الأخبار

بين طوفان الأقصى والأزمة اليمنية.. إلى أين يمضي مخطط الشرق الأوسط الجديد؟ (تحليل)

تقارير | 21 أكتوبر, 2024 - 6:42 م

خاص: يمن شباب نت ـ عبدالله السامعي

image

في كل حدث سياسي أو عسكري تشهده المنطقة العربية وجوارها يكون مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" حاضراً، وهذا المصطلح يشير إلى رغبة الولايات المتحدة والغرب من خلفها بإعادة تشكيل المنطقة وفقا لما يتناسب مع المصالح الأمريكية والغربية، سواء كانت البلدان التي يشملها هذا المخطط راغبة أو رافضة له.

في المقابل تكتفي الأنظمة العربية بالترقب الحذر تجاه مخطط الشرق الأوسط الجديد، وموقفها هذا يجعلها في قلب المخطط الذي قد يتضمن تغيير بعض أو كل هذه الأنظمة أو تغيير خرائط بلدانها، وخلق المزيد من الصراعات في المنطقة، خاصة وأن إيران قد سبقت تنفيذ المخطط بالسعي للاستفادة منه كما استفادت سابقا من الغزو الأمريكي للعراق، وفي حال واجهت المزيد من الضغوط ليشملها المخطط فإنها تسعى ألا تتأثر حدودها الطبيعية بما قد يصنف خسارة عليها، على عكس الدول العربية.

تعتقد الأنظمة العربية أن بقاءها رهن السياسة الأمريكية سيحصنها من مخطط الشرق الأوسط الجديد، مع علمها أن هذه السياسة مرفوضة من قبل الشعوب العربية، لتضع بذلك مصيرها بين قوتين داخلية وخارجية قادرتين على التغيير، مع الأخذ بالاعتبار أن أي قوة خارجية مهما بلغت تبقى مؤقتة.

 لكن إرادة الشعوب وإن ضعفت أحيانا تبقى دائمة وقابلة للانفجار وإحداث التغيير في أي لحظة ولا شيء قادر على إيقافها، ولذلك تحاول هذه الأنظمة خلق نوع من التوازن بين القوتين، وكل الخيارات تحتم عليها ترجيح كفة المجتمع الذي تحكمه لأنه الضامن الوحيد لبقاء النظام.

دعم القضية الفلسطينية

يعد التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي من أبرز خصائص مخطط الشرق الأوسط الجديد، ومعركة طوفان الأقصى من أبرز أدوات رفض وإفشال التطبيع وبالتالي إفشال المخطط، وهذا الأمر يجعل الأنظمة العربية أمام خيارين:

إما الضغط على الولايات المتحدة لإجبار الاحتلال الإسرائيلي على القبول بحل الدولتين وبذلك يتحقق الهدف الرئيسي لعملية طوفان الأقصى، أو الاستمرار بمواقفها غير المؤثرة والمخاطرة بانتظار نتائج إعادة تشكيل المنطقة والتي لن تستثني أي بلد، وستجد الدول العربية نفسها أمام المزيد من الصراعات والتحديات على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.

ولإفشال مخطط الشرق الأوسط الجديد أو على الأقل الحد من مخاطره على الدول العربية، فالأمر يتطلب بشكل أساسي إقامة الدولة الفلسطينية وحسم التحديات والصراعات في المنطقة لأن بقاءها يخدم المخطط، ومن أبرز هذه التحديات العالقة الحرب في اليمن والتي تعتبرها إيران وسيلة لتوسيع نفوذها ولتمكينها من التأثير على طرق التجارة العالمية في باب المندب، ولإضعاف خصومها الإقليميين وتحديدا السعودية.

اليمن ساحة للتنافس الإقليمي

تدرك السعودية حجم المخاطر عليها في حال استمرار مخطط إعادة تشكيل المنطقة، ومدى قدرة القوى الإقليمية المتنافسة في التأثير على هذا المخطط وخاصةً إيران وإسرائيل الطامحتين في التوسع، وتكتفي المملكة بممارسة الضغوط عليهما، فعملت على حشد مواقف دولية لإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة وللاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل وجعلت العلاقة مع إيران جزءا من هذه الضغوط حيث شهدت السياسة الخارجية للبلدين نوعاً من التقارب في الآونة الأخيرة، وغضّت طرفها عن الابتزاز الإيراني واستمرار طهران في بث الشائعات وتحريض الشعوب ضد المملكة.

كما لا يوجد تفسير حتى الآن لسماح السعودية ببقاء الحرب في اليمن دون حسم، ما يعني بقاء التهديدات على أمنها القومي وتمكين إيران والولايات المتحدة من تحويل حدود ومصالح المملكة إلى ساحة صراع في أي لحظة، فالحرب في اليمن لم تعد بين أطراف يمنية، بل أصبحت أداة لتنافس إقليمي ودولي.

 حيث تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال دعم الحوثيين وتستغل التقارب مع السعودية لتقوية الموقف الحوثي، وفي المقابل تحاول الولايات المتحدة استخدام الأزمة اليمنية كورقة ضغط ضمن مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، وحتى إذا وجهت ضربات على الحوثيين فإنها لا تضعفهم بقدر ما تضخمهم محلياً ودولياً.

وما يجعل الحرب في اليمن معضلة كبيرة أن التحالف العربي الذي تقوده السعودية منذ عشر سنوات لم يعد راغبا في حسم المعركة، وأصبح يرى أنه من الممكن احتواء الحوثيين ودفعهم للسلام، دون وجود أي مؤشرات يمكن البناء عليها بشأن موقف الحوثيين من السلام.

إذ يرى الحوثيون أن توقيعهم لأي اتفاق سلام يعني هزيمتهم، ولذلك رفضوا اتفاق خارطة الطريق الذي صاغته السعودية ويصب في مصلحتهم، فالحرب وعدم الاستقرار هو الوضع الطبيعي بالنسبة للحوثيين الرافضين التحول من عصابة مسلحة إلى مكون سياسي كأي حزب سياسي آخر في اليمن.

مخاطر وترقب

ومع استمرار الأزمة اليمنية دون حل، تتفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وتتضاعف معها التحديات والضغوط على السعودية، سواء من ناحية التهديدات الأمنية المتواصلة أو من ناحية العبء الاقتصادي، ما يعني أن استمرار الوضع الراهن في اليمن لا يخدم سوى القوى الإقليمية التي تسعى لاستغلال الفوضى من أجل تحقيق أهدافها الخاصة على حساب الأمن والاستقرار في المنطقة، ولن تتمكن السعودية ودول الخليج العربي من مواجهة التحديات الخارجية التي قد تزداد وتكبر أكثر دون حسم الحرب اليمنية المشتعلة في خاصرتها.

ويبقى السؤال الأهم في هذا الشأن هل ستعمل السعودية والتحالف العربي الذي تقوده على اتخاذ خطوات جادة لحسم الحرب في اليمن؟! أم أنها ستظل حبيسة السياسات المتناقضة والمواقف المترددة التي تزيد من تعقيد الأوضاع وتجعل موقفها ضعيفا أمام التحديات الإقليمية، وربما إشغال المملكة بتحديات داخلية جديدة لتصبح عاجزة عن التأثير خارج حدودها؟.

المستقبل القريب سيكشف مدى قدرة السعودية والدول العربية على مواجهة التحديات الراهنة، وفي مقدمتها مخطط الشرق الأوسط الجديد، فإما أن تتخذ خطوات جريئة لتحقيق الاستقرار في المنطقة عبر حل النزاعات والحروب الداخلية ومنها الحرب في اليمن وقطع الطريق أمام الضغوط والتدخلات الإقليمية والدولية، أو أنها ستظل في دائرة الانتظار والترقب ما قد يؤدي في النهاية إلى إعادة تشكيل المنطقة بشكل لا يخدم مصالحها ولا مستقبل شعوبها.

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

*عبدالله السامعي- صحفي وباحث سياسي يمني

أخبار ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024