تحريض ممنهج بمناطقية وعنصرية.. كيف يؤسس الانتقالي لجرائم ضد النازحين جنوب اليمن؟

[ يشن الانتقالي حملات ممنهجة ضد النازحين المنحدرين من المحافظات الشمالية ]

بلغة مناطقية وعنصرية، تتصاعد حملات التحريض الممنهجة التي يشنها المجلس الانتقالي الانفصالي المدعوم إماراتياً، ضد النازحين في المحافظات اليمنية الجنوبية، في انتهاك لحقوق الإنسان والمواطنة.
 
وتتضمن الحملات الإعلامية التي تشن عبر وسائل إعلام الانتقالي بشكل متواصل معلومات مضللة وخطاب دعائي يُحرّض على إلحاق الضرر بالنازحين الفارين من جحيم حرب المليشيا الحوثية المدعومة من إيران، في المحافظات الوسطى والشمالية.
 
وبين الحين والأخر، تسوق منابر الانتقالي الإعلامية وناشطوه على وسائل التواصل جملة من الاتهامات والأوصاف بحق النازحين من قبيل "الجواسيس والمستوطنين"، حتى وصل الأمر إلى نشر مزاعم وأكاذيب تتحدث عن تسبب النازحين بتفشي الأمراض والأوبئة.
 

حملات تحريض مكثفة

في يوليو/ تموز 2022، نشرت صحيفة الأمناء التابعة للمجلس الانتقالي تقريرا يحمل عنوان "النازحون قنبلة موقوتة وخطر يهدد عدن"، وفي عناوينه الفرعية يبرز تساؤل: "كيف يتحوّل النازح الشمالي إلى جاسوس ومُخبر؟".
 
يتحدث التقرير في مضمونه أن النازحين قد يتحولوا إلى "مصدر لإحداث أعمال عنف مسلحة وفوضى وإرهاب، ويشكلون ضغطًا على المجتمع المضيّف لهم في جوانب الخدمات والبناء العشوائي وارتفاع إيجارات المساكن".
 
والثلاثاء الماضي، بثت قناة عدن المستقلة التابعة للانتقالي تقريرا يزعم انتشار مرض جلدي مُعدٍ بين الطلبة في محافظة أبين "بشكل مخيف جدًا"، مرجعا السبب في ذلك إلى اختلاط أبناء المناطق بالنازحين.
 
وسبق لهذه الفضائية، أن بثت محتوى دعائيا يحرّض المجتمع ضد النازحين بمخيم عتيرة بمحافظة لحج، حيث وصفت النازحين بـ"المستوطنين".
 
في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2021 أقدمت مليشيات المجلس الانتقالي على تهجير أكثر من 250 نازح بعد تدمير وإحراق مساكنهم في جبل الفرس بمدينة كريتر في العاصمة المؤقتة عدن.
 
وكان معظم هؤلاء النازحين من أبناء محافظة الحديدة الذين شردتهم مليشيات الحوثي المدعومة من إيران من منازلهم، حيث جاءت عملية حرق وتدمير مساكنهم المؤقتة بعد حملات إعلامية تحريضية من قبل إعلام الانتقالي.
 
في أغسطس 2022م زعم المجلس الانتقالي، بوجود تحركات عسكرية وصفها بـ"المشبوهة" لبعض القوى تحت غطى النزوح "لإثارة الفوضى" في محافظة المهرة شرقي اليمن، في استهداف وتحريض واضح على النازحين هناك.
 
وفي نوفمبر الماضي، أطلقت وسائل إعلام الانتقالي وناشطوه حملة إلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي، للتحريض ضد النازحين تحت هاشتاج "النزوح للجنوب تدمير ممنهج".
 

دوافع الانتقالي
 
يتخذ عناصر وقيادات في المجلس الانتقالي من التحريض على النازحين مصدرا للتربح وكسب المال سوى من خلال ابتزاز الحكومة اليمنية أو المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في البلاد، وفق مصدر حكومي مسؤول.
 
واتهم المصدر -الذي تحدث لـ"يمن شباب نت" شريطة عدم كشف هويته لأسباب معروفة-، وزير الشؤون الاجتماعية والعمل المحسوب على المجلس الانتقالي محمد الزوعري، بالوقوف وراء حملات التحريض ضد النازحين في المحافظات الجنوبية".
 
وقال المصدر، إن الوزير الزوعري، "كلما اختلف مع أي جهة حكومية أو مع رئيس الوزراء الدكتور معين عبد الملك يقوم بحملات تحريض ممنهجة على النازحين عبر منابر إعلامية تابعة للانتقالي".
 
الأسبوع الماضي، اعتبر أمين عام المجلس الانتقالي ووزير الدولة محافظ عدن احمد لملس، خلال لقائه بالمبعوث الأممي إلى اليمن هانز غروندبرغ خلال زيارته للعاصمة المؤقتة، أن وجود النازحين في المحافظة الجنوبية مشكلة.
 
وبحسب بيان الانتقالي "شدد على أهمية معالجة قضية موجات النازحين واللاجئين التي خلفت أعباءً كبيرةً على كاهل المواطنين، خدميًا، واجتماعيا، وسياسيا، واقتصاديا، وأمنيا في عدن ومحافظات الجنوب".
 
ويرى الصحفي ظنين الحوشبي أن المجلس الانتقالي يتخذ من النازحين شماعة يلقي بالمسؤولية عليها لتبرير فشل ميلشياته في الجانب الأمني في العاصمة المؤقتة عدن وبقية المناطق الخاضعة لسيطرته جنوبي البلاد.
 
وقال الحوشبي لـ"يمن شباب نت"، "عندما تحصل أي حادثة دامية في مناطق سيطرة الانتقالي، يذهب للتحريض ضد النازحين والباعة البسطاء من أبناء المحافظات الشمالية ويزعم أنهم سبب المشكلة".
 
وأوضح، أن الانتقالي صاغ هذه المبررات التي تتماشى مع مشاريعه الضيقة، بهدف فرض سلطته في المحافظات الجنوبية، وقد بدأ من عدن ومن ثم التوجه شرقا نحو أبين وشبوة ربما المهرة حضرموت لاحقا.
 
من جانبه يرى الناطق الرسمي باسم لجنة اعتصام المهرة علي مبارك محامد، أن هذه الحملات العنصرية والمناطقية ومما يفعله الانتقالي هو خدمة لأجندات خارجية، لافتا إلى أن الانتقالي يستهدف الجميع ولن يستثني أحد حتى المتحالفين معه.
 
وقال محامد لـ "يمن شباب نت"، إن "الحملات العنصرية والتحريض المناطقي الممنهج للانتقالي لم يكن وليد اللحظة، فقد بدأ به مبكراً في عدن وعدد من المحافظات الجنوبية كان آخرها خلال أحداث عدن 2019 وطرد الحكومة منها".
 

ضرب النسيج الاجتماعي
 
لكن هناك دوافع أخرى سياسية واجتماعية لحملات الانتقالي المتتالية، إذ يشعر الانتقالي بالخوف من النازحين وذلك لما سينتج من حالة ترابط اجتماعي بين اليمنيين، وكسر للعزلة التي فرضها بعد أن جرى شيطنة كل ما له صلة بالشمال أرضا وإنسانا.
 
ويقول سياسيون، إن مخاوف الانتقالي من بقاء النازحين في المناطق الجنوبية؛ لأنهم لن يضلوا معزولين داخل كينونات مغلقة، فالكثير منهم يتصفون بنشاط اقتصادي كالمهنيين والعُمال، كما يمارسون ما يمكن وصفه بالباعة المتجولين، وهذا ينتزع فتيل ثقافة الكراهية التي يصنعها بعض المحسوبين على مكونات جنوبية تعتبر الاستقلال خيار لا رجعة فيه.
 
كما يُلاحظ أن بعض القيادات الجنوبية تخاف من نشوء علاقات تزاوج داخل المجتمع يُمثّل حالة تزاوج تفسخ ثقافة الكراهية وتنشئ استقرار لدى الكثير، وقد يكون ذلك الاستقرار دائم لكثير من النازحين إن توافرت لهم فرص عمل أفضل كون هذه الشريحة توصف بأنها جماعة نشطة اقتصادية وقد تمارس أي أعمال حتى وان كانت منخفضة الدخل لتحرير نفسها اقتصاديا.
 
ورأت رئيسة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات هدى الصراري، أن "الهدف من الحملات ضد النازحين هو ضرب النسيج الاجتماعي وتمزيقه، مؤكدة أن ذلك أثر من آثار الحرب وغياب سلطات الدولة وفرض نظامها على كافة الأراضي المحررة.
 
وقالت الصراري لـ"يمن شباب نت"، إن هذه الحملات "تجاوزات ينبغي نبذها ونقدها عملا بالمعايير الإنسانية وانطلاقا من المبادئ الدستورية التي أقرت المساواة وحقوق الإنسان والمواطنة المتساوية وجرمت الاخلال بهذه المبادئ وانتهاكها".
 
ويؤكد الصحفي الحوشبي، أن "للشمال والجنوب امتداد إنساني واجتماعي منذ القدم، خصوصا أوقات الحروب والأزمات، فقد احتضن الشمال الجنوب، واحتضن الجنوب الشمال".
 
ودعا الحوشبي، منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية وكذلك المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، إلى الضغط على هذه المجلس الانتقالي على الاقل لتخفيف الضرر على النازحين الذين فقدوا منازلهم وممتلكاتهم جراء الحرب في البلاد.
 
وقال الناطق باسم اعتصام المهرة، خلال حديثه لـ "يمن شباب نت" : "منذ بداية الحرب استقبلت المهرة المئات من الأسر النازحة من جميع المحافظات اليمنية دون استثناء.. أبناء المهرة وقبائلها يرفضون مثل هذه الدعوات التي تكرس المناطقية والعنصرية ضد أبناء الوطن الواحد".
 
وتابع: "جميع المتواجدين والسكان من أبناء المحافظات شمالاً وجنوباً هم إخواننا وتقع على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على أمن واستقرار محافظة المهرة بحكم الدستور والقانون اليمني".
 
وأكد أن لجنة اعتصام المهرة، "أصدرت سابقاً بيانات تُعبّر عن رفضا لهذه الدعوات المناطقية والتحريض التي تستهدف جميع السكان والمتواجدين في المهرة"، مشيرا إلى أن هذا الموقف يُمثّل جميع أبناء وقبائل المهرة.
 

تأثيرات التحريض
 
للحملات العنصرية ضد النازحين انعكاسات سلبية عديدة، فقد تسبب بعدم استمرارية المساعدات الانسانية من قبل منظمات المجتمع المدني، كما ترسم عنهم نظرة دونية لدى إفراد المجتمع الذي يندفعون إلى مضايقتهم نتيجة التعبئة الخاطئة.
 
وتقول الصراري، إن حملات التحريض، "تثير الضغينة والكراهية تجاه فئات النازحين ونبذهم، بالإضافة إلى أنها تعطي ضعاف النفوس الضوء لممارسة انتهاكات تجاه النازحين دون تجريم واعتبارها أمر طبيعي وإسقاط حق الحماية الذي يجب العمل به في مخيمات النزوح أو المناطق التي تقطنها هذه الفئة".
 
وقال مصدر حكومي تحدث لـ"يمن شباب نت"، إن "حملات التحريض لها ضرر كبير على النازحين والمناطق الجنوبية الذين يقيمون فيها بشكل عام". وأشار إلى أن الحملات "تؤثر على عملية تقديم المساعدات الانسانية من قبل المنظمات، التي تقوم بتقديم المساعدات على حسب استقرار المناطق التي يتواجد فيها النازحون".
 
وتطرق المصدر لأحد الأضرار التي انتجتها حملات التحريض في حديثه حيث أوضح أن "الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين كانت تعمل على مسح ميداني في عدن بهدف الحصول على العدد الحقيقي للنازحين بالمحافظة، وذلك بعد أن تم الاتفاق مع منظمات المجتمع المدني على أن تبدأ بتقديم خدمات للمجتمع بشكل عام".
 
ولفت إلى أن النتائج كانت عكس ذلك، بسبب الحملات التي يقوم بها وزير الشؤون الاجتماعية والعمل المحسوب على الانتقالي ضد النازحين، حيث وصل الأمر إلى درجة أن النازحين رفضوا الادلاء بمعلومات انهم نازحين، وأصبح العدد أقل.
 
كما أشار المسؤول إلى أن المنظمات رفضت تقديم خدمات للمشاريع في عدن باعتبارها بيئة غير آمنة للاستثمار، ومن الممكن طرد النازحين بأي وقت، داعيا الحكومة إلى "القيام بدورها في محاولة ضبط المسؤولين الحكوميين الذين يقومون بالتحريض ضد النازحين لأغراض سياسية دنيئة مثل وزير الشؤون الاجتماعية والعمل" على حد تعبيره.
 

انتهاك لحقوق المواطنة
 
وتشدد رئيسة منظمة دفاع لحقوق الإنسان، أن "أي تحريض إعلامي على فئة من فئات المجتمع بكل عنصرية دون مراعاة لحقوق الإنسان، وعدم مراعاة الضمير الإنساني كحد أدنى، يعتبر انتهاك صارخ لحقوق المواطنة والتشريعات الوطنية والدولية".
 
وحثت الصراري، عبر "يمن شباب نت" الدولة بكل مؤسساتها مراقبة أداء وسائل الإعلام فيما يخص بنشر التحريض أو الكراهية والعنصرية والتنمر تجاه فئة معينة من الفئات في المناطق المحررة لإعطاء نموذج للمواطنة المتساوية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والعدالة في الحصول على الخدمات الأساسية للمواطن من أي بقعة في اليمن".
 
وأشارت إلى أن المجتمع المدني ومنظماته يضطلع بدور كبير في نبذ هذه التصرفات ورفضها والوقوف أمامها بنشر الوعي الحقوقي لتعزيز السلام المجتمعي والحفاظ على النسيج الاجتماعي.
 
كما شددت على دور المنظمات في دعوة الحكومة اليمنية إلى تقديم الحماية والرعاية والخدمات الضرورية لفئة النازحين والمتضررين من الحرب ورصد الظواهر المخلة بحقوق أي فئة من فئات المجتمع وفضحها والمطالبة بمحاسبة المنتهكين.
 
وأكدت الصراري أن حقوق الإنسان لا تجزأ ولا ينبغي التنصل عن مساعدة ضحايا الحرب والمتضررين منها وتوجيه المنظمات الدولية والأممية لتنفيذ البرامج والمشاريع التي تلامس واقع الاحتياجات لفئات النازحين ومراقبة أدائها.
 
ودعت رئيسة مؤسسة دفاع، وسائل الإعلام المختلفة إلى الارتقاء برسالتها السامية لاسيما أن العالم اليوم يتحد بكل قواه وينبذ الخلافات في سبيل مواجهة الأزمات الإنسانية التي تعصف بالعالم من كوارث تسببت بها الحروب والأمراض والكوارث الطبيعية.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر