- جماعة الحوثي تقول إنها استهدفت سفينتين أمريكيتين في البحر الأحمر والمحيط الهندي أخصائي نفسي بتعز: حرب الحوثي من أبرز أسباب انهيار الحالة النفسية لليمنيين مليشيات الحوثي تستهدف مناطق سكنية في محافظتي "الضالع ولحج" ولا ضحايا رابطة حقوقية تسلط الضوء على الانتهاكات النفسيّة التي يتعرض لها المختطفين في سجون الحوثي شرطة "تعز" تدشّن إصدار البطاقة الشخصية الإلكترونية لمنتسبي مؤسستها الأمنيّة الخدمة المدنية تعلن الإثنين القادم إجازة رسمية بمناسبة العيد الـ61 لثورة 14 أكتوبر المجيدة ترامب أو هاريس.. ما الاستراتيجية المحتملة التي ستتخذها الإدارة الأميركية المقبلة تجاه مليشيات الحوثي في اليمن؟ (تحليل)
صلاح الأصبحي
لماذا يبجل اليمنيون ثورة 26 سبتمبر؟
كتابنا| 25 سبتمبر, 2024 - 3:21 م
تساؤل مشروع ومنطقي يفرض وجوده في اللحظة الراهنة، وبحاجة لتفسير كاشف وتفصيل مقنع لتبديد سر العلاقة الوجودية بين اليمنيين وبين هذا اليوم، العلاقة الحميمية المصيرية التي تداخلت حد التماهي، وتغلغلت حد ارتباط الوجود والمصير، وأصبح وجود اليمنيين مثبتاً بهذا اليوم، ونأيهم عنه نفي وعدم وتلاشي، باعتباره الرحم الذي تشكل وجودهم بين أحشائه، فهو المنبع والجذر والجينات التي صبغت بقاءهم وحرصت على تناسلهم.
إذا كان هذا التوصيف المقتضب قد رسم ملامح الارتباط الوثيق والتداخل الصلب بين ثنائيين محيرين، فما هو السر الذي يقف خلف ذلك؟.
لم يكن اليمنيون مجرد حفنة أعراب رُحل، أو هامش في خريطة الوجود والتاريخ، أو قطيع منسي ومستعبد لا دليل على وجوده ولا صفات على حضوره، ولا قيمة تؤكد أهميته، بل كان اليمنيون إثباتاً يقينياً على تشكل الخليقة على سطح هذا الكوكب، وميلاد الحياة البشرية، وأنسنة الوجود، رسموا ملامح وجودهم في عصر الفناء، وتميزوا بالتحضر والتمدن حتى أصبحوا دليلاً ماثلاً على مراحل التطور والتحضر بين حضارات التاريخ الأولى، فتأكد حضورهم كحضارة وتناسل وجودهم كمجتمع، وكانوا نموذجاً لرقي الإنسان وتقدمه وعمرانه وبناء مكانة مرموقة بين الشعوب والمجتمعات التي عرفت الحرية وتشييد المدن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وابتكار قوانين الحكم والسلطة وتوزيع الثروات.
والخلاصة من هذا ارتسام دلالات التحضر والتحرر في حياة اليمنيين حتى وإن مروا بفترات تاريخية تعرضوا خلالها للاحتلال والتبعية إلا أنهم كانوا يتغلبون عليها ويستعيدون توهجهم حتى مجيء الإسلام؛ فاحتضنوه بالسلم والوعي كونه تأكيداً وتعزيزاً لترسيخ الحرية والعدل والمساواة وحفظاً للحقوق وتشريعاً يسير شؤون الفرد والمجتمع بعد أن كان عرب الجزيرة المحيطين باليمن غارقون في الجهل والعبودية والعنصرية .
كان لليمنيين بصمات واضحة في التاريخ الإسلامي وحضور فاعل في حاضرة الخلافة الإسلامية الأموية والعباسية، إلى أن أنحرف مسار الخلافة ودب التفكك في كيان السلطة فتفككت الأمصار وتعددت التوجهات السياسية والدينية التي نخرت في جغرافيا الجزيرة، وكان اليمن أحد ضحايا التشظي.
فحين نتحدث هنا عن المسار الزمني لتاريخ اليمن نجد أن هناك قطيعة زمنية مفصلية حلت على اليمنيين منذ 893م - 26 سبتمبر 1962م، منذ أن وطئت أقدام الكاهن يحيى الرسي حتى انبلاج هذا اليوم.
ونعني بالقطيعة هنا التغير الديموغرافي، انسلاخ المجتمع عن كيانه المتحضر، وهدم لبنية الوعي والتفكير والثقافة والسلوك، وطمس لمنظومة التركيبة الاجتماعية القائمة، وصبغ الأرض والإنسان بمنظومة اعتقادية وسلوكية جديدة مناقضة كلياً لتلك التي كانت ماركة خاصة باليمنيين، كأنما حدث انزلاق أغرق اليمنيين في مستنقع غير مصيرهم وبدل إرادتهم وابتلع حقيقتهم.
ما بين نقطة البداية والنهاية تاريخ طويل من العناء والشقاء والاستعباد والاستغلال والتجهيل والتخلف وشتى أشكال الظلم والتنكيل والتمزيق والنفوذ والاستحواذ على الأرض والإنسان.
رحلة مؤلمة صنعتها سلالة منبوذة استوطنت كهامش ثم أصبحت وحدها المتن وكل اليمنيين هامشاً، تجرعوا ويلات هذه السلالة التي تفشت في كثير من أرجاء اليمن، وكانت الداء العضال الذي نكل بها والوكيل الحصري لقيادة دفة العصر الظلامي السلالي الطائفي البائس، ولم يكن الخلاص الكلي لهذا العصر إلا في يوم 26سبتمبر .
السمة الفادحة التي صنعت هذه المأساة الطويلة أن تلك السلالة لم تكن مجرد قوى غازية محتلة طموحها سياسي بحت، بل أقذر فكرة سلالية استيطانية شمولية مارسها حاملوها في اليمن كحكام ومستوطنين، كرأس للسلطة وجسد من المجتمع، وحضور متناثر في شتى المناطق والحواضر، للدرجة التي أصبح ذلك الحضور المجتمعي يطغى على أصحاب الأرض ويمتلك الجزء الأكبر من المال والجاه والنفوذ والمرجعية الأولى في رسم صورة حياة اليمني فكراً وسلوكاً وثقافة واعتقاداً وهوية، فبرز السلالي المتورد وتلاشى اليمني المنتمي .
اختزلت السلالة لنفسها المكانة المرموقة اجتماعياً والثراء الفاحش اقتصادياً والحكم الاصطفائي سياسياً وتركت لليمنيين اليقين والإيمان بهذا النهج دينياً والرضى والقبول ثقافياً، كاستلاب شامل ومسخ متكامل وعبودية مطلقة مبنية بناءً محكماً، طوقت رقاب اليمنيين وعقولهم ومعتقداتهم وممتلكاتهم ، وكان الهدف فقط من بقائهم هو خدمة هؤلاء السلاليين والموت من أجلهم في الحرب أو في السلم.
لقد خلف هذا الوجود السلالي تاريخاً دموياً متوحشاً متخماً بالبطش والقهر والتنكيل، ومبنياً على الوهم والخرافة والشعوذة والبدع والطقوس التي تنافي العقل والمنطق والدين والقيم، ليبقى هو المأساة الأبدية بالنسبة.
وعلى هذا فإن تقديس 26 سبتمبر ليس نشوة عابرة أو حماساً متطفلاً أو وهماً مفتعلاً، بل تعظيماً للحظة ميلاد، واستشعاراً للخلاص، واستعادة للذات، وتحريراً للهوية، واستئنافاً للإرادة، ودحراً للبؤس.
لكن نظراً للحالة المنهكة التي كان عليها اليمنيون قبيل انفجار ثورة سبتمبر، حيث لم تكن حالتهم مهيأة للقيام بثورة، أو أن القبضة الحديدية للإمامة كانت متساهلة في تعاملها مع الناس، بل كانت خانقة وعاصرة لرقابهم، والكل خانع ومنحن، إلا أن الكبت المجتمعي بلغ أوجه وعجل ساعة الصفر، ولم يكن لدى اليمنيين ما يخسرونه فكان اندفاعهم قد ضرب بالخوف من بطش الإمام عرض الحائط، وعمل اختمار هاجس الثورة في الوعي الجمعي على تشكيل الإرادة وشد العزيمة والوثوب نحو تحقيق غاية الانقاض على السلطة الغاشمة التي استباحت الأرض والعرض، ودك حصونها، والدوس على رهبتها والبصق على خرافتها، هكذا تظافرت دوافع الانفجار الثوري والحماس الوطني بعد أن طفح الكيل وبلغ غياب اليمن كدولة واليمنيين كشعب حد التلاشي، واندساس كليهما في جعبة الإمامة فقط.
لا شيء بمقدوره تصوير عظمة هذا اليوم، ولا احتساب مباهجه، ولا الإحساس بمشاعر اليمنيين وقد قشعوا بظلام دامس وأغلال متجذرة في أجسادهم وعقولهم وأرضهم، اليمنيون الذين كانوا آنذاك حفاة عراة بائسين مسلوخة جلودهم، مستلبين في إرادتهم، عاجزين في إمكانياتهم، مرعوبين في أحلامهم الخافتة التي ترغب في زوال الطغيان وانقراض مآثره، لكنهم حين استعادوا ألقهم واستلهموا أمجادهم وتجاوزا ضعفهم صنعوا معجزة ورسموا وهجاً واعتقوا شعباً مستعبداً ونصبوا راية الجمهورية بكل ثبات وإباء كمفارقة تاريخية مدهشة.
ولذا فإن الأجيال اليمنية المتعاقبة يدينون بالفضل الكبير لآبائهم وأجدادهم الذين صنعوا لهم هذا اليوم الذي غير مجرى الحياة، واستعاد إنسانيتهم ومنحهم حقوقهم كأصحاب للأرض وليس كغرباء، كبشر حقيقيين وليس كعبيد في سوق نخاسة .
كيف كانت الحياة تستساغ بلا مدرسة ولا جامعة ولا مستشفى ولا طريق ولا خدمات ولا مرتبات ولا حقوق ولا حريات ولا أمن ولا استقرار، وإبان هذا اليوم الخالد تتحقق كل هذه الاحتياجات ويتحول السجن إلى وطن، وتغيب العنصرية وتحل المساواة، ويتنحى الجهل ويشرق العلم في كل قرية، ويلتحق اليمن بركب الحضارة بعد أن غيب لقرون.
صنعت الثورة السبتمبرية لليمنيين وطناً حراً وعاشوا عصراً مزدهراً للدرجة التي خفت تقديسهم لها، ووهنت حمايتهم لمكاسبها، وتجاهلت الأجيال المتأخرة سر وجودها بالصورة التي هم فيها إلا أن حلت الكارثة بعد خمسة عقود جمهورية مضيئة في 21 سبتمبر/ 2014، كارثة عودة الإمامة بنسختها الحوثية من البوابة الخلفية لليمن صعدة لتلتهم الإشراق الجمهوري وتغرق اليمن بانقلاب سلالي إمامي لتعيده إلى تلك اللحظة التي سبقت انبلاج صبح السادس والعشرين من سبتمبر، وإسقاط اليمنيين في ذلك النفق العنصري المظلم والاستلاب الكلي للأرض والإنسان، وإحلال ثقافة الجهل والخرافة والطائفية والموت والتبجيل والطبقية والقمع والفتك باليمنيين الذين تمروا على هذه السلالة قبل خمسة عقود.
كانت هذه الصدمة دافعاً قوياً لعودة اليمنيين إلى سندهم الأول 26 سبتمبر، متباركين بنعيمها ومستشعرين بركاتها، ومنقبين عن خلاصاتها بعد أن تصاعد الدخان الإمامي الأسود وأراد اجتياح خمسة عقود سبتمبرية وربط عجلة القطار الزمني للإمامة التي سقطت في نفس يوم 21 سبتمبر / 1962، واندلاع الشرارة الأولى قبل خمس أيام من 26 سبتمبر، وكأن الخمسة العقود الجمهورية لا يمكن احتسابها زمنياً على اليمنيين.
والآن بعد مرور عقد من محاولة عودة الإمامة تحل علينا الذكرى الثانية والستين لثورة 26 سبتمبر يظهر اليمنيون الأحرار تبجيلا لها يفوق تصور أعدائها، وإجلالاً يحرق خيالاتهم، ويمزق آمال الانتصار عليها؛ لأنها الشرف والكرامة، لأنها الحرية والشهامة، لأنها العزة والفخامة، لأنها الشروق الذي لا يأفل والأمل الذي لا يخفت.
مقالات ذات صلة