الأخبار
Image Description

دعاء الزمر

المعلمون باليمن يهبون نور العلم ومحرومون من نور الكهرباء!

‫كتابنا‬| 21 يناير, 2025 - 8:17 م

 

هل شاهدتم فيديو تلك المعلمة، التي كانت تتحدث بغضب وسخط شديدين في إحدى المظاهرات اليومية للمعلمين في مدينة "تعز" للمطالبة بتسوية أوضاعهم ورفع أجورهم الزهيدة جدا، وهي تقول للإعلام: "أوصلوا المعلم لدرجة الشحاتة.. أوصلوه للفقر المدقع!"

وهل أحسستم بمرارتها وهي تعلن بشفافية مطلقة: "المعلم صار شحات!"

عن نفسي؛ خجلت بالنيابة عن أجيال تعلمت وكبرت، واستوت يدها وهي تكتب، ولسانها وهي تقرأ، بفضل هؤلاء المعلمين الأجّلاء..

وخجلت بالنيابة عن حكومة، كل فرد فيها، من أكبرهم إلى أصغرهم، درس وشب وصار رجلا يستحوذ على منصب، لأنه نهل من فيض هؤلاء المغلوبين في أقواتهم الضرورية، فيما المناصب الحكومية تنخرها بين الحين والآخر قضايا الفساد والتلاعب بالمال العام، التي تصل إلى مليارات الدولارات!

وخجلت بالنيابة عن بلد بأكمله، لن تقوم له قائمة، وأشرف وأهم فئة فيه تقاتل الفساد والإهمال وسوء الإدارة لأجل مهنة سامية يتحصلون منها على لقمة عيشهم!

بمكالمة قصيرة مع "أمي"، وهي ضمن من يعمل في المجال التربوي الحكومي والخاص، أعطتني تفاصيل أكثر عن أوضاع المعلمين من زوايا أقرب، في ظل الكارثة الاقتصادية، متمثلة في القصص اليومية للناس. ما سمعته منها فسّر لي أن تلك الحُرقة التي تحدثت بها المعلمة الفاضلة، في ذلك الفيديو، لم تكن مصطنعة ولا مبالغ بها. وأن ما يعيشه المدرسون من أوضاع مادية مهيّنة يعتبر فعلا بمثابة حرب واستهداف مباشر للعملية التعليمية في البلاد.

على هامش هذا الحديث، تذكرت، على سبيل الظرافة والتراجيديا معا، ما يحدث مع المغترب اليمني حين يتصل بأهله في اليمن؛ فما أن تبدأ المكالمة بتبادل التحايا والأشواق في أول دقيقتين، حتى تدخل سريعا، وتأخذ أكثر من نصفها في "الفجائع" وتلقي أخبار القرية المأساوية، على غرار: فلان مات، وبيت علان أحترق، وآخر مرض وباع بقرته... وهكذا مرورا بجميع أنواع المصائب!

وأتدارك في ختام المكالمة بسؤال أمي: طيب مافيش عندكم حاجه تفتح النفس؟!

كان محور حديثنا، أنا و"أمي"، عن مستجدات أوضاع المعلمين في مدينة "تعز"، الذين ينفذون إضرابا شاملا منذ ديسمبر الفائت وينظمون مظاهرات شبه يومية بهدف تصحيح أوضاعهم.

ومما عرفته، من المكالمة، أن إحدى قريباتنا، ويا للمفاجأة، صارت ممن يخرج في المظاهرات!! وهي التي ما سبق لها وأن شاركت في مسيرة في حياتها، حتى أنها لم تخرج معنا في "ثورة فبراير 2011"..!!

الآن فقط، ولكونها معلمة "لغة عربية" لما يربوا عن عشرين عاما، بدأت هذه الأيام تواظب بالخروج ضمن هذه المظاهرات، آملة أن تتحسن الظروف المعيشية لها ولزملائها المدرسين الذين وصل بهم الحال، في ظل هذه الظروف المعيشية المزرية، أن راتبهم ما عد يكفي حتى لسداد إيجار بيت، أو شراء مونة غذائية متكاملة لعائلة مكونة من أكثر من ثلاثة أشخاص.

"أخرجوا حتى المنحبسات في خدورهن!" تعلق أمي على الوضع بكوميدية سوداء. ومن الواضح أنه لن يتبق أحد في هذه البلاد دون أن يجد سببا ما للتعبير عن سخطه واحتجاجه..!!

معلمة أخرى وجدتها "أمي" شاردة الذهن، يكسوها همّا واضحا على غير العادة. ولاحقا أدركت "أمي" أن السبب وراء ذلك يعود إلى أنها، ومنذ أيام خلت؛ أصبحت تعيش مع عائلتها في الظلام، لأن "الطاقة الشمسية" التي كانت تعتمد عليها توقفت عن العمل، بعد أن استنزفت بطاريتها الصغيرة تماما، في حين أنها غير قادرة على شراء أخرى، ولا ربط كهرباء تجارية مكلفة، حيث يصل سعر الكيلو وات التجاري الواحد من الكهرباء 1,000 ريال (نصف دولار تقريبا)، في ظل غياب الكهرباء الحكومية عن مدينة "تعز" منذ اندلاع الحرب في 2014..!!

وهكذا تذهب أغلب سُلف المدرسين وقرضوهم، كما تقول أمي: لتوفير الطاقة البديلة التي يصل سعر أدناها حوالي 600 ريال سعودي (= 345 ألف ريال يمني، تقريبا)، فيما متوسط الراتب الحكومي لا يتجاوز حتى 200 ر.س (= 115 ألف ريال يمني، تقريبا).

أليس مأساويا أن من نعتمد عليهم في إنارة عقول أبنائنا وإضاءة مستقبل وطننا بنور العلم، هم أنفسهم يعيشون وأبنائهم في الظلام؟! ثم أليس مؤلما، وحزينا جدا، ألا تجد هذه المعلمة من يستمع إليها، ويهتم بمأساتها، سوى أطفالها الذين يدرسون في الابتدائية، إذ عرضوا عليها، ببراءتهم الطفولية، مبادرة "إنسانية" لتوفير المبلغ، خصما من مصروفهم اليومي البسيط، في سبيل مساعدتها لشراء طاقة كهربائية بديلة..؟!

المعلم، الذي من صلب عمله وواجبه أن يهب نور العلم ليُخرج الأجيال من ظلام الجهل، يجد نفسه عاجز أن يوفر لأبنائه الضوء الفيزيائي (المرئي)، ومحروما من الخدمات الأساسية في الحياة!

فأي عطاء ونفسية يمكن أن نتحدث عنها بعد ذلك؟!

بل أي ازدراء وجريمة ترتكب بحق أشرف المهن وأقدسها؟!

 

| كلمات مفتاحية: مظاهرة|معلمون|حقوق|تعليم

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024