الأخبار
Image Description

سلمان الحميدي

العودة من جديد

‫كتابنا‬| 31 يوليو, 2024 - 9:25 م

وأنا أتوقف عن كتابة المقال الأسبوعي، لم أضع في بالي أن الجمهور سيفقدني ويضيع اسمي من ذاكرة القراء، لست نعوم تشومسكي ولا ماركيز. كما لم أكترث للمقابل المادي الذي سأفقده، الموقع الذي أكتب فيه ليس نيويورك تايمز ولا مجلة عربية بورق مقوى وخطٍ مصقول ولمّاع.

تورطت في كتابة المقالات لأني وجدت نفسي فارغاً في السنة الأولى من الحرب. هذا قفز غير محبب للعاملين في مهنة المتاعب. لا تكتب المقال قبل أن تصقلك الأحداث في الميدان، حيث السبق والانفراد، الزوايا والمصادر، التقصي والقصة، وحيث وجهات التقليديين المتشبثين بقالب الهرم المعكوس، تتصادم مع آراء المتقدمين الذين يمنحونك رخصة كسر القواعد الجاهزة، بشرط: صياغة عالمية تجذب الجمهور المحلي وتمتد إلى جمهور دول الإقليم!

في مقال «الصحفي المتغطرس» يتحدث نوا زفاليتا، بأنهم حين كانوا مبتدئين في المهنة كان «يتملكنا تصور خاطئ تماماً حين كنا نظن أن القراء تهمهم أراؤنا الشخصية في الأحداث الجارية، كان ذلك التصور خطيئة كبرى، مثلها مثل النهم والغطرسة والجشع. ذلك أن قارئ الصحيفة أو المجلة أو متابع إحدى وكالات الأنباء، يهمه بالدرجة الأولى ما نعرفه عن تلك الوقائع، يشغله ما يمكننا جمعه بأدواتنا الصحفية من حقائق ومعلومات....».

عملية القفز من كتابة التقرير إلى كتابة المقال، تشبه انتقال طالب من الصف الثالث الابتدائي إلى الثالث الثانوي. هذا ما يتردد في أروقة الصحافة، وهي أقاويل تستثني الكتابة الإبداعية.  ومن هذا الاستثناء وجدت طريقاً لكتابة المقال ونشره بلا تأنيب ضمير، كنت أقنع نفسي بأن ماركيز كان صحفياً وكان سارداً.  أنا أحب السرد. أضيف: «كان من قرية وأنا من قرية»، وحين أتفحص الطريقة التي نقل فيها ماركيز حادثة غرق سفينة من خلال تتبع التفاصيل التي يحكيها «الناجي الوحيد»، تتراجع معنوياتي، ومع ذلك لم أتوقف عن كتابة مقالي بسبب فساد المقارنة.

غبت مع أحداث غزة. الكتابة فقدت جدواها أمام الدمار الهائل فتوقفت. 

هذا الأسبوع، وحين سألني رئيس التحرير حول بقعتي بين كُتَّاب المقالات، أكدت: سأعود. سنبدأ مع أول خميس من شهر آب/ أغسطس. العودة ستكون مع إطلاق النسخة الجديدة. رائع! عودة جديدة بشكل جديد..
لم تدر في خلدي هذه العودة أبداً، العودة على أحداث كبيرة مرتبطة بغزة: اغتيال إسماعيل هنية/ استهداف الصحفي إسماعيل الغول ورفيقه المصور رامي الريفي أمام منزل هنية المدمر/ واستمرار الخراب الصهيوني طبعاً.

ما هي الحقائق والمعلومات التي تشغل الجمهور والتي يمكن لي أن أصل إليها حول هذه الوقائع..
لا جديد..
منذ أكتوبر 2023، وحتى أغسطس 2024، أي خلال تسعة أشهر من الحرب، قتل الاحتلال الصهيوني ما يزيد عن 39400 إنسان في غزة، أما المصابين فيقترب عددهم من المائة ألف مصاب. بلغ عدد الشهداء من أسرة إسماعيل هنية 27 إنساناً، أولاده، أحفاده الصغار، إخوته وأطفالهم، شقيقته، إلخ الشهيد 28 كان هو إسماعيل هنية نفسه، بحسب إحصائية نشرها موقع الجزيرةـ فلسطين. 

لم يكن إسماعيل هنية وأسرته إلا جزء من المقتلة الصهيونية التي ما زالت مستمرة بدعم امريكي وبعض الأنظمة المتحضرة.

الصحفيون في غزة والذين لم يجدوا الوقت لنقل أراءهم حول المجازر، كانوا منشغلين بالعمل في الميدان لإمدادنا بالأخبار والحقائق، والقصص المروعة والمعلومات، قتل الاحتلال المجرم منهم 165 صحفياً، كان آخرهم إسماعيل الغول والمصور رامي الريفي.

وكانت الرسالة الأخيرة التي بعثها الغول لأحد أصدقائه المحررين في شبكة الجزيرة:

«دعني أخبرك يا صديقي بأنني أصبحت لا أعرف طعم النوم، جثامين الأطفال والأشلاء وصور الدماء تكاد لا تفارق عيني. صرخات الأمهات وبكاء الرجال وقهرهم لا يغيب عن مسامعي. لا أستطيع تجاوز صوت الأطفال من أسفل الركام، غير قادر على نسيان صوت الطفل الذي يتردد في كل لحظة وصار مثل الكابوس. الأمر بات مرعباً أن تقف أمام الجثامين الملقاة والعالقة والممددة والمتكدسة، ومرعباً أكثر حينما تمر على الأحياء الذين يصارعون الموت تحت منازلهم ولا يجدون سبيلاً للخروج والنجاة.. لقد تعبت يا صديقي».

| كلمات مفتاحية: اليمن

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024