الأخبار

الساعات الأخيرة لحكم بشار الأسد.. هكذا تساقط "دومينو" النظام المخلوع

عربي| 7 يناير, 2025 - 8:30 م

يمن شباب- متابعات

image

أسقطت عملية "ردع العدوان" في سورية نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لتنهي بذلك عقوداً من حكم آل الأسد لسورية. بكل بساطة، التسمية تعني ردع عدوان محتمل من قبل قوات النظام والمليشيات، ضد المناطق التي انطلقت منها العملية، أي إدلب ومحيطها، وما تعرف سابقاً بـ"منطقة خفض التصعيد الرابعة"، التي تضم كامل محافظة إدلب، وريفي حلب الغربي والجنوبي، وريفي حماة الشمالي والغربي، وجيب في ريف اللاذقية الشرقي.

تلك عملية، كان مخططاً للقيام بها قبل نحو خمسة أشهر من وقت انطلاقها الفعلي في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، فيما تم التجهيز لها منذ نحو عامين، وزادت الحاجة إليها مع بدء التحشيد الواضح لقوات النظام على خطوط التماس مع قوات المعارضة السورية في إدلب ومحيطها، التي كانت تجمعها غرفة عمليات "الفتح المبين" المشكّلة من عدة فصائل، أكبرها "هيئة تحرير الشام"، ومن هنا جاء الاسم النهائي للعملية "ردع العدوان".

غير أن تحشيد قوات النظام ومليشيات روسيا وإيران على خطوط التماس، كان سبباً من أسباب ثلاثة دفعت الهيئة وفصائل المعارضة في إدلب إلى خوض تلك المعركة. أولها، رغبة أحمد الشرع، قائد الهيئة في توسيع السيطرة تجاه مناطق تُعدّ أساساً ضمن منطقة خفض التصعيد الرابعة، قبل أن يقضمها النظام والمليشيات الإيرانية والروسية، في معارك متتابعة بدءاً من منتصف العام 2018 وحتى وقف إطلاق النار المبرم بين روسيا وتركيا، في الخامس من مارس/ آذار 2020.

وكانت فكرة التوسع عند الشرع تعود إلى هدفين كذلك، الأول، توسيع النشاط الاقتصادي بعد نجاح حكومة الإنقاذ التي أسسها في عمق إدلب، في بناء بنية تحتية مقبولة يمكن توسيعها والعمل عليها، لزيادة مكاسب حكومة الإنقاذ ومن ثم هيئة تحرير الشام، ويتضمن ذلك زيادة المشاريع وخلق فرص عمل تقلل من البطالة. أما الهدف الثاني، فيرمي إلى حل مشكلة الاكتظاظ والمخيمات بعد موجات النزوح المتكررة، ولا سيما خلال معارك العامين 2019 و2020، والتي أدت إلى نزوح قرابة مليوني مدني، كلهم من مناطق ريف إدلب الجنوبي والشرقي، وحلب الغربي والجنوبي، وحماة الشمالي والغربي، التي تتبع لمنطقة خفض التصعيد الرابعة التي لم تستطع تركيا حمايتها، بحكم كونها "ضامنة" لها، من هجوم النظام والروس رغم انتشار النقاط التركية فيها، وبدأت الأصوات تتعالى من قبل النازحين للضغط على العسكر لإعادتهم إلى منازلهم، بعد أن فتك بهم الفقر والعوز والأوضاع الإنسانية الصعبة جراء النزوح.

أما السبب الثاني وراء خوض عملية "ردع العدوان"، فيكمن في رغبة الهيئة في عرقلة مسار التطبيع بين تركيا والنظام، الذي سعت له أنقرة بجهد واضح خلال العام الماضي، ولا سيما خلال النصف الأخير منه، حيث أراد الشرع خلط الأوراق في الميدان لتنعكس على أروقة السياسة، ولا سيما أن تركيا تملك تأثيراً كبيراً على فصائل المعارضة في مناطق نفوذها، أي فصائل "الجيش الوطني" التي بدت في معظمها في وضع الإذعان للرغبة التركية في التقارب مع النظام.

أمّا آخر الأسباب، كما هو موضح أعلاه، فكان يتمثّل بردع العدوان فعلاً، بعد أن حاول النظام الإيهام بأنه لديه نية أو قادراً على التوسع، رغم عدم قدرته فعلياً على ذلك.

أين تركيا من كل ذلك؟

يجب العلم، أن التنسيق العسكري بين تركيا من جهة، وهيئة تحرير الشام وفصائل إدلب من جهة أخرى، ضعيف جداً، إن لم يكن معدوماً في السنوات الثلاث الأخيرة، ففي حين يتحكم الجيش التركي في مناطق نفوذ الجيش الوطني في أرياف حلب والرقة والحسكة، فإنه ليس له ذلك على فصائل إدلب وهيئة تحرير الشام بالتحديد، حيث يقتصر التواصل بين أنقرة والهيئة على التواصل الأمني فقط، عن طريق جهاز المخابرات التركية تحديداً.

قبل العملية، أرسلت الهيئة رسالتين إلى أنقرة، الأولى كانت قبل نحو خمسة أشهر، تطلب فيها غطاءً أو ضوءاً أخضر للبدء بعمل محدود، من دون الحاجة إلى دعم عسكري أو لوجستي، لكن الرد التركي كان رافضاً بالمطلق لكون ذلك سيؤثر على المسار السياسي في أستانة، الذي زُج إليه مسار التطبيع بين النظام وأنقرة، وأعادت تركيا كذلك التذكير بمسألة تدفق اللاجئين في حال توحش النظام والروس في قصف المناطق المدنية كما السابق. حينها، أجلت الهيئة، لكنها لم تبطل فكرة العملية، لكن رفض بشار الأسد الجلوس على طاولة التفاوض مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتلقي أنقرة إشارات بأن الأسد لن يقدم أي تنازلات، ولا سيما حيال عودة اللاجئين وإيجاد صيغة ولو بالحد الأدنى لتطبيق بعض الحلول السياسية وإشراك المعارضة، غيّر المزاج التركي، فكانت الرسالة الثانية في طريقها إلى أنقرة قبل عدة أيام من العملية، فكان الرد التالي: "أمامكم 72 ساعة لتحقيق نتائج على الأرض، حينها ستتلقون دعمنا ومباركتنا، وفي حال لم تتمكنوا من تحقيق نتائج سنتدخل لوقف المعركة لصالحكم (أي من دون أن تكون ردة فعل كبيرة ضدكم ولا سيما من الروس)، لكن مقابل ذلك ستكونون مرغمين على الموافقة على ما سنتفاوض عليه مع النظام".

المصادر التي أبلغت "العربي الجديد" بهاتين الرسالتين، لا تعلم ما هو رد الهيئة على الصيغة التي وردت في ردود أنقرة على الرسالة الثانية، لكن المعركة بدأت، وكان نطاقها محدوداً للغاية في مرحلة أولى، بحسب المصادر ذاتها، وهو جزء بسيط من ريف حلب الغربي، للسيطرة على عدة قرى انطلاقاً من الفوج 46 وتوسيع السيطرة شماله وجنوبه باتجاه محافظة حلب، وصولاً إلى حدود خفض التصعيد غربي حلب، التي رسمتها طاولة أستانة، وبعدها اتفاق سوتشي 2018 بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، وفي حال تم تحقيق تقدم عند هذه الجبهة، سيتم فتح محور آخر باتجاه ريف إدلب الجنوبي، انطلاقاً من سراقب وسط محافظة إدلب، للانطلاق نحو جنوب المحافظة.

ماذا حدث بعد ذلك؟

بدت قوات النظام مرهقة، ولا سيما على المستوى النفسي، فيما كان الركون قد نال من استعدادها، فتهاوت حصون تلك القوات بسرعة، من دون أن يتمكن النظام وحليفه الروسي والإيراني من استيعاب ما حدث. ففي حين كانت موسكو منشغلة بالمعارك شرقي أوكرانيا، كان تأثير الخبراء والمستشارين العسكريين الروس غير موجود على الأرض السورية، وكان كل ما يمكن أن يفعله الروس هو ضرب خطوط الإمداد لقوات المعارضة المتقدمة بسرعة في حلب، وذلك كان لينفع لو لم تنسحب قوات النظام بشكل كيفي وغير منظم من نقاطها ومعسكراتها على تخوم مدينة حلب، تاركة وراءها العشرات من الدبابات والمدافع، وأطنان من الذخائر المتنوعة. حينها، لم تحتج قوات المعارضة إلى خطوط إمداد، فقط كان يلزمها الوقود لتشغيل الآليات المغتنمة لمواصلة المعركة بها، علماً أن الوقود الكافي لسحب الآليات لم يكن متوفراً عند قوات النظام، وذلك بحسب الجنود الذين استسلموا لمقاتلي المعارضة.

السيطرة على حلب، ومن ثم التوسع جنوباً بالسيطرة على كامل الحدود الإدارية لمحافظة إدلب والتوجه نحو حماة، جعل بشار الأسد يدرك الواقع المنفصل عنه، ولا سيما أن إشارات الحلفاء بالتخلي عنه كانت قد بدأت تصل، والتي تأكد منها بعد اجتماع وزير خارجيته بسام الصباغ مع كل من نظيريه العراقي والإيراني في بغداد مساء السادس من ديسمبر، وذلك الاجتماع كان الأسد يأمل منه الخروج بقرارات من العراق وإيران بإرسال قوات للمساندة، لكن كلمتي الوزيرين العراقي والإيراني في المؤتمر الصحافي الذي أعقب الاجتماع، كانتا كفيلتين بأن تخبراه بأن "تدبر نفسك، فلا نملك سوى الإدانة والشجب والتعاطف".

محاولات بشار الأسد الأخيرة للدفاع عن نظامه

لن ينتظر بشار الأسد اجتماع الدوحة في اليوم التالي، لأنه كان يعلم نتائجه نظراً إلى الإشارات السابقة، فبدأ يعمل على خطتين، الأولى: التحضير للهروب، والثانية: الحشد من داخل قواعد نظامه في الساحل لزجهم في المعركة، والدفاع عن النظام عند تخوم حمص وسط البلاد، وكلّف بالعمل على هذه الخطة الأخيرة مستشاره الاقتصادي يسار إبراهيم، الذي تواصل مع معظم متزعمي العصابات والمليشيات الرديفة من الساحل، والتي كانت مستفيدة من النظام سواء بالقتال معه و"تعفيش" المناطق المسيطر عليها بعد ذلك، أو من خلال تجارة الكبتاغون الذي بات علامة مسجّلة باسم بشار الأسد في العالم.

طلب يسار إبراهيم، وتحديداً من أشخاص من عائلة الأسد، تجنيد كل من يمكن تجنيده من خلال الأموال، فيما سيتم تقديم السلاح عن طريق القصر والفرقة الرابعة، حينها تلقى إبراهيم الردود بالجاهزية في حال توفر الأموال للمقاتلين المراد تجنيدهم، معلنين أنهم يحتاجون إلى قرابة ثلاثة ملايين دولار شهرياً رواتبَ للمقاتلين ونفقاتهم. عاد الإبراهيم إلى بشار الأسد وتلقى منه التعليمات، وكانت بأن يجد آل الأسد ممولين "بالخوة" من الاقتصاديين والتجار لتمويل هذه الخطة، حينها علم آل الأسد أن الوقت قد فات لترهيب التجار والاقتصاديين لسحب الأموال منهم، وأن بشار لن يفرج عن أمواله للدفاع عن حكمه، فهربوا مع عائلاتهم إلى الجبال، وفي ذلك الوقت، انهارت قوات النظام في حمص، وبدأت دمشق وريفها بالخروج عن السيطرة لصالح المعارضة، فكانت الخطة الأولى حاضرة لدى بشار الأسد، ولا ينقصها إلا بعض الترتيبات مع السفارة الروسية لطريقة الخروج والوصول إلى حميميم، ثم الهروب والفرار إلى روسيا.

هكذا سقط بشار الأسد ونظامه، وإن كان ذلك حصل في 11 يوماً، إلا أن 14 عاماً من المقاومة السورية، على كل المستويات والأشكال، كانت تفتت هذا النظام الأقذر في العالم، قبل أن تُجهز "ردع العدوان" عليه.

العربي الجديد

أخبار ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024