













اليمن

لا أجد لعنة أشد وقعًا على هذه الجماعة من لعنة التاريخ الذي أرادت من خلاله اغتيال سبتمبر الجمهوري، فاكتشفت أن ما حسبته نصرًا مؤقتًا تحول إلى هزيمة رمزية ممتدة، تؤكد أن محاولات طمس الذاكرة الجمعية تصطدم بجدار الوعي الشعبي، وتتحول إلى فضيحة تتجدد في كل ذكرى.

لم يكن ميلاد حزب التجمع اليمني للإصلاح ميلادًا عابرًا، بل كان نقطة فارقة في المشهد السياسي اليمني، جاء في لحظة زخم سياسي وتحول ديمقراطي، وتلاحم المشروع الوطني مع تأسيس حياة سياسية طموحة وملتصقة بالواقع وقريبة من الجماهير.

مع أن المليشيا الحوثية انقلبت على الشرعية والجمهورية قبل 11 عامًا في 21 سبتمبر، إلا أن هذا الشهر يشكل بالنسبة لها مصدر قلق دائم ورعب متزايد، لأنه يحمل ذكرى ثورة اليمنيين التي حررت الوطن من قيود الإمامة الكهنوتية، في 26 سبتمبر 1962.

تجارب الدول تُظهر أن الرموز السياسية ضرورة وجودية، تمنح الأجيال هوية واضحة وتوفر للأنظمة جدارًا نفسيًا يحميها من محاولات الاختراق أو العودة إلى الماضي. الدول التي تمتلك رموزًا حية تستطيع إنتاج خطاب وطني جامع، بينما الدول التي تهمل رموزها تُترك شعوبها ضائعة في فراغ الذاكرة والارتباك والتيه.

لطالما أننا صرنا الآن في صلب معركة وجودية علنية مع كهنوت مستجد يعمل على طمس ذاكرة مقاومة جذوره، ومحو تاريخ صراع اليمني مع أسلافه، وإخفاء تاريخه الأسود، وخلق التباس وتزييف ينفذ من خلالهما إلى وعي المجتمع..

حين يسقط قادة في صفوف المليشيا الحوثية بصاروخ إسرائيلي، يظن البعض أننا سنقف في حيرة، هل نصفق للقاصف أم للمقصوف؟ غير أن الحقيقة أوضح من كل هذه الالتباسات، فلا يمكن لعاقل يدرك ويشعر بمعاناة اليمنيين أن يُصفّق أو يساند أيّ طرف منهما.