الأخبار

سلطان الصريمي.. الأغاني في قصائد رعوية

‫مجتمع ‬‫وثقافة‬| 5 يناير, 2025 - 12:36 ص

جمال حسن

image

الشاعر اليمني الراحل سلطان الصريمي

اتخذ جزء كبير من شعر الغناء اليمني سمات رعوية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، بسبب ظهور جيل شكّل جسر اتصال عميق بين ثقافة الريف والمدينة. كان الشاعر اليمني سلطان الصريمي (1948 - 2024)، الذي رحل أخيراً، أحد أبرز الأصوات الشعرية التي عبّرت عن الروح الريفية اليمنية، ونقلت مفرداتها وتعابيرها إلى الغناء اليمني.

ظلّ صاحب قصيدة "نشوان" مُحافظاً على كثير من الألفاظ القروية، مطرّزاً بها قصائده الغنائية، جنباً إلى جنب مع القصائد الفصحى. هكذا، أعطى لنفسه هوية تعريف شعرية، ليست غايتها أن تمثل انتماءً إلى مجتمعه المحلي. ولد الصريمي في إحدى قرى الحجرية، التابعة لمحافظة تعز، وكان أحد أولئك الشعراء والمثقفين الذين جعلوا من ذلك الريف التعزي مركز تأثير ناعم في اليمن، لعدة عقود. 

تُعمّق روح الريف هذا الارتباط العميق، وتحديداً ريفه التعزي، في قصيدة "تليم الحُب". عزّز لحن وأداء الفنان اليمني أيوب طارش من هذا الطابع الريفي، لجهة المطلع المُرسل، الذي شكل نقشاً تمتزج فيه روح الملالات والمهاجل الزراعية المنتسبة إلى تلك المنطقة الريفية، وأيضاً بالبساطة التعبيرية التجديدية، التي ميزت أيوب طارش. 

تمتاز القصيدة الغنائية بطاقة تعبيرية تسمح لمن يعرف الريف اليمني بأن يشم رائحة الأرض المختلطة برذاذ المطر. ويرى الأحراش التي تشكلها بعض العرائش المختلطة بأشجار شوكية، تتكرم بعضها بثمار سوداء صغيرة، والنسيم العذب وزهور نيسان. 

يبدأ مطلع الأغنية "تليم الحب في قلبي تذكرني بأيام الهثيم/ تذكرني بدوادح حُبنا الغالي ودخداخ النسيم". وكلها تجعل من حياة الريف صورة لذكرى الحب، فمفردة "تليم" تعني "الحرث"، وتُستخدم في ريف تعز وإب وجنوب تهامة. وهنا حرث الحب يعيد للذكرى طقوس القرية، وأيام مطرها الناعم؛ فالهثيم، هو الرذاذ من المطر، ودخدخة النسيم، هي صفعات الهواء الخفيف. أما الدوادح، فهو نوع من الثمار الصغيرة، لونها أشبه بالتوت الأسود، وطعمها حلو.
 
تلك الصلة العميقة بروح الريف ناتجة من عيش الصريمي لفترة طويلة في القرية، وفقاً لما سبق له أن تحدث به في لقاءات صحافية، مؤكداً أنه في قريته استمع إلى الأغاني الشعبية مثل أغاني البذار والحصاد والموالد والأعراس. 

كل هذه الفنون في الريف كونت "مخزوناً سمعياً من الثقافة الشعبية متعددة المشارب"، وساهمت في تكوين "حصيلة قاموسية واسعة من المفردات العامية وما يقابلها من الفصيح". وساعده ذلك على أن يصوغ الصورة الشعرية ما بين العامي والفصيح بطريقة يفهمها الناس. 

ارتبطت قصائد الصريمي الغنائية بعدد من أبرز الفنانين اليمنيين، على غرار محمد مرشد ناجي المرشدي، وأيوب طارش وأحمد فتحي. غنى الأخير من كلماته أغنية واحدة هي "أنا لك"، لحنها برتم سريع، مضفياً عليها طابعاً شعبياً من التراث التهامي، مع بناء جسر يتصل بأسلوب الغناء اللحجي وغناء المناطق الجنوبية. 

لعلّ أكثر الفنانين الذين ارتبطوا بقصائد الصريمي هو عبد الباسط عبسي، ومن أبرزها "يا صباح الباكر" و"عروق الورد" و"يا ورود نيسان" و"متى وا راعية". ويأتي ذلك لأن الاثنين يشتركان بالانتماء الفني المُعبر عن ذلك الريف التعزي، سواء بمفرداته وتعابيره، أو موروثه الغنائي الشعبي.

غنى للصريمي فنانون يمنيون مثل جابر علي أحمد ونجيب سعيد ثابت. لكن الأمر لم يقتصر على الاتصال بالفنانين المحليين، فغنى له من العرب فرقة الطريق العراقية، وأيضاً حميد البصري، وفرقة محمد حسين منذر السورية، وشوقية العطار وقيس العراقي.

لم يقتصر حضور الشاعر اليمني سلطان الصريمي على كتابة القصيدة الغنائية المنسوجة بطابع رعوي تمثل حب الريف. انخرط الشاعر بدور ثقافي وسياسي. ومنذ شبابه ارتبط بالعمل السياسي ضمن تيار اليسار، متمثلاً بالحزب الاشتراكي اليمني. وكان رئيساً لاتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين في بداية الوحدة ما بين عامي 1990 و1992.

ما ميز قصائد الصريمي، معالجتها لقضايا اليمنيين وهمومهم اليومية، سواء كانت اجتماعية أو سياسية. وهو ما جعله كاتب أشهر أغنية سياسية يمنية على الإطلاق. لأغنية "نشوان" قصة مثيرة جعلت منها قضية ملتبسة في اليمن المُشطر إلى بلدين. 

عندما كتب الصريمي قصيدة "نشوان" عام 1977، وكان يخطط لإلقائها في مناسبة حزبية بحضور الرئيس سالم رُبيّع علي وزعيم الحزب في عدن عبد الفتاح إسماعيل، وآخرين من كبار قيادات الدولة والحزب، تفاجأ بمنع قصيدته واستبعاده من فقرات الفعالية الحزبية. هكذا، ظلت لعامين قصيدة محظورة، حتى سُمح لها في الولادة بصوت الفنان محمد مرشد ناجي المرشدي عام 1979. 

وفي العام نفسه، كانت هناك حساسية مفرطة على الحدود بين شمال اليمن وجنوبه. وشكلت أغنية "نشوان" جزءاً من هذا الالتباس السياسي، فكانت من المحظورات التي يُرفض عبورها تلك الحدود الشطرية قبل الوحدة في عام 1990. 

طوال ثمانينيات القرن الماضي، ظلت أغنية "نشوان" محظورة في اليمن الشمالي. كان الاستماع إليها أو تداولها يمثّل إدانة تودي بصاحبها إلى السجن.

(العربي الجديد)

| كلمات مفتاحية: سلطان الصريمي

أخبار ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024