الأخبار
Image Description

سلمان الحميدي

لا ثومة ولا بصل.. تفاح

‫كتابنا‬| 16 نوفمبر, 2024 - 3:32 م

توقف الباص الصغير لأصعد. لم يلتفت إليّ السائق ويتأكد: لاوين؟ كانت يده اليسرى على المقود بينما كان يرفع كومة أوراق بيده اليمني. لم أحقق فيما فاتني من حديثه مع الركاب. مد بإحدى أوراقه إلى يدي لأكتشف أنه وقع بمشكلة عويصة بسبب الباص نفسه، كنت أظن غريمه شرطة السير، المرور، لكن السائق مدح المرور والسلطة المحلية والمفصعين وكل شيء في المدينة المحررة، حين قرأت اسم المساوى على الورقة عرفت أن غريم صاحب الباص هم الحوثيين.

استفسرت السائق عن التفاصيل التي فاتتني، ليوضح لي أن قصته بدأت حين بدأ يضيق من المرور ومن تدهور العملة ومن المفصعين، قرر أن يخرج من المدينة، حيث المناطق المحررة، إلى الجزء الآخر منها، حيث المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي: «قلت شاروح اشتغل بالحوبان». أول إشارات البركة التي لاحت له، هو حصول صاحب الباص على راكب شيبة متجهاً إلى من المدينة إلى الحوبان، كان الراكب في زيارة علاجية للمدينة ويحمل معه هدية لأحفاده ثلاثة كراتين صغيرة من التفاح الإيراني. كان الراكب مرتاحاً كما لو أنه عائداً من مستشفى ملكي في الأردن أو أضخم طبيب في مصر لا من مستشفى الثورة الذي يعاني من نقص الديزل، قال الراكب الشيبة لصاحب الباص بجدية: الحياة في المدينة مطور.. طب وتفاح..

صاحب الباص: بس عندكم الريال متعافي..

الراكب الشيبة بتهكم: الحمدلله.. متعافي بس مهلوش..

خرج الباص الصغير، الذي يحمل سبعة ركاب، من آخر نقطة لنقاط الجيش الوطني بسلام، ودخل أول نقطة لمسلحي جماعة الحوثي الإمامية من جهة جولة القصر الجمهوري: كنت أنا الشيبة وحدنا والحوثي يسألنا: «ايش معك؟ معي باص محمل راكب شيبة، أي حاجة ثاني شلوه لكم». فتش المسلحون الباص، نعثوه، وفي الأخير عادوا إلى كراتين التفاح الإيراني التي كانت واضحة بين الشيبة وصاحب الباص: جنب بعيد عن الخط... تفاح.. أها؟. «قلبي اتقطع على الشيبة.. قلت أواسيه: أهم شي العافية والحرية يا حاج.. براس التفاح الإيراني ولا براسك يشلوك الصالح وتنتكب صحت»

أحاط مسلحو الحوثي بالباص وكأنهم حصلوا على تقنيات صهيوامريكية، أخرج الحاج حبة تفاح مؤكدًا أنه لن يسلم الكراتين وسيأكلها هناك ثم يغادر، لكن الحوثيين أخذوا الكراتين بالقوة، وأخذوا الباص، كان الراكب في انتظار اكتمال المشوار والباص بيد الحوثيين، السائق يراضيهم: «التفاح إيراني من حقكم.. والباص مو ذنبه» لم يهدأ الشيبة ويمشي مترجلاً إلا بعدما ساق المسلحون الباص إلى داخل أرضية محوشة بداخلها عشرات المركبات. أحد السائقين سأل صاحب الباص: «ثومة وإلا بصل؟». هناك يتضاحك أصحاب المركبات المحتجزة من حجج الحوثيين: منهم من احتجزوه بسبب الثومة ومنهم بسبب البصل، لكن صاحب الباص كان يجيب حتى قبل أن يسألوه: لا ثومة ولا بصل.. تفاح إيراني وعاده حق شيبة».

ومن هنا ابتدأت الرحلة الشاقة لصاحب الباص، لإخراج باصه.. النقطة.. القسم.. الجمارك.. الضرائب.. حملوه مبلغ مائتي ألف ريال من ريالهم المتعافي، بسبب التفاح. لو كان يملك هذا المبلغ ما انتقل إليهم طمعاً بدخل متعافي.. ظل يبحث عن شيخ أو معروف يملك واسطة لإخراج الباص، وأخيراً حصل على شخص نصحه برفع شكوى إلى محافظ تعز في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، أحمد المساوى، وبعد جهد جهيد ووساطات وتوجيهات، نقص المبلغ إلى 70 ألف ريال من ريالهم المتعافي بالطبع.

دخل الحوش، حيث الباص، يرتدي شميزه فارغاً، وهناك طلب منه صاحب الأرضية 10 آلاف عن الأيام التي ظل فيها الباص واقفاً داخل الحوش. صاح صاحب الباص وخلع الشميز: اقتلوني اقتلوني..  وتدخل الآخرون وساعدوه، لكن المسلح الحوثي الواقف على باب الحوش أوقفه: حق الحراسة.

وأنت في المدينة، ستجد سائقاً مرحاً ويحدثك على «النعمة اللي احنا فيها.. طب وتفاح وشقية.. وأي مفصع والا عسكري ما معوش بيس يطلع بلاش، والمرور يعمل مخالفات بكما يشتي... احنا بنعمة» ذلك هو صاحب الباص الذي جرب العمل في الحوبان وعاد وقد استلف ذهب زوجة ابنه، قبل أن يتجاوز نقطة الحوثيين الأولى..

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024