أجيال بمستقبل مجهول.. الوضع المعيشي يجعل التعليم الجامعي مستحيلاً في صنعاء 

 تشهد الجامعات اليمنية تراجعا ملحوظا في معدل إقبال الطلاب على التعليم الجامعي في اليمن، وسنوياً يقل عدد الملتحقين بالجامعات الحكومية والخاصة عن الأعوام السابقة، حيث ألقت الحرب المستمرة آثارها بشكل كبير على نسبة المقبلين على التعليم الجامعي الذي أصبح شبة مستحيل للكثير من الشباب اليمنيين بسبب التكلفة الباهظة التي يتطلبها.
 

لم يتمكن علاء عبد السلام (٢٢عاما) من مواصلة تعليمه، واضطر إلى تعليق دراسته الجامعية بعد عامين من التحاقه بكلية التجارة في جامعة صنعاء، بسبب عجزه في توفير تكاليف الدراسة، ويراوده الشعور بالقهر والأسى ومعه الكثير من الطلاب اليمنيين الذين حرموا تعليمهم الجامعي خلال سنوات الحرب التي تشهدها البلاد.
 

ومع تردي الوضع المعيشي يعزف الشباب عن مواصلة التعليم الجامعي للانخراط في قوام القوى العاملة لإعالة أنفسهم وذويهم، وربما توسعت خلال الحرب حتى في أوساط طلاب المدارس، وليس فقط في التعليم الجامعي، بالإضافة إلى تدهور العملية التعليمية بشكل عام في اليمن.
 

أرغمت الحرب وتردي الأوضاع المعيشية الكثير من الطلاب من دراستهم الجامعية، وأصبحوا في مواجهة مستقبل مجهول والبحث عن مهن في سوق العمالة اليدوية سواء داخل البلاد او خارجها ليتمكنوا من مساندة أهاليهم وتغطية احتياجاتهم، ومنهم من اضطروا للتجنيد والقتال في الجبهات.
 

يقول علاء في حديث لـ"يمن شباب نت" "أشعر أن أحلامي تلاشت تبددت، نتيجة الوضع المعيشي الذي تعيشه أسرتي والأوضاع القاسية التي تحيط بنا، لذلك فقدت الإيمان بقدرتي على تحقيق طموحي لم أكن اتصور أن يأتي يوم أترك التعليم لكن لم يكن أمامي سبيل إلا إيقاف الدراسة والالتحاق بسوق العمل". 
 

يعمل "علاء" حالياً في إحدى الأسواق التجارية الكبيرة في صنعاء "عندما كنت في الجامعة أعجز بشكل مستمر في الحصول على المصاريف اليومية فضلاً عن أقساط الجامعة وايجار السكن والمواصلات، حيث لا يوجد أي مصدر دخل ثابت يوفر لي من أسرتي للدراسة".
 

وقال: "لم أكن انا الوحيد الذي يترك دراسته ويذهب إلى العمل مجبراً لمساعدة أسرتي في المصاريف بل الكثير من زملائي تركوا الدراسة عندما كنا في الثانوية"، وتابع "الدراسة في زمن الحرب في بلاد تعاني من ويلات الحرب وما ترتب عنها وضع معيشي أصبح من الأحلام التي لن تتحقق للجميع في الواقع". 
 


تراجع مخيف للطلاب بالجامعات

في هذا العام تراجع عدد الالتحاق الطلاب بجامعة صنعاء ٥٠% ففي هذا العام 2023-2022 تقدم في كلية الطب 3150 طالبا والطاقة الاستيعابية 150 فقط، بينما في العام 2021-2020 بلغ عدد المتقدمين لنفس الكلية 8000 طالبا والطاقة الاستيعابية 300 طالب فقط.
 

وقالت رئيسة قسم الصحافة في جامعة صنعاء، سامية الأغبري "أن تناقص الطلاب في الجامعات اليمنية يتدنى عاما بعد آخر بسبب تراجع الاقبال على الدراسة في المراحل الاساسية والثانوية وضعف مستوى التعليم العام وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي بشكل كبير".
 

وأضافت في حديث لـ"يمن شباب نت"، أن ذلك ادى الى زيادة معدل الهجرات والسفر الى خارج الوطن وخاصة الهجرات غير الشرعية والبحث عن اي منفذ للخروج حتى للدول التي كانت في السابق غير امنة ووضعها الاقتصادي صعب على سبيل المثال الصومال والسودان".
 

وأشارت: "أن تدهور الأوضاع السياسية والامنية نتيجة طبيعية للحرب والصراع كان عاملا اساسيا وساهم في تسرب الكثير من الطلاب عن الدراسة وخاصة في الكليات النظرية ككليات واقسام الاعلام والصحافة الذين يعانون من التضييق عليهم في حرية الرأي والتعبير حيث يتعرض البعض للاختطاف والاعتقال لسنوات والبعض يظل تحت الرقابة". 
 

ولفتت أستاذة الصحافة في جامعة صنعاء "أن بيئة التعليم الجامعي لم تعد توفر للأستاذ والطالب الجامعي ابسط مقومات التعليم من اهمها انقطاع رواتب الاساتذة وسفر الكثير منهم وعدم القدرة على العمل في ظل الصراع السياسي والمناطقي والمذهبي".
 

عزوف عن التعليم

وتدخل الحرب في اليمن عامها الثامن وخلفت وراءها أكثر من 377 ألف قتيل بحسب تقديرات الأمم المتحدة، فضلًا عن نزوح 16% من السكان، تعد محطةً فاصلة في مسيرة توغُّل الفقر داخل المجتمع اليمني، إذا ما استمرَّ الوضع على ما هو عليه حتى نهاية عام 2022، فستُصنّف اليمن كأفقر بلد في العالم. 
 

ويقول محمد عبد الحكيم - إداري في إحدى الجامعات الخاصة بصنعاء - "يوجد عزوف وتدني في الالتحاق بتعليم الجامعي وخصوصا في الجامعات الخاصة برغم انها تقبل خرجي الثانوية العامة لنفس العام، ففي هذا العام عدد المسجلين لا يتجاوز 150 طالب بينما في العام الماضي 900 طالب وعام 2020 تقدم 1150 وفي العام 2019 تقدم للتسجيل نحو 1300".  
 

وأضاف في حديث لـ"يمن شباب نت"، "فمثلاً في جامعتنا تم تسجيل قرابة 500 طالب في نهاية الترم الثاني لم يحضر الاختبارات سوى 290 طالباً، والاقبال على الدراسة الجامعية تراجع بنسبة 50% ويتفاوت من قسم إلى آخر، وبعض التخصصات لا يوجد فيها اقبال ويجري اغلاقها".
 


ويكشف التباين الواسع بين عدد المقبلين على الجامعات خلال العاميين الدراسيين الأخيرين، تزايد فجوة الاقبال على التعليم الجامعة، نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية، وحالة اليأس التي يعيشها الشباب في ظل استمرار حالة الحرب في البلاد وتدهور التعليم ومخرجاته بالإضافة إلى توسع رقعة البطالة. 
 

وقال عبد الحكيم "ان عدد خرجي الثانوية العامة يقدرون مئات الآلاف، فيما عدد الملتحقين بالجامعات الخاصة في أمانة العاصمة لا يتجاوز 5000 طالب وطالبة، غالبيتهم في جامعة صنعاء لكن هذا لا يعني استيعاب كل خرجي الثانوية فنسبة الذين التحقوا بالدراسة الجامعية قد لا يتجاوز 20%".
 

وتابع: "ان هناك الكثير ممن أسباب عدم التحاق الطلاب بالجامعة هو ارتفاع الرسوم الباهظة وعدم وجود بيئة وكواد، وانقطاع الرواتب، وارتفاع الاسعار واجور المواصلات، مجملها معوقات أدت لعزوف الطلاب "، ورغم كل هذه المشاكل إلا أن الحوثيين أضافوا مواد جديدة في المقررات الجامعية المنهج لا علاقة لها بالتخصصات ولا تفيد الطلاب بشيئ".
 

ثالوث يدمر المجتمع

إن انقطاع الطلاب عن الالتحاق بتعليم الجامعي إضافة جهل فقر مرض كما وصفته أستاذة الإعلام سامية الاغبري بأنه "ثالوث مرعب يدمر المجتمع اليمني"، وربما يتحول ذلك إلى كارثة في المستقبل القريب حتى ولو انتهت الحرب، فإن مجتمع بكاملة يتعرض للتجهيل وإهمال التعليم بشكل متعمد من أطراف الحرب في اليمن.  
 

وقالت الاغبري "إن تدني الالتحاق بالتعليم الجامعي يؤثر كثيرا على الحياة الاجتماعية حيث تزداد احوال الناس بؤسا وتسوء العلاقات الاجتماعية وتتدهور القيم ويختفي الخبراء والمؤهلين وتعود الحياة الاجتماعية الى ما كانت عليه فيما قبل ثورو ٢٦ سبتمبر وبما اسوأ جهل، فقر، مرض وهو ثالوث مرعب يدمرنا تماما اقوى من السلاح التقليدي".
 

بعد ثمان سنوات من الحرب الكارثية التي ماتزال جارية في اليمن ونتج عنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، لا يبدو أن هناك أفق قريب لإنهائها، وأصبح مستقبل جيل كامل معرّضًا لخطر الدمار، فحوالي 3 ملايين طفل غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة وفقًا للصليب الأحمر، وهناك 8.1 ملايين بحاجة لمساعدة تعليمية عاجلة. 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر