اليمن ومستقبل السلام بعد أزمة الخليج


مهنا الحبيل

من المبكّر القول اليوم إن الأزمة الخليجية قد رُسّخت معالجتها في إطار الحل، فضلاً عن وقف تأثيراتها السلبية التي فاقمت الصراع في دول عربية عديدة، غير أن هناك ما يكفي من حقائق تشير إلى أن فرص فك الاشتباك في الأزمة أصبحت حاضرة، خصوصا من خلال المفاوضات الثنائية بين الدوحة والرياض. وحسب الأنباء أخيرا، فإن الاشتباك السياسي بشأن قمّة كوالالمبور لم يوقف هذه المفاوضات التي تجري بحذر وتوتّر، ولكن يرجّح أنها ستستمر، على الرغم من صراع ما تحت الطاولة الشرس.
 
وهناك تسريبات جديدة عن محادثات ووسطاء بين الرياض وطهران، يقوم بها الوسيط العُماني، لتهيئة الأجواء نحو وقف الحرب مع الحوثيين. والمشكلة هنا أن فوضى السياسة السعودية، وتوتراتها المختلفة مع عدة أطراف، تتجه أحياناً في مساراتٍ متناقضة. والأخطر أنه برنامج لوقف الحرب، والتخلص من إرثها، من دون أن يرتدّ ذلك على البناء الاجتماعي اليمني لإحلال السلام داخلياً، وهو واجبٌ ملزمةٌ به كل دول الخليج العربي، ويتحمّلون مسؤوليته، بقدر مساهمتهم في أزمة اليمن، وللرياض النصيب الأكبر من المسؤولية.
 
وهناك علاقة طردية عكسية بين وقف الصراع بين دول الخليج العربي، بعد عاصفة الأزمة، وإحلال السلام ذاته في دول عربية عديدة، من أهمها اليمن. وما نقصده في تثبيت هذه الفكرة ضرورة أن تدرك كل الأطراف الخليجية أن من مصالحها الكبرى ومستقبل استقرارها أن تثبت معادلة الاستقرار والسلام في دول المشرق العربي، وأن بقاء الصراعات لن يخدم منظومة هذه الدول الخليجية، حتى لو ترتبت على ذلك لبعض الدول مصالح اقتصادية وجيوسياسية، فدول الخليج العربي ليست دول إقليم مركزية، ولا نفوذ عالمية.
 
ومع أن السعودية دولة إقليمية عربية، إلا أنها، بعد تجربة حرب اليمن، لم تستطع أن تشكل عامل حسمٍ في الحرب، وكانت مساحة الحصيلة الإيرانية أكبر في النفوذ، بالقياس مع حجم الخسائر والاستنزاف الذي لحق بالسعوديين، وتزداد خسائر الرياض اليوم، بعد التصعيد على ماليزيا، في مؤشّرٍ على فقدانها مزيدا من شخصيتها الاعتبارية، في المشرق العربي والعالم الإسلامي.
 
واليمن هنا محطة مهمة، بل مركز جغرافي رئيسي، ومحيط اجتماعي عربي لصيق، عانى من فوضى التدخلين، الخليجي والإيراني، هذا الصراع الذي فجّره انقلاب الحوثي وتدخل إيران، لا يُخلي بقية الأطراف اليمنية من المسؤولية، وهي مسؤوليةٌ تُشعر المراقب بالصدمة، في حجم تشرذم الحياة السياسية والاجتماعية في اليمن، تحت نفوذ الداعمين، ولذلك لا بد من لفت النظر هنا إلى واقع الصراعات المؤسفة في المجتمع اليمني، ليس لإخلاء مسؤولية أقطاب التدخل الخارجي، وإنما لأن هذا التشرذم الذي ينعكس على عدة مناطق وأقاليم يمنية يضعف أي قدرة لإحلال السلام الأهلي والاجتماعي، وإنقاذ مستقبل الطفولة وحقن الدماء اليمنية.
 
أهم معادلة هنا أن يكون المدخل الأساسي بعد حل الخلاف الخليجي هو الاتفاق على مبدأ إحلال السلام الاجتماعي في اليمن، أي إحلال السلام الاجتماعي ووقف الحرب بكل ارتداداتها وأطرافها، وهو وقفٌ لا يترتب عليه وقف الصراعات السياسية، ولا التحزّبات الاجتماعية، فسيبقى نفوذ إيران كما هو الرياض وأبو ظبي وحتى مسقط والدوحة، قائماً إعلامياً أو سياسياً.
 
ولكن الهدف إخراج اليمن من أتون الحرب، وهناك قاعدة مهمة لإحلال السلام تحتاج قطعاً إلى توافق سياسي مرحلي مهم. ولا يمكن أن تتحقق هذه القاعدة من دون وجود شرعية دستورية، لا تزال اليوم مرتبطة بالرئيس عبدربه منصور هادي، ولو كانت وضعيتها في حالة مهترئة ومهزوزة بلا حدود.
 
وكمساحة مصالح يمكن أن تتشكل قاعدة مشتركة للحل السياسي المرحلي، والذي يعتمد تبني وقف الحرب أولاً، عبر أربع عواصم مؤثرة من صالحها إقرار السلام في اليمن، هي مسقط والرياض والدوحة والكويت، لصناعة أرضية الحل المدعوم من هذه الأطراف، لاتفاق شامل على وقف الحرب، واندماج اليمن في التمثيل السياسي داخلياً وخارجياً، عبر شرعية الرئيس هادي، لمرحلة انتقالية تنظم عبرها الانتخابات. ولا يتوقع أن يوافق الحوثي على الانسحاب الميداني، في ظل تفوّقه العسكري، غير أن وقف الحرب وشراكته في معادلة سياسية مستقبلاً يفتح الباب لتأمين اليمن خارج إطار الاشتباك المسلح، وهذا سيتعزّز من خلال موافقة إيران على الاتفاق، وبالتالي دفع الحوثي إلى الالتزام، وهنا سيمثل الاتفاق بين العواصم الأربع قاعدة تحول كبرى، كقناعة بأن إخراج اليمن من الحرب، هو لصالحهم وصالح السلام الاجتماعي الشامل في المنطقة، على الرغم من بقاء الخلافات.
 
سيبقى هنا موقع أبو ظبي القوي في الجنوب، والذي وقّعت الشرعية اتفاقا تحت ضغطه، لصالح المجلس الانتقالي الذي اقتلعها، هذا الاتفاق جاء مؤمّناً أي مشروع مستقبلي في اليمن، تقف بعده الحرب، بعد قناعة أبو ظبي باستحالة الانفصال اليوم، في جسمٍ جنوبيٍّ مستقل. وعليه، هناك ضرورة لدمج هذا الكيان الذي أصبح واقعاً في جغرافية اليمن، وإنْ لم يترسخ على الأرض، عبر تحييد أبو ظبي من خلال طمأنتها على نفوذ حلفائها.
 
 
لا تمثل كل هذه البنية المقترحة آمال الشباب اليمني، ولا القوة الاجتماعية السياسية الحيّة، والتي تطمح إلى صناعة يمن المستقبل، وأفق حلم النهضة والسلام، لكنها سكّة ضرورية لوقف الحرب وسحب السلاح الثقيل ضرورة قصوى، فلا يمكن أن يعبر اليمن إلى أي مشروع أو بنية سلام وتقدم، من دون وقف الحروب وإيجاد أرضية تواصل، يمكن أن تتحد مع كل أقاليم اليمن، بما فيها الجنوب، فهي هنا ليست قسمة عادلة، وليست مساراً سياسياً اختيارياً للشعب اليمني بالضرورة، لكنها تبدأ المهمة الصعبة الأكثر إلحاحاً، وهي إخراج اليمن من الحرب، وإنقاذه صحياً واقتصادياً واجتماعياً. حينها يقرّر الشعب اليمني إدارة مستقبله، توافقاً أو صراعاً سياسياً، ولكن بعيداً عن كارثة الحرب التي أهلكت الحرث والنسل.


*العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر