الأخبار
Image Description

حافظ الهياجم

المفاوضات.. الخطة "ب" لإنهاء الحرب

‫كتابنا‬| 8 أغسطس, 2024 - 4:40 ص

 تبدأ المعركة بعنفوان يُظهِر فيها المهاجم أقصى ما يستطيع من النزق، ويُظهِر المدافع أقصى ما يستطيع من المقاومة. وعندما لا تتحقق النتائج، وتمضي الأيام، والأسابيع، والأشهر، والسنوات، وتتضاعف الكلفة الإجمالية للحرب، تُشَرع الأبواب للتفاوض، وتبدأ جولة التنازلات والمكاسب، وفقاً لوضعية وحالة كل طرف.

ولا يمكن في المفاوضات أن تَحمِل الأطراف معها نفس التصورات التي انطلقت منها أول الحرب. فالمفاوضات لا تعترف بالثوابت، ولا تحترمها تماماً، وهناك دائماً ما يجب عليك أن تخسره أو تتخلى عنه.

والحقيقة أن المفاوضات معركة شديدة الضراوة، وهو ميدان متصل مع ميادين المعركة، يتأثر بمجرياتها، ويسعى كل طرف لتحسين مواقفه وانتزاع أوراقه من خلالها.

وما لا يمكن تحقيقه عبر الدبابات، يتحقق في أحايين كثيرة على طاولات التفاوض، وتخضع مؤشرات نجاح هذه المفاوضات لاعتبارات عدة، أهمها: الاستعداد الحقيقي من قبل الأطراف، وضرورة امتلاك كل طرف القرار السيادي، والأخير، للمضي والإقرار والتعديل والاقتراح. كما تعتمد على نوعية الوسيط ومقدار ما يتمتع به من خبرة تراكمية، وحسن السيرة، وطبيعة العلاقة التي تربطه بأطراف النزاع، والثقة المتبادلة، وأن يكون لديه من أوراق الضغط ما يكفي لاستخدامها لتحقيق تقدم واختراق في العملية التفاوضية.

ومما يلزم لنجاح هذه العملية أيضاً، وجود هدف واضح للتفاوض. هدفاً إستراتيجياً لا تكتيكياً. فالتفاوض لتحقيق أهداف تكتيكية لا يعدو عن كونه استثماراً جديداً يصب في مصلحة استمرار الحرب. وغالباً ما تأتي الأهداف الإستراتيجية نتيجة لرؤية عقلانية تلبي ضرورات إنسانية، واجتماعية، وتفسح المجال لمراجعات طويلة تُبنى على قواعد التشاور والتفاهم.

المفاوضات هي وسيلة آمنة لا تضمن بالضرورة "نيل الحقوق"، وإنما إنهاء النزاعات على قاعدة الخروج بأقل الأضرار والخسائر. وغالباً يتم اللجوء إليها كخطة "ب"، بعد أن يتم تجريب قساوة الحروب والكوارث، وبعد أن يحدث الكثير من الدمار والخراب والأزمات الإنسانية.

وبالرغم من أن هذا توصيف متواضع للمفاوضات، ولكنه قد يؤدي إلى فهم الحالة اليمنية كنموذج، والتعرف على أسباب تعثر مشاريع السلام، ليس ابتداء من اتفاق السلم والشراكة في صنعاء، ولا انتهاء بمبادرات السلام الأخيرة التي قادتها الرياض. ذلك أن اشتراطات نجاح المباحثات لم تتوفر ولا مرة واحدة على الأقل. لا من حيث النوايا الحقيقية، ولا الأهداف الإستراتيجية، ولا استقلالية القرار، ولا العقلانية والمصداقية، وإن كانت الأطراف ليست جميعها على السواء.

والمؤسف أن مساعي حلول الأزمة اليمنية توزعت حصراً بين الرياض وواشنطن، وربما طهران في السياق، نظراً للتأثير المباشر لهذه الدول على الملف اليمني، وباعتبار أن الوسيط العُماني لا يمثل عنصراً جديداً في المعادلة بقدر ما يسعى لإيصال رسائل هذه العواصم. ولذلك أي جهد دولي أو إقليمي مختلف سيُفهم على انه تقويضاً لمصالح هذه الدول في المنطقة، وإلا فما المانع من البحث عن وسيط نشيط وله رصيد من الخبرة، وقادر على حشد المواقف الدولية المساندة وتحريك الملف اليمني في الأمم المتحدة وضمان إنفاذ صيغة التفاهمات..

والأمثلة كثيرة في المنطقة والعالم لمثل هذه الجهود المثمرة، كصفقة الحبوب التي أنجزتها تركيا مع روسيا، وصفقتي أفغانستان بين أمريكا وطالبان، وتبادل الرهائن بين الأمريكان والإيرانيين التي أدارتها الدوحة، والجهود الحثيثة والمتواصلة التي تبذلهما حالياً كلاً من القاهرة والدوحة بين دولة الاحتلال الصهيوني وحماس، وتتابعها واشنطن عن كثب وتستخدم جميع أوراقها لدفع الأطراف لقبولها.

على اختلاف الواقع، والوقائع، والجغرافيا، والمصالح والحسابات، واختلاف الأطراف والوسطاء، إلا أن وجود وسيط نشط مقبول لكافة الأطراف، قادر على أن يحرك الملف اليمني بالطريقة التي تتحرك فيها مختلف الملفات الحساسة والتي يتفاعل معها العالم، يمكن أن ينجح في إيصال اليمنيين إلى بر الأمان.

ويمكن أن ينجح في الضغط على الأطراف المتلكئة، أو المعرقلة، للقبول بصيغة سلام تنهي الصراع الذي طال أمده، وتؤسس لمرحلة استقرار طويل يستعيد فيها اليمن قدرته وفعاليته بالمنطقة والعالم.

 ودون توفر هذه المقومات الأساسية للمفاوضات لا يمكن أن يكون هناك أُفُق لحل سياسي سلمي توافقي، ما يعني أن الخيار العسكري سيظل قائماً، وحالة التشظي والتصدع ستظل ترتفع بالوتيرة التي نشهدها جميعاً، وليس هذا ما يريده اليمنيون، أو ما يريده العقلاء منهم على الأقل.

وعموماً ليست الحروب وحدها من تحتاج إلى قادة شجعان، بل حتى عمليات السلام تحتاج إلى قادة على قدر عالٍ من الشجاعة والحرص والمسؤولية. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخوض حرباً حتى يستنفد جميع الخيارات الممكنة للحيلولة دونها.

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024