- جامعة عدن تستنكر انتهاكات وعمليات سطو على أراضيها من قبل مسلحي الانتقالي عمران: العثور على جثة مسلح حوثي مقتولا داخل عبّارة لتصريف المياه مشرحة الخرطوم مكتظة بالجثث.. السودان: 70 قتيلاً في قرية "ودعشيب" بهجمات قوات الدعم السريع عيدروس الزبيدي خلال لقائه قيادة الإصلاح: استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب أولويتنا حريقان هائلان في محلين تجاريين أحدهما بصنعاء والأخر في الحديدة الحديدة: وفاة ستة أشخاص من عائلة واحدة غرقا في وادي مور مجلة أميركية: كيف ستتعامل إدارة ترامب مع مليشيا الحوثي في اليمن؟
اليمن: التهدئة في الجبهة الاقتصادية
أراء| 4 أغسطس, 2024 - 12:50 ص
تدفع الجهود الدبلوماسية في الوقت الحالي إلى تحريك الملفّ الاقتصادي في اليمن، من خفض التصعيد إلى التوافق بشأن تفاهمات إطار مستقبلاً في الملفّين الاقتصادي والإنساني، وذلك بعد اتفاق التهدئة الذي رعته الأمم المتّحدة، الذي تضمّن إلغاء القرارات التي طاولت القطاع المصرفي، إضافة إلى تدابير مصاحبة، واستئناف المفاوضات في الملفّ الاقتصادي، بما يُؤدّي إلى توافق الفرقاء اليمنيين بشأن آلية إعادة تصدير النفط والغاز واقتسام العوائد.
ومع أنّ تحريك الملفّ الاقتصادي فرضته التطوّرات الإقليمية، بما في ذلك أولويات السعودية في هذه المرحلة، فإنّ هذه الدوافع، والوسائل أيضاً، لن تُؤدّي إلى معالجة الوضع الاقتصادي المنهار، ناهيك عن توحيد المؤسّسات الاقتصادية والمالية المنقسمة، عدا عن تكريس اختلال موازين القوّة بين المتصارعين.
إلى حدّ كبير، تترابط إدارة الملفّ اليمني بالأولويات السعودية، التي يفرضها تأثير استمرار الصراع في اليمن على المعادلة الإقليمية، أمنياً وعسكرياً، الذي يعني التأثير في مصالح السعودية وفي مصالح حلفائها الغربيين، وإذ كان تطويق الحرب اليمنية، لا وقفها، انحصر في وقف هجمات جماعة الحوثي على الأراضي السعودية، فإنّ مخاطر استئناف حرب شاملة تركّزت في آخر أعوام في مخاوف تنامي صراع الفرقاء على الاقتصاد، من الحرب على الموارد إلى التلويح بالتصعيد العسكري في الجبهات.
وفي هيمنة السعودية على الملفّ الاقتصادي، سواء بدعم سلطة حلفائها في مجلس القيادة الرئاسي أو بحكم أنّها طرف رئيس في الترتيبات الاقتصادية فيما يخصّ اتفاقية خريطة الطريق الأممية، في مقابل جماعة الحوثي، كتعهداتها بدفع رواتب موظّفي الدولة في المناطق الخاضعة لها، ما يجعل السعودية طرفاً مُؤثّراً في إدارة المعادلة الاقتصادية في اليمن، بما في ذلك خفض التصعيد بين المتحاربين.
وفي حين ظلّت السعودية تراهن على إنجاز اتّفاق يُلبّي مطالب الجماعة، ويضمن لها خروجاً من المستنقع اليمني، فإنّ تصاعد هجمات جماعة الحوثي على السفن التجارية في البحر الأحمر، وما خلقه ذلك من مضاعفة التحدّيات الاقتصادية والأمنية التي تواجهها السعودية، إلى جانب استجابتها للتفاهمات الأمنية مع حليفها الأميركي، التي من ضمنها إضعاف الجماعة من خلال تقييد شبكة تمويلاتها أو فرض مستوى من حصار الموارد...
ذلك كلّه أجبر السعودية على دفع وكيلها في اليمن لتصدّر الحرب الاقتصادية، التي طاولت القطاع المصرفي والمالي في مناطق الجماعة، من قرار بنك مركزي عدن نقل مقارّ عدد من البنوك والمصارف إلى عدن، إلى حظر التعامل بالطبعة القديمة من العملة المحلّية، ووقف التحويلات المالية للمصارف في مناطق الجماعة، ووقف السعودية تحويلات المغتربين اليمنيين إلى مناطقها.
إلّا أنّ نقل جماعة الحوثي للمعركة المصرفية إلى السعودية مباشرةً، وذلك باتهامها صراحةً بحصارها اقتصادياً والتهديد باستهداف الموانئ والمطارات السعودية، والذي عزّزه تضاعف قوّتها العسكرية بعد استهدافها للعمق الإسرائيلي، دفع السعودية لإجبار حلفائها المحلّيين على قبول اتفاق التهدئة الاقتصادية مع الجماعة وتلبية مطالبها.
تراهن السعودية، في ضوء تنامي الصراع الإقليمي مع تطورات الحرب في قطاع غزّة، على تبنّي استراتيجيةٍ آمنةٍ من خلال خفض التصعيد مع جماعة الحوثي، الذي دفعها إلى فرض اتّفاق التهدئة الاقتصادية، إلّا أنّ اتفاق التهدئة وإن قلّص إمكانية استهداف السعودية، لا يعني زوال تهديدات الجماعة، ولا تأمين مصالحها، ناهيك عن أنّ الاتفاق الذي فرضته السعودية على سلطة "الرئاسي" يعكس اختلال موازين القوى لصالح الجماعة، الذي كرّسه تصاعد قوّتها العسكرية ودورها الإقليمي في معسكر المقاومة الموالي لإيران، والمناوئ لإسرائيل، وليس بموجب مُضيّها في التهدئة.
ومع استمرار تصاعد الصراع الإقليمي وحرب غزّة، تظلّ السعودية هدفاً بالنسبة إلى الجماعة، الذي يعني استمرار امتلاكها ورقة ضغط على السعودية أو في الأقلّ ابتزازها، كما أنّ إجبار السعودية حليفها على التراجع عن قرارات بنك مركزي عدن يعني اعترافاً ضمنياً بمسؤوليتها المباشرة عن التصعيد الاقتصادي، وأنّها طرف في الحرب المصرفية ضدّ الجماعة.
كما أنّ تلويح السعودية برفع الدعم الاقتصادي، والعسكري أيضاً، عن سلطة حليفها في حال رفض التهدئة الاقتصادية مع الجماعة، يعني إضعافه وتجريده من أيّ قوّة، إلى جانب أنّ مضامين اتّفاق التهدئة الاقتصادية يصبّ في صالح الجماعة، بما في ذلك ترتيبات اقتسام عائدات النفط والغاز، الذي يعني إفقاد حليفها آخر ورقة لتحسين مركزه التفاوضي أمام الجماعة، وكذلك بقاءه عبئاً اقتصادياً وسياسياً على السعودية، ناهيك عن تصعيد الخلافات في سلطة وكيلها.
تتجلّى سياسات الهيمنة السعودية على مجلس القيادة الرئاسي في تجريده من أيّ أوراق ضغط مُحتملَة على جماعة الحوثي، وفي هذا السياق العزلة المالية والمصرفية، وهو ما يجعل "الرئاسي" الطرف الأضعف، الذي يقدم تنازلات غير مشروطة، وبلا أيّ ضمانات لصالح الجماعة، فقط خضوعاً لأولويات السعودية، حتّى لو كانت ضدّ مصالحها.
سياسياً، فإنّ قبول إملاءات حلفاء مُهمّين أدّى إلى تصدّع سلطة منقسمة ومتعدّدة الولاءات بين السعودية والإمارات كـ"المجلس الرئاسي"، كما أنّ خضوعها لتهديد السعودية جرّدها من تأييد الشارع المحلّي، الذي صاحب دعم قرارات بنك مركزي عدن اقتصادياً، وفي مستوى القرار الإداري والتنظيمي، والسيادي أيضاً، فإنّ إجبار مجلس القيادة الرئاسي "مركزي عدن" على التراجع عن قراراته قوّض استقلاليته سلطةً ماليةً ومصرفيةً مركزيةً، التي تتعدّد نتائجها وتبعاتها على الوضع المالي والمصرفي في المناطق الخاضعة لسلطة "الرئاسي".
إلى جانب أنّ تدابير التهدئة الاقتصادية تصبّ في مصلحة الجماعة من استئناف رحلات مطار صنعاء وتوسيع وجهاتها، إلى قبول سيطرتها على مؤسّسات إيرادية مُهمّة كشركة طيران اليمنية، وإذا كان اعتماد سلطة "المجلس الرئاسي" بدرجة رئيسة على الدعم الاقتصادي من السعودية جعلها سلطةً مرتهنة، فإنّ اتفاق التهدئة قَوَّض فرصَ تحقيقها قدراً من الاستقلال الاقتصادي عن حليفها من خلال مقايضة عزل الجماعة مالياً ومصرفياً، بموجب قرارات بنك مركزي عدن استئناف تصدير النفط والغاز من موانئ حضرموت وشبوة، بعد توقّفه جراء هجمات الجماعة قبل عامَين.
ومن ثمّ، فإنّ إجبار السعودية سلطة "الرئاسي" على قبول اتّفاق التهدئة الاقتصادية أفقدها فرصَ تحسين موقعها في المعادلة الاقتصادية، وأيضاً في المعادلة التفاوضية مستقبلاً، وقيّد حظوظها بتحسين مركزها التفاوضي في الملفّ الاقتصادي، إذ تشترط الجماعة السماح باستئناف تصدير النفط والغاز من موانئ حضرموت وشبوة باقتسام العائدات، إلى جانب وضعها شروطاً تعجيزية في المفاوضات الحالية، من مضاعفة نسبتها في العوائد إلى تحديد آلية تحقيق ذلك، والذي يعني استمرار مصادرة الجماعة ملفّ استئناف تصدير النفط والغاز ورقةً تفاوضيةً، وهو أكثر ورقةٍ اقتصاديةٍ أهمّيةً حالياً، بعد تعليق الحرب المصرفية.
في حال جماعة الحوثي، القوّة العسكرية، والتهديد يمثّلان أداةً فاعلة لفرض اشتراطاتها، ومن ثمّ انتزاع مكاسبَ اقتصادية، وإذا كانت إعاقة تصدير النفط والغاز قد شكّلت ورقةً ضاغطةً على سلطة "الرئاسي"، بما في ذلك مضاعفة خسائرها، فبالتفوّق العسكري، وفرض موقعها قوّة مناوئة لإسرائيل تحوّلت الجماعة قوّةَ تهديد لخصومها.
فمن خلال التلويح باستهداف السعودية، استطاعت الجماعة، ليس وقف الحرب الاقتصادية في الوقت الحالي فقط، بل تغيير المعادلة لصالحها إلى حدّ كبير، بدءاً باشتراط استباق تفاوضها مع "الرئاسي" بوقف إجراءات بنك مركزي عدن، التي طاولت عدداً من البنوك والمصارف في صنعاء، إلى انتزاع اتفاق التهدئة الاقتصادية، وبضغط سعودي، وتحت غطاء أممي، الذي صبّت مضامينه ومكاسبه في مصلحة الجماعة.
فإضافة إلى انّ تراجع بنك مركزي عدن أفقد قراراته المصرفية والمالية أيَّ شرعيةٍ قانونيةٍ، الآن أو في المدى البعيد، فإنّه منح الجماعة سيادةً على المصارف في المناطق الخاضعة لها، بما في ذلك استئناف نشاط البنوك المحظورة، واستقبال التحويلات المالية من الخارج، ممّا يعني خفض جزء من التحدّيات الاقتصادية التي تواجهها الجماعة، بجانب أنّ استئناف الرحلات من مطار صنعاء إلى مطار عمّان، وزيادتها ثلاث رحلات يومية، وأيضاً تفعيل وجهات جديدة إلى القاهرة والهند، ومن ثمّ مضاعفة مداخيل الجماعة، إلى جانب تطبيع وضعها سلطةَ أمر واقع.
كما أنّه وبعد تصعيدها ضدّ شركة طيران اليمنية، باحتجازها ثلاث طائرات في يونيو/ حزيران الماضي، إلى مصادرة إيراداتها، دخلت الجماعة، وبحسب اتفاق التهدئة الاقتصادية، طرفاً في أيّ ترتيبات إدارية مستقبلية تخصّ الشركة، إلى جانب، وهذا هو الأكثر أهمّية، أنّ الجماعة فرضت نفسها طرفاً مهيمناً في المفاوضات الاقتصادية، وضبطها بحسب مصالحها، من اشتراطها السماح باستئناف تصدير النفط والغاز بالاتفاق على اقتسام عائداتها مدخلاً لاستئناف المفاوضات، إلى التفاوض بشأن آلية مُحدّدة لاقتسام العائدات، بما في ذلك رفع نسبتها من العائدات إلى 65% قبل الموافقة على استئناف التصدير في المستقبل.
إلى جانب إصرارها على دفع رواتب موظّفي الدولة من عائدات النفط والغاز مستقبلاً، الذي يعني نقل مشكلة رواتب الموظّفين في المناطق الخاضعة لها، في مقابل إعفاء نفسها من المسئولية، ومع أنّه من الصعب التكهّن بسير المفاوضات في الملفّ الاقتصادي وتطوراتها، وأيضاً بنتائجها، فإنّه، تبعاً لمعطيات الواقع، قد يصبح تهديد القوّة في مواجهة خصوم مُتعدّدين سلاحاً أكثر أهمّية من امتلاك مواردَ استراتيجيةٍ، بما في ذلك شرعية مزعومة، وذلك حين يكون التحالف بين الحلفاء والوكلاء مبنيّاً على الإخضاع لا الشراكة.