الأخبار

غياب الشفافية والحوكمة في الحكومة اليمنية في ضوء تقرير الشفافية المالية الأمريكي 2024

تقارير | 24 سبتمبر, 2024 - 2:06 ص

وحيد الفودعي* - خاص: يمن شباب نت

image

مجلس الوزراء اليمني

 

 تُعد مسألة غياب الشفافية والحوكمة الرشيدة في الحكومة اليمنية من أكبر التحديات التي تواجه البلاد، في وقتٍ تعصف به الأزمات السياسية والاقتصادية المعقدة. تتفاقم هذه التحديات في ظل غياب الموازنة العامة للدولة، وضعف الأجهزة الرقابية التي يُفترض بها أن تضمن استقرار مؤسسات الدولة وتوجيه مواردها بالشكل الأمثل. ويعد تقرير الشفافية المالية الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2024 من أهم الوثائق التي سلطت الضوء على هذه القضية الحساسة، حيث أكد التقرير على مجموعة من النقاط التي كانت ولا تزال محط نقاش واسع في الأوساط اليمنية سواء على الصعيد المحلي أم الدولي.

لقد برزت قضية غياب الشفافية في اليمن كإحدى أبرز المشاكل الهيكلية التي تعوق أي جهود تُبذل لتحقيق الإصلاحات المالية والإدارية. ومع أن الشفافية تُعد من الأسس الرئيسية التي يقوم عليها الحكم الرشيد، فإن الواقع يشير إلى أن هناك فجوة كبيرة بين الخطابات الحكومية التي تدعي العمل على إصلاحات جوهرية، وبين ما يحدث على أرض الواقع. ورغم تصريحات رئيس الحكومة مراراً عن خطط لإصلاح النظام المالي والإداري، فإن غياب التنفيذ الفعلي والإرادة السياسية يجعل من هذه الإصلاحات مجرد وعود لا تنعكس على الواقع. وهناك عدة مقالات سبق وأن كتبتها شخصياً تبيّن ذلك، حيث لطالما حذرنا من العواقب المحتملة لاستمرار هذا الوضع.


للمزيد.. أقرأ:
ما الكوارث المترتبة عن استمرار الحكومة في عملها دون إقرار الموازنة العامة للدولة؟

تقرير الشفافية المالية الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2024، جاء ليؤكد مخاوف الكثير من المتابعين والمراقبين حول الوضع المالي في اليمن. إذ كشف التقرير عن عدد من النقاط التي تعكس الغياب التام للرقابة والمساءلة في إدارة الشؤون المالية للدولة، ما أدى إلى زيادة الشكوك حول قدرة الحكومة على إدارة موارد البلاد بشكلٍ فعال.

ومن بين النقاط الرئيسية التي تناولها التقرير التركيز على مسألة عدم إصدار وثائق الموازنة العامة في الوقت المناسب. فقد أكد التقرير أن الحكومة لم تصدر أي تقارير تنفيذية، أو تقارير ختامية للسنة المالية، وهو ما يعكس عدم التزام الحكومة بأبسط معايير الشفافية المالية التي تُعد من الأسس الجوهرية لإدارة الأموال العامة.

ديون الدولة

علاوة على ذلك، أشار التقرير إلى أن الحكومة اليمنية فشلت في نشر معلومات كافية حول التزاماتها المالية، بما في ذلك الديون المتعلقة بالمؤسسات المملوكة للدولة. هذا الغموض يجعل من الصعب تقييم الوضع المالي الحقيقي لليمن ويمنع المجتمع الدولي والداعمين من الحصول على صورة واضحة حول كيفية إدارة تلك الديون، وما إذا كانت تتم إدارة الالتزامات بطريقة مستدامة. إن عدم الشفافية في مجال الديون يؤثر سلباً على سمعة الحكومة، حيث يعزز الشكوك حول إمكانية وجود تجاوزات في استغلال الموارد أو الاتفاقيات مع الجهات الخارجية دون علم العامة.

المكاتب التنفيذية

وفيما يتعلق بالنفقات الخاصة بدعم المكاتب التنفيذية، أشار التقرير إلى أن الحكومة لم تُفصح عن أي تفاصيل دقيقة حول هذه النفقات، ما يزيد من الغموض حول كيفية توزيع الموارد العامة. إن تخصيص الموارد للمكاتب التنفيذية يشكل جزءاً مهماً من هيكلة الحكومة، وعندما تغيب الشفافية في هذا المجال، يصبح من الصعب التأكد مما إذا كانت هذه الموارد تُدار بكفاءة لتحقيق الأهداف المعلنة، أو ما إذا كانت تُستخدم لأغراض غير معلنة. الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى فقدان الثقة بين الشعب والحكومة، خصوصاً في وقتٍ تُعتبر فيه الشفافية والمساءلة أساساً مهماً لبناء الثقة وتعزيز الاستقرار.

حسابات خارج الميزانية

واحدة من أبرز المشاكل التي كشفها التقرير هي وجود حسابات مالية خارج الميزانية تُدار بعيداً عن الأنظمة الرقابية المعروفة. هذه الحسابات تمثل خطراً حقيقياً على إدارة الموارد المالية للدولة، حيث يتم تخصيص الأموال واستخدامها دون أي رقابة رسمية أو معايير شفافة. الحسابات غير المراقبة ليست جديدة على النظام المالي اليمني، لكنها تشكل تهديداً كبيراً على استقرار البلاد المالي، لأنها تسمح بالفساد وسوء الإدارة على نطاق واسع دون أن يتمكن أي طرف من مساءلة المسؤولين عن هذه الأموال.

نفقات الرئاسة

كما أشار التقرير إلى أن الحكومة اليمنية لم تقم بتفصيل النفقات المخصصة لدعم الرئيس ومجلسه. هذا الإغفال يثير تساؤلات حول مدى التزام الحكومة بمبادئ الشفافية والمساءلة المالية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد. غياب التفصيل المالي في هذا السياق يثير الشكوك حول كيفية إدارة الأموال العامة، وما إذا كانت تلك النفقات موجهة بشكل فعّال لخدمة الدولة والشعب أم أنها تخدم مصالح فئة معينة دون أن يكون هناك رقابة كافية. في ظل هذا الغموض، يمكن أن تتعرض الحكومة لانتقادات داخلية وخارجية تتعلق بسوء الإدارة المالية أو الفساد.

image

نفقات الجيش والاستخبارات

وفيما يتعلق بالنفقات الخاصة بالجيش والاستخبارات، كشف التقرير أن هذه النفقات لا تخضع لأي نوع من الرقابة، سواء كانت برلمانية أو مدنية. إن غياب الرقابة على هذه النفقات يثير تساؤلات جوهرية حول كيفية تخصيص الموارد في هذه القطاعات الحيوية. هذه النفقات تُشكل جزءاً كبيراً من الميزانية العامة، وغياب الشفافية يجعل من الصعب التأكد من كيفية استخدام هذه الأموال وما إذا كانت تُدار بكفاءة لتحقيق الأهداف المتعلقة بالأمن القومي أم تُستغل في أمور أخرى لا تخدم مصلحة البلاد. الأمر الذي يزيد من الشكوك حول كيفية إدارة هذه القطاعات ومدى التزامها بمبادئ الشفافية والمساءلة.

هيئات الرقابة المالية

التقرير لم يتوقف عند هذا الحد، بل أشار أيضاً إلى أن المؤسسة العليا للرقابة المالية، والمقصود هنا الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، تعاني من ضعف واضح في أداء مهامها. الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة يُفترض أن يكون العين الساهرة على أموال الدولة، لكنه في الواقع لا يعمل بانتظام ولا يلتزم بالمعايير الدولية للاستقلالية، وفقا للتقرير. عدم استقلالية الجهاز يعني أن قدرته على مراقبة الإنفاق العام وإجراء التدقيقات المالية بشكل فعال تتعرض لقيود شديدة، وهذا ما يُفقده مصداقيته أمام الرأي العام.

لا تنمية بلا شفافية

العديد من التقارير المحلية والدولية، بما في ذلك تقرير الشفافية المالية لعام 2024، أكدت على أن غياب الشفافية والحوكمة في اليمن يُعد أحد أكبر العوائق أمام تحقيق تنمية مستدامة. التنمية لا يمكن أن تتحقق في ظل غياب الشفافية، لأن إدارة الموارد بشكل فعّال يعتمد بشكل أساسي على وجود مؤسسات قادرة على مراقبة أداء الحكومة والتأكد من أن الأموال العامة تُدار بشفافية وعدالة. بدون هذه المعايير، يُصبح الحديث عن الإصلاحات مجرد شعارات جوفاء لا تعكس حقيقة الوضع.

ومع أن الحكومة اليمنية تدعي أنها تعمل على تحسين الأوضاع المالية والإدارية، إلا أن الواقع يشير إلى أن الفساد وسوء الإدارة ما زالا يُسيطران على العديد من مفاصل الدولة. هذا الأمر يزيد من حالة الاستياء بين المواطنين ويجعل من الصعب تحقيق أي تقدم يُذكر على صعيد الإصلاحات. الحكومة مطالبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، باتخاذ خطوات جدية وعملية لضمان أن تكون مؤسساتها أكثر شفافية وأكثر التزاماً بمعايير الحوكمة الرشيدة.

غياب الشفافية لا يؤثر فقط على الإدارة المالية للدولة، بل يمتد تأثيره ليشمل قطاعات أخرى مهمة مثل الأمن والخدمات العامة. فحين تكون الموارد المالية غير شفافة، يُصبح من الصعب على الحكومة تخصيصها بشكل عادل يخدم مصالح المواطنين. هذا يؤدي إلى تفاقم الفقر والبطالة، ويزيد من حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. لقد أثبتت الدراسات أن غياب الشفافية يُسهم في تعزيز الفساد وسوء الإدارة، وهما عاملان أساسيان في تقويض جهود التنمية.

من المؤكد أن اليمن بحاجة ماسة إلى إصلاحات جذرية في مجال الشفافية والحوكمة، لكن هذه الإصلاحات لن تأتي من تلقاء نفسها. تحتاج الحكومة إلى اتخاذ خطوات جريئة وملموسة لضمان أن تكون مؤسساتها أكثر شفافية وأكثر انفتاحاً على الرقابة والمساءلة. بدون هذه الإصلاحات، سيبقى اليمن عالقاً في دوامة من الفساد وسوء الإدارة، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تعميق الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

في الختام، يمكن القول إن تقرير الشفافية المالية الأمريكي لعام 2024، جاء ليؤكد على الحاجة الماسة للإصلاحات في اليمن. التقرير لم يكشف فقط عن التحديات المالية التي تواجهها الحكومة، بل أيضاً عن مدى تأثير غياب الشفافية على كافة جوانب الحياة في البلاد.

وما يزال أمام الحكومة اليمنية فرصة حقيقية لإصلاح نظامها المالي والإداري، لكن هذه الفرصة لن تتحقق إلا إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية واهتمام من القيادة بضمان الشفافية والمساءلة في إدارة شؤون الدولة.

 

* باحث ومحلل اقتصادي يمني

أخبار ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024