الحوثي وبداية النهاية... جُردة حساب للهدنة الأطول خلال الحرب في اليمن (تحليل خاص)

[ مازالت الهدنة في اليمن مستمرة رغم انتهائها في مطلع أكتوبر بعد 6 أشهر من اعلانها ]

قال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي في خطاب له بعد الهدنة الأممية في أبريل الماضي إن جماعته خاضت أكثر من 20 حربا أثناء الهدن بين الحروب الست في صعدة في الفترة ما بين 2004 و2010. كان الحوثي يتحدث إلى أتباعه خشية انهيار معنوياتهم وتراخيهم أثناء الهدنة التي مازالت مستمرة حتى الآن رغم عدم التمديد لها رسميا.
 
وانتهت الهدنة الأممية في الثاني من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، بعد ستة أشهر، بعد رفض ميلشيات الحوثي تمديدها، واشترطت عدد من المطالب التي مازالت قيد المفاوضات للشهر الثالث على التوالي، وفشلت الجهود الدبلوماسية الأممية والأمريكية في اقناع الحوثيين بإعلان التزام بتمديد جديد للهدنة.
 
ورغم سلسلة التهديدات التي أطلقها الحوثيين خلال الشهرين الماضيين، الا أنهم لم يدخلون في أي تصعيد شامل في الحرب، ومازالت حالة الهدوء مستمرة، عدا اندلاع اشتباكات ومواجهات متقطعة في عدد من الجبهات خلال الفترة الماضية، بالإضافة للهجمات بالطائرات المسيرة التي استهدفت موانئ تصدير النفط في محافظتي شبوة وحضرموت (شرق اليمن).
 
مؤخراً وخلال الأيام الماضية تصاعدت مجدداً تهديدات ميلشيات الحوثي بالتصعيد العسكري، وأمس الاحد هدد القيادي الحوثي محمد عبد السلام، في تصريح عقب مغادرة الوفد العماني صنعاء بالقول، أن قواتهم فرضت قواعد اشتباك جديدة، وليس عليهم أي التزام بوقف إطلاق النار. في مناورة كلامية جديدة لتحسين شروط التفاوض السرية مع السعودية.
 

جردة حساب للهدنة

بالمقارنة بين الهدن في الحروب الست، والهدنة الحالية، تعد هذه الهدنة أول هدنة يبلغ مداها تسعة أشهر ولم يتمكن الحوثي فيها من السيطرة على أراض جديدة. رغم سلسلة التهديدات التي يطلقها ما بين الحين والآخر والاستعراض بالقوة العسكرية.
 
منذ 2004، مثلت الهدن المختلفة التي دخلها الحوثي فرصا عظيمة له للتوسع خاصة تجاه المناطق المتاخمة للاشتباكات، قبل وقوع الهدنة، بهذه الطريقة سيطر الحوثي على محافظة صعدة، وخلال الفترة ما بين 2011 و2014 سيطر الحوثي على مناطق واسع ومحافظات بأكملها مثل المحويت، وحجة وعمران وصنعاء وأمانة العاصمة والحديدة.
 
التحول في هذه الهدنة: كعادة الحوثي، لم يلتزم بهذه الهدنة بجميع بنودها، ونقض كثيرا من البنود، مثل فتح الطرقات، إلا أن الهدنة الحالية مثلت تحولا جوهريا في طبيعة الأنشطة الحوثية أثناء السلام المؤقت ولو بحدوده الأدنى، إذ توالت الحملات العسكرية للجماعة الإيرانية المسلحة، على مناطق القبائل للسيطرة على عقاراتها، في المحافظات التي يسيطر عليها، خاصة محافظات صنعاء والجوف وعمران والبيضاء وإب.
 
تمثل هذه التطورات الحربية نوعا جديدا من الحروب التي تبرز في وجه جماعة الحوثي، ومع أن الحوثي هو المبادر لشن الحملات العسكرية ضد القبائل، إلا أن اللافت أن المواجهات استعرت في أكثر من محافظة وأكثر من قبيلة ولو بحدها الأدنى.
 


فشل حوثي بتحقيق اختراق ميداني

في البيضاء تراجعت حملة حوثية وانسحبت دون تحقيق أهدافها في قرية خبزة بمنطقة قيفة، في يوليو الماضي، وفي الجوف، تمكنت مجاميع قبلية من صد حملات حوثية متعددة في الحزم والمتون وخب والشعف وبرط المراشي دون انتصار حوثي حاسم.
 
في بني مطر مازالت المواجهات مستمرة، حيث أفادت مصادر قبلية لـ"يمن شباب نت" بتجدد اعتداء حوثي مسلح على عقارات القبيلة غربي صنعاء يوم الأحد السادس والعشرين من ديسمبر.
 
قال مصدر قبلي في صنعاء "إن أبناء القبائل لن يسلموا أراضيهم ومزارعهم وآخر ممتلكاتهم للعائلات الهاشمية الحوثية التي تحاول السيطرة عليها، وتوعد بالمقاومة بكل السبل".
 
وكانت قبيلة همدان صنعاء قد دعت في يوليو الماضي الشعب اليمني بمناصرتها في الوقوف في وجه الحوثي، وكتبت لافتات صريحة بهذا الأمر، بينما وقعت قبائل الجوف وثيقة تتعهد فيها بالتصدي للعدوان الداخلي.
 
لم تسفر التحركات القبلية حتى الآن عن بلورة موقف شعبي وقبلي معارض أو خطير في وجه الحوثي، لكن هذه الآمال تقترب من التحقق، شيئا فشيئا، بينما يحاول الحوثي بذل كل قوته للحفاظ على هيبته المتراجعة، وقوته المنهارة التي لم تسعفه للاستفادة من الهدنة منذ أطلق أول رصاصة قاتلة في مشروعه قبل عقدين تقريبا.
 

استنزاف الميلشيات

ترافق هذا التراجع العسكري للجماعة الإيرانية، مع اعتراف حوثي نادر بأن 65 ألف أسرة على الأقل قدمت قتيلا واحدا أو أكثر في صفوف الجماعة، وبدأ الحوثي يعاني عجزا حقيقيا في التجنيد مقارنة عما كان عليه قبل سنوات، وأدت معركة مأرب إلى استنزاف هائل في أعداد عناصر الجماعة وقدرتها على الحشد والقتال، حيث قتل 15 ألف عنصر في غضون خمسة أشهر وفق وكالة فرانس برس في نوفمبر من السنة الماضية.
 
مظاهر التراجع العسكري الحوثية لا تتوالى بسرعة شديدة، ولكنها تتراكم يوما بعد آخر بنهج ثابت، بينما تغرق الجماعة في صراعات داخلية، على مستوى القيادات ومستوى الجماعات المكونة لمليشيا الحوثي، وتؤدي المطالب الشعبية المتعاظمة التي تريد الخدمات كابوسا يؤذن ببداية الانهيار لأسوأ مشروع إيراني في المنطقة.
 
في السياق نفسه، ترافق التراجع العسكري البطيء للجماعة الحوثية، مع تحول بدأ يتعاظم أكثر فأكثر في الموقف الدولي تجاه الجماعة، لم يكن متوفرا قبل2022، وقبل هزيمتها العسكرية في مأرب وشبوة، مطلع العام، إذ افتتح مجلس الأمن السنة الجارية بتصنيف أعمال الحوثي بالإرهابية، وانتهى ببيان آخر في أكتوبر الماضي بتصنيف هجماتها ضد منشآت النفط اليمنية في حضرموت بالإرهاب أيضا، وهو أمر لم يحصل منذ عقود ضد الجماعة الإرهابية، ورغم عدم التأثير الفوري لهذا التصنيف إلا أنه أحد العوامل المتراكمة في خسارات الحوثي المتوالية.
 




انكشاف أمام اليمنيين

أدت الهدنة خلال الأشهر الماضية إلى انكشاف ميلشيات الحوثي بشكل أوسع مقارنة بما قبل الهدنة، أمام التزاماتها تجاه المواطنين في مناطق سيطرتها كسلطة أمر واقع، حيث انتهى المبرر الحوثي الدائم الذي يتحدثون به أمام الناس عندما يطالبون بحقوق بقولهم "نحن في حرب وحصار"، لكن مع توقف الحرب جزئيا واستمرار تدفق المشتقات النفطية لم يتغير شيء.
 
ربما تزايدت خلال الهدنة حالة الفساد في سلطات وقيادات الجماعة الحوثية، مع تدفق الموارد والجبايات التي يفرضونها بشكل واسع على المواطنين، بالتزامن مع توقف الحرب، وأدرك الكثير من اليمنين أن المشروع الحوثي يقتات على الحرب ومعاناة اليمنيين فقط ولا فرق بين استمرار الحرب أو توقفها في ظل بقائهم سلطة قهر إجبارية.
 
وربما أصبحت ميلشيات الحوثي تدرك أن الغضب الشعبي يتعاظم ضد سلطاتها، حيث المح لذلك ناطق الجماعة ورئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام، في تصريح صحفي أمس الأحد، بدعوته إلى "وحدة شعبية بعيداً عن ما يدار ويقال هنا وهناك"، في إشارة لارتفاع أصوات الرفض لسلطة الجماعة وتعبير عن خوف منها، وأعترف "ان هناك تجاوزات واختلالات"، على غير عادة جماعة الحوثي.
 
تحولت التهمة التي يطلقها الحوثيين على أي أصوات رافضة لسلطتهم بأنهم تابعين للشرعية أو التحالف الذي تقوده السعودية أو مصطلحهم الشهير "عملاء للعدوان"، إلى محل سخرية بين الناس في مناطق سيطرتهم، ومؤخرا اختطفوا صانع محتوى مصور بوسائل التواصل "أحمد حجر" بصنعاء، بسبب فيديو قال فيه "أن جميع الناس الذين يقابلهم يشكون من فساد وظلم الحوثيين".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر