اليمن.. كيف طور الحوثيون استراتيجية متعددة المسارات في مواجهة السخط الشعبي ضدهم؟

[ يحاول الحوثيين بكل السُبل إيقاف تصاعد الغضب ضدهم في مناطق سيطرتهم (أ ف ب) ]

صار الحديث عن الفساد الذي يمارسه الحوثيين منذ نحو ثمان سنوات، هو الأبرز في المناطق التي تخضع لسيطرة الميلشيات المدعومة من إيران، والتي تعيش لحظة انكشاف غير مسبوقة بعد تسعة أشهر من الهدنة، وخاصة في أوساط أنصارها.
 
وتحدثت مصادر محلية وأخرى عاملة بالمنظمات لـ"يمن شباب نت"، "أن الحديث عن الفساد والغضب من سلطة الحوثي صار أهم ما يتداوله السكان دون خشية من الجماعة رغم شدة بشطها بحقهم، لكنها لم تعد تخيف السكان الذين صاروا بلا أمل في تحقق وضع أفضل تحت سيطرة الحوثي".
 
"لم يعد لدى الناس ما يخسرونه في ظل تردي الأوضاع المعيشية، حتى المنظمات لم تعد قادرة على تغطية الاحتياج الأساسي للأسر التي مازالت تستلم حصص غذائية منتظمة، ناهيك عمن انقطعت عنهم كلياً بسبب تقلص الدعم"، وفقا للمصادر.
 
وفي مواجهة تلك التحديات يحاول زعيم الحوثيين امتصاص ذلك السخط والانحناء الشكلي لتلك العاصفة الشعبية، بأشكال متعددة، حيث بدأت مليشيا الحوثي انتهاج استراتيجية جديدة لمواجهة الضغوط الشعبية الناقمة ضدها، عبر مسارات متعددة، شملت تكثيف العمل الاستخباراتي، وتشكيل مؤسسات أمنية، بالإضافة إلى إجراء تغييرات عدة في مناصب إيراديه مهمة، والخطف والمحاكمات، والحديث المكثف عن مواجهة الفساد، على أنه صار معركة حقيقية بجانب معركة مواجهة التحالف.
 
انفجرت الضغوط الشعبية في وجه مليشيا الحوثي بشكل غير منظم مطلع العام الماضي بعد هزيمة الحوثيين في جبهتي شبوة ومأرب، وبدء الهدنة ومن ثم تمديدها، وشملت الضغوط الشعبية سلسلة من الوقفات الاحتجاجية المتعددة من قطاعات عدة أبرزها المدن السكنية، والقطاعات التجارية والاقتصادية، بالإضافة إلى النقابات.
 
وبينما تواصل مليشيا الحوثي التذكير بأنها مازالت في حالة حرب، فإن الشارع لم يعد يتعامل مع تلك المبررات الحوثية ويقدمون نقدا للحوثي بانتفاء حالة الحرب منذ عشرة أشهر تقريبا، شملت الإجراءات الحوثية، في مواجهة الضغوط الشعبية المتصاعدة وملامح الانقسامات في صفوفها سلسلة من الإجراءات المتوازية أمنيا وإداريا وماليا.
 


المسار الأمني

بعد ثلاثة أشهر من انتهاء الهدنة، بدأت مليشيا الحوثي في إنشاء قطاعات جديدة في جهاز المخابرات الذي أنشأته (جهاز الأمن والمخابرات) واهمها قطاع مكافحة الاستقطاب المعادي الذي يرأسه عبد المحسن الطاووس، الذي سيعمل على رصد من يشتبه بأنهم صاروا من خصومهم، وفق التوصيف الحوثي.
 
المليشيا أنشأت في سبتمبر/ كانون أول 2022، قطاعاً يسمى برنامج الصمود الوطني، بقيادة قاسم الحمران، قائد ألوية الدعم والإسناد الحوثية، ويعمل هذا الجهاز على غرار جهاز الباسيج الإيراني بين المدنيين، ويركز هذا الجهاز على العمل في مؤسسات الدولة وفي الضواحي والقرى وبين الأوساط المجتمعية، وقالت مليشيا الحوثي إن البرنامج يعد جهة تنفيذية مستقلة بموارد من حكومة الحوثي تعمل على استمرار التعبئة والحشد في كل القرى والمناطق.
 
الإضافة إلى تعيين مراقبين في مختلف المدن والمناطق والمديريات والحارات، لكشف المشككين والمناوئين لحكم الحوثيين وملاحقة الأشخاص المثيرين للرفض الشعبي تجاههم، ومعاقبتهم أو إحالتهم للأمن والمخابرات. المليشيا قالت إن البرنامج له "حق استخدام جميع مؤسسات الدولة في تنفيذ نشاطاته وتحقيق أهدافه"، رغم ادعاء قاسم الحمران أن البرنامج ليس بديلا عن مؤسسات الدولة في مناطق سيطرة الحوثي.
 
كما دشنت مليشيا الحوثي قطاعاً آخر في أغسطس/ آب 2022، تحت مسمى مبادرة التنمية بين الدولة والمجتمع بزعم مواجهة التحديات الاقتصادية وتنظيم المبادرات الاجتماعية، كما أصدرت مدونة السلوك الوظيفي في وحدات الخدمة العامة، وفرضت بموجبها أدلجة حوثية إجبارية على جميع الموظفين، بشكل يجعلهم حوثيين حقيقيين، أو يتم فصلهم من وظائفهم وأعمالهم. بالإضافة إلى تشديد شروط العقاب على المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي.
 

تغييرات في بعض المؤسسات الإرادية
 
على نحو مفاجئ قررت مليشيا الحوثي عزل مدير الجمارك الحوثية أحد أهم مصادر الإيرادات غير المشروعة، التي أنشأت 11 جمركا انفصاليا تابعا لها في عدة محافظات تسيطر عليها، بالإضافة إلى جمارك موانئ الحديدة.
 


بحسب القرار الذي صدر الأسبوع الماضي، يتولى عادل أحمد مرغم رئاسة مصلحة الجمارك، بدلاً من يوسف علي زبارة، كما تم تعيين عبد الجبار أحمد محمد الجرموزي رئيساً لمصلحة الضرائب بدلاً من علي الشماحي.
 
التعيينات جاءت بعد سلسلة من الفضائح لحقت بالمديرين السابقين، أحد تلك الفضائح وردت في تقرير أخير صدر عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في صنعاء في ديسمبر الماضي، يتهم قيادة مصلحة الضرائب بفساد بعشرات المليارات من الريالات.
 
ورغم الترحيب بعزل المسؤولين السابقين، فإن ناشطي الحوثي الذين بدأوا مؤخرا يعانون من وطأة فساد قادتهم انتقدوا عدم محاكمة زبارة والشماحي. كما تحدثت مصادر، عن تغيير مرتقب لوزير المالية الحوثي، رشيد أبو لحوم والذي أحد أهم الأدوات المالية لمليشيا الحوثي الذي يعمل بخدمة القيادي الحوثي أحمد حامد (معين من قبل الحوثيين بمكتب الرئاسة ويقود جناح نافذ في الجماعة) بنشاط على مستوى السيطرة على جميع الإيرادات المركزية.
 
وقد تشمل التغييرات عزل محافظ إب عبد الواحد صلاح، ونقل رشيد أبو لحوم إلى منصب المحافظ، بالإضافة إلى تعيين هاشم الشامي في منصب وزير المالية، وفق ما تحدثت مصادر مطلعة لـ"يمن شباب نت".
 

حملة دعائية لمواجهة الفساد
 
في الأيام القليلة الماضية، نشرت مليشيا الحوثي سلسلة من اللوحات الكبيرة في شوارع صنعاء، تحتوي عبارات عن مركزية مواجهة الفساد في أولويات رئيس المجلس السياسي للحوثيين مهدي المشاط، مكتوب في إحداها: "لا يمكن للدولة أن تستقر وللتنمية أن تزدهر، مالم تكن مكافحة الفساد على رأس أولوياتها"، وأخرى: "نحن عازمون بمنتهي الجدية على خوض مواجهة مفتوحة ضد الفساد المالي والإداري"، والعبارات منسوبة للمشاط.
 
كما تضمنت الاستراتيجية الحوثية تكثيف الحديث عن مواجهة الفساد، وقال رئيس حكومة الحوثيين (غير معترف بها) عبد العزيز بن حبتور: "إن جميع القيادات ومنتسبي كافة مؤسسات الدولة مطالبون بمكافحة الفساد في أنفسهم وضمائرهم وفي قلوبهم قبل الانتقال لمكافحته في الأعمال الوظيفية بما في ذلك قضية بناء الدولة".
 


بينما استعرضت رئيس هيئة مكافحة الفساد الحوثية الجهود المبذولة في مكافحة الفساد والوقاية منه، وتعزيز الثقافة المناهضة له. وهذا يكشف التجذر الكبير للفساد في أوساط قيادات الجماعة، ففي الوقت التي كانت الجماعة تدير عمليات النهب، إلا انها كما يبدو فقدت السيطرة على تفشي حالة الفساد والإثراء.
 
لم يقتصر الامر على الدعاية في الشوارع والاعلام بل يتم حاليا استخدام منابر المساجد عبر وعاظ وعلماء الجماعة، حيث قال مفتي الحوثيين شرف الدين شمس الدين إن الحديث عن الرواتب في وسائل التواصل الاجتماعي مفسدة عظيمة، تؤدي إلى إفساد العقائد وأفكار الشعب في مناطق سيطرة الحوثي.
 
وقال خطيب الجمعة في مسجد الهادي بصعدة في أواخر ديسمبر الماضي، "إن انتقاد الحوثيين في هذه المرحلة قبل تمكن المليشيا من حكم العالم والمنطقة، لا يجوز، وأشار إلى أن الكتابات على وسائل التواصل الاجتماعي تغضب ولا ترضي. وحذر من استفادة مما سماهم العدو من تلك المعلومات".
 

التضحية ببعض النافذين بالجماعة

في ذروة الحديث عن غضب شعبي ناقم ضد الحوثيين، بدأت المؤسسات الحكومية بصنعاء التي يديرها قيادات الحوثيين، كشف لوبيهات فساد منظمة تابعة للجماعة، وقال أحمد الحوثي الناطق الإعلامي باسم وزارة الكهرباء الحوثية "إن ملاك المحطات الكهربائية الخاصة لديهم نفوذ هائل على وزارة الكهرباء أدى إلى عرقلة محاولة الوزارة تحديد سعر الكهرباء للمستهلكين"، وكشف عن "رفض 17 شركة كهرباء خاصة الالتزام بالتسعيرة الخاصة التي حددتها مليشيا الحوثي مؤخراً".
 
واتهم الحوثي لجنة تنسيق مستثمري الطاقة الكهربائية في صنعاء بالتغول والفساد وأنها تعرقل قرارات وزارة الكهرباء في مناطق سيطرة الحوثي، بينما تتهم لجنة التنسيق خصومها في المليشيا خاصة تجار الوقود بمنع بيع الوقود لها مباشرة، وإجبارهم على شراء الوقود من السوق السوداء.
 
كما كشف تكتلا زراعيا وتجاريا في محافظة صعدة، "بأن مجموعة من كبار تجار الفواكه لديهم نفوذ هائل يعملون على تدمير السوق المحلية، خدمة لمصالحهم وأن المجلس السياسي الأعلى يقف في صالح التجار المستوردين على حساب المزارعين المحليين".
 
خلال السنوات الماضية تشكلك مراكز نفوذ داخل الجماعة تتحكم في الإيرادات وعمليات النهب المنظم في عدد من المحافظات يرتبطون مركزياً بقيادات الجماعة في صنعاء وصعدة، وشكلوا حالة عصية على التطويع لدى اجنحة الجماعة التي تعتقد انها الأولى بالتحكم بتلك الإيرادات.
 


الإختطافات والترهيب

بين نهاية ديسمبر الماضي ومطلع يناير الجاري، خطفت مليشيا الحوثي أربعة مدونين من أنصار القيادي بالجماعة محمد علي الحوثي انتقدوا بعضا من الفساد في مؤسسات الدولة بمناطق سيطرة الحوثي، وأحالتهم إلى المحكمة الجزائية بعد خطفهم بطريقة سرية ووجهت لهم تهما في المحكمة الجزائية قد تؤدي إلى إعدامهم، إن لم يتدخل داعمهم الرئيسي.

ويشكل "محمد على الحوثي" نفوذ خاص في الجماعة وسلطاتها المختلفة، حيث سبق وأن افرج عن مدون الفيديو "المومري" باتصال هاتفي بعد ان تم اختطافه بتهمة التهجم على القضاة، ونشر اتصاله على وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكداً نفوذة وأنه يملك سلطة أقوى مستمدة من اللجان الشعبية الحوثية أو ما يسمى بـ"المشرفين"، الذي سيطروا على كافة المؤسسات الحكومية عقب سيطرتهم على صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، والتي حاول القيادي الحوثي المشاط ومدير مكتبه احمد حامد انهاء هذا النفوذ عبر المجلس السياسي وقبلهم صالح الصماد الذي قتل بغاره للتحالف في ابريل 2018 بالحديدة.
 
ورأى اعلاميين حوثيين، بأن محاكمة مدوني الفيديو الأربعة وهم: - أحمد حجر، مصطفى المومري، أحمد علا، حمود المصباحي، هي رسالة لغيرهم من الذين بدأوا في نقد الجماعة، من بين أنصارها. وتوقعوا انه "ربما يتدخل زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في نهاية المطاف لإطلاق سراحهم بعد تأدية الرسالة الرمزية من محاكمتهم".
 

خطوات أخرى

من أهم التحركات التي تنفذها مليشيا الحوثي الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الأموال العامة، وفي هذا السياق قالت مصادر رفيعة "إن مليشيا الحوثي استولت على قرابة ترليوني ريال من الطبعة القديمة من أموال البنوك والمودعين، وحولتها إلى حساباتها في البنك المركزي التابع لها، وجردت مليشيا الحوثي البنوك والتجار من أموالهم".
 
كما قررت منع البنوك التجارية من الاشتراك في أي مزادات للبنك المركزي في عدن، أملا منها في طرد أكبر قدر ممكن من القطاع الخاص الذي يمكن أن يمول معارضة شعبية ضد الحوثي، وتحاول بحسب مراقبين تحويل مناطق سيطرة الحوثي إلى قرى محاصرة عاجزة عن مواجهة الحوثي.
 
وربما تسعي الجماعة الى خطوات أخرى لمنع تصاعد الاحتجاج الشعبي، في انتظار ربما الاتفاق المرتقب مع السعودية بشأن صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم وهذا ربما سيساعدهم على تخفيف حدة الغضب ضدهم، وهم ما جعلهم متمسكين بهذا المطلب والتهديد بالتصعيد العسكري للخروج من المأزق الذي تعيشه، وتصدير مبرر "انهم في حرب" لتشديد سطوهم ونهبهم للموارد.


- فيديو :


مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر