الأخبار
Image Description

حافظ الهياجم

تراجع المكون الإسلامي في اليمن.. ضعف أم مناورة؟

‫كتابنا‬| 27 أغسطس, 2024 - 6:05 م

 

 تقدمت الحركة الإسلامية في شتى بلدان العالم العربي والإسلامي عندما كانت جريئة، وكانت تُسقِط الحسابات ولا تسقُط بالحسابات أمام الوقائع الكبيرة والمهمة. كانت الحركة شجاعة، وكان أبنائها على قدر كبير من التضحية. ربما ليس المطلوب من الحركة أن تظل تتبنى فكرة التضحية طيلة مشوارها الطويل، ولكن كمحرك وفكرة عامة، ما كان عليها أن تتخلى عن هذا المفهوم.

السير ضمن حسابات معقدة، والولوج ضمن المعادلات الصعبة؛ يضعك أمام محاذير كثيرة، وهذا مفهوم. ومفهوم أيضاً أن مراكمة الإنجازات والمكتسبات عاملان مؤثران على اتخاذ القرارات. حيثُ وصانع القرار يضع بالاعتبار أهمية المحافظة عليهما. ولكن هذه الاعتبارات، بالمقابل؛ لا يجب أن تمثل قيوداً أمام حرية الحركة والتفكير والتصميم على نيل المزيد من الاستحقاقات.. لأن هذه الإنجازات هي وليدة لعقود من الشجاعة والقوة والتكتيكات المرحلية المتمثلة بسلسلة من الإنحناءات والتنازلات والخضوع، قد تتحول إلى استراتيجية عمل حال جاوزت الحد المناسب لها.

والحقيقة أن الحركة الإسلامية في اليمن شُهِدَ لها سابقاً بالكثير من الحنكة والحكمة والمواربة، وكانت إلى وقت معين تسير باتجاه صحيح. لكن هذه الحنكة بدأت تأخذ منحا مختلفا، بدأت معها عمليات طويلة قادت بالمحصلة إلى خسارة الحركة لأهم عوامل قوتها: عامل الخطاب القوي بما يكتنفه من تحديات للواقع، وتعهدات بمحاولة التأثير عليه.

 ومع أن العامل الإقليمي مارس دورا كبيرا في مناهضة هذا الخطاب، وسعى حثيثاً للقضاء على سطوته الواسعة لدى شعوب المنطقة؛ إلا أنه من غير الصحيح إلغاؤه، بما يمثله من أهمية، كونه يعد بمثابة الهوية الأم للحركة الإسلامية! وهي بذلك إنما تلغي شخصيتها، وتسير في طريق طويل من التنازلات التي لم تؤدي، ولن تؤدي، إلى نتيجة يتحقق معها مكسب استراتيجي أكثر من المكسب الذي كانت تستطيع أن تحققه دون التنازل عن خطابها، وعن أدبياتها، وعن كتلتها الصلبة التي فقدت الإيمان بها.

 لنأخذ مثلا؛ الحركة الإسلامية في اليمن، المتمثلة بحزب "التجمع اليمني للإصلاح"، بما يملكه من خزان بشري هائل، تتنوع فيه الخبرات والإمكانات والتخصصات، كتنوع الجغرافيا التي يعمل داخلها: من الريف إلى الصحراء، إلى البادية، الى الوديان والسهول والجبال، كما هي إلى المدن الكبيرة والرئيسية..

فقد كان "الإصلاح" عزيزاً بجماهيره، قوياً بحضوره، وغنياً بمبادئه، وكان أعضاؤه- رغم الامتحانات الشديدة والمحن المتتالية- صامدون، يعشقون حزبهم الكبير، ويفدونه بالغالي والرخيص، لأنهم حينها كانوا مرتبطين بالمبادئ والشعارات التي يرفعها الحزب.. ارتباطهم العضوي بتلك الغايات المنسجمة مع تفكيرهم، ومشاعرهم، وتطلعاتهم، لأن الهم الإسلامي كان حاضراً على رأس أولويات "الإصلاح"، كما هو البعد الوطني والقومي، المرتبط مع قضايا وهموم البلدان العربية، على رأسها قضية فلسطين المركزية..

وللأسف "الإصلاح" اليوم أصبح مختلفا، على الرغم من التضحيات الكبيرة التي يسطرها شبابه في كافة ميادين النضال، مدافعين عن شرف الجمهورية، ومتصديين للمشروع الحوثي السلالي؛ إلا أن فعالية قياداته، في اعتقادي، لا تنسجم مع تلك التضحيات، ولا تتناسب مع مستواها على الإطلاق..!!

و"الإصلاح" اليوم ليس مختلفاً على سبيل القضايا الأممية فقط؛ بل على سبيل القضايا الوطنية أيضا. والاختلاف الذي أقصده هنا: أن هذا الحزب، الذي يعد واحد من أهم مكونات العمل الوطني، وأحد روافع العملية السياسية في البلاد؛ قد تراجع دوره المنشود، والمعهود، في دفع المشهد اليمني إلى صدارة الاهتمامات، من خلال العمل المنظم الذي يختلط فيه السياسي بالإعلامي، بالشارع، في وحده منسجمة مع نفسها، وتعرف ما تريده بالضبط.

وبالتالي فإن على قيادات هذه الكتلة أن تعود للسير بتناغم مع قواعدها وحجم تضحياتهم، مما يمكنها من فرض رؤيتها في المعادلة التي باتت تتشكل تباعا من لاعبين جدد يخصمون من حيّز الإصلاح واستحقاقاته وحضوره.

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024