذلك فحسب؛ بل سبق أيضا وأن رفعت شكوى من مدير مكتب المالية بالمديرية إلى محامي نيابة الأموال العامة بتاريخ 12 يونيو 2021، تتعلق بجمع أموال تقدر بـ 200 مليون ريال بموجب سندات مصطنعة وغير مرقمة، وقد وجه محامي النيابة مذكرة بذلك إلى نيابة الأموال العامة بتاريخ 15 يونيو بالتحقيق في هذه الواقعة. ومع ذلك فقد تكررت نفس العملية ونفس الطريقة لاحقا، كما أشرنا إليه في الواقعتين السابقتين بعاليه..!!

image

 
إهدار الملايين على مشاريع فاشلة 

وبالإضافة إلى ما سبق، تثبت وثائق حصلنا عليها قيام مدير المديرية بإهدار مبالغ طائلة على مشاريع غير مدروسة، وتم إبطالها. كما هو حال مشروع الصرف الصحي بقرى "وادي أديم" الذي أنتهى بإيقافه من قبل المحكمة، كونه يؤدي إلى توجيه مياه الصرف الصحي إلى منازل السكان ويتسبب بإنتشار الأمراض. ووفقا لمصادر مطلعة على المشروع، فقد أهدر مدير المديرية الشيباني أكثر من 28 مليون ريال على هذا المشروع الفاشل..!!

image

 

 

 

| كلمات مفتاحية: تعز|فساد|الشمايتين|التربة

أخبار ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024