تعز.. تسرب المعلمين من المدارس إلى المعسكرات يهدد استمرارية العملية التعليمية في "الوازعية"

[ مديرية "الوازعية" بريف تعز الغربي، تعاني من تسرب حاد في أعداد المدرسين، نتيجة ضعف رواتبهم وتوجههم نحو الانخراط في التشكيلات العسكرية بحثا عن رواتب مغرية ]

  مع انطلاقة العام الدراسي الجديد، يشكو القائمين على العملية التعليمية في مديرية الوازعية، جنوبي غرب تعز، من نزيف حاد في أعداد المدرسين، نتيجة استمرار تسربهم نحو معسكرات التجنيد. وما زالت المشكلة تتفاقم مع افتتاح معسكرات تجنيد جديدة، في ظل عجز إداري عن إيجاد حلول مناسبة لها.
 
فبحسب مصادر تعليمية تحدثت مع "يمن شباب نت"، توجد في المديرية النائية 32 مدرسة، خرجت منها خمس مدارس نتيجة تعرضها للتدمير اثناء المواجهات العسكرية، فيما الـ 27 مدرسة المتبقية تعاني جميعها نقصا حادا، متفاقما، في عدد المعلمين المتوفرين لإدارة العملية التعليمية المهددة بالانهيار.
 
 
تسرب مستمر.. أرقام وتحذيرات
 
 منذ عودة التعليم إليها، آواخر العام 2017، كان عدد المدرسين العاملين في المديرية يبلغ زهاء 200 معلما فقط، يتوزعون على الـ 27 مدرسة (أي بمعدل متوسط يصل إلى 7.5 لكل مدرسة)..!! ومع ذلك، ظلت المديرية تعاني من تنامي ظاهرة التسرب بين صفوف المعلمين جراء تردي الأوضاع الاقتصادية.
 
فمن بين هذا العدد (200 مدرسا)، بحسب إحصائية شبه رسمية، فقدت المديرية مؤخرا أكثر من 25 معلما، أضيفوا إلى 30 معلما آخرا غادروا فصول الدراسة خلال العامين الأخيرين والتحقوا بالعمل في قطاعات أخرى بحثا عن رواتب أفضل. في حين خرج سبعة معلمين عن جاهزيتهم الذهنية نتيجة إصابتهم بحالات نفسية بسبب الحرب.
 
وفي كل مرة كان يتم البحث عن بدلاء، يعملون بنصف راتب، لتغطية جزء من النقص، لكن هذا الخيار أصبح هو الأخر مهددا للأسباب ذاتها.
 
ويكشف مدير ادارة الموارد البشرية بمكتب التربية بمديرية الوازعية، الأستاذ زيد المشولي، عن أبرز أسباب هذا التسرب المتواصل، وأهمها: "عدم كفاية أجور المعلمين لتغطية كافة الالتزامات المعيشية في ظل الغلاء المتفاقم، الأمر الذي يضطرهم إلى البحث عن أعمال أخرى يحصلون من خلالها على رواتب أفضل".
 
وأوضح المشولي، في حديثه لـ "يمن شباب نت"، أن المكتب يبذل جهدا مضاعفا في محاولة حل جزء من هذه المشكلة، من خلال إلزام كل معلم يرغب في ترك العمل بالبحث عن بديل مناسب مقابل إعطاؤه ستون ألفا من راتبه نظير تغطية مادته الدراسية. غير أنه حذر من أن المكتب قد لا يكون قادرا، منذ هذا العام، على مواصلة مواجهة تداعيات هذا التسرب المتزايد، لا سيما خلال الفترة الأخيرة.
 
 


 أسباب ومعالجات
 
ويتوقع مسئول إدارة الموارد البشرية أن يتضاعف عدد المعلمين المتسربين هذا العام في المديرية إلى أكثر من 30 معلما، خصوصا مع الاعلان مؤخرا عن فتح بابا جديدا للتجنيد ضمن ما يسمى بـ "ألوية اليمن السعيد".
 
ووصف ما يحدث بأنها "معضلة كبيرة، تحتاج لحل جذري من الجهات الحكومية العليا، لضبط هذا النزيف المتواصل". وقدم بعض الحلول العاجلة المطلوبة، وأهمها: "تسوية أوضاع المعلمين، من خلال زيادة الأجور بطريقة تتناسب مع غلاء المعيشة، إلى جانب صرف العلاوات" المتوقفة منذ سنوات، مشيرا إلى هذا فقط ما سيمكن المكتب من ضبط توسع هذه الظاهرة التي أثرت على العملية التعليمية، الآيلة إلى الانهيار.
 
 من جانبه، تحدث وكيل مدرسة الخنساء، الأستاذ عبد القادر حسن، عن "الاحباط الذي أصاب المعلمين، جراء الإهمال وعدم النظر في مظلوميتهم"، المتمثلة بعدم كفاية الراتب، وعدم زيادته، مع توقف صرف البدلات والعلاوات القانونية..!!
 
وأوضح الوكيل لـ "يمن شباب نت" إنه "من الصعب أن تلزم المدرسة المعلم بالالتزام، لا سيما في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة والقاهرة التي يعجز أمامها عن القيام بواجباته تجاه أسرته، حيث لا يفي مرتبه لتلبية أبسط الاحتياجات الضرورية لهم"..
 
وأضاف: "ولذا نضطر في كثيرا من الاحيان إلى البديل، بما في ذلك البحث عن متطوعين يدفع لهم الأهالي من أجل استمرار العملية التعليمية".
 
ومع أن ذلك من شأنه أن يثقل كاهل أهالي الطلاب، الذين يعاني معظمهم من الفاقة، إلا أنهم يضطرون إلى مضاعفة جهودهم كي يتمكنوا من دفع الرسوم الإضافية المطلوبة منهم للبدلاء حتى تستمر العملية التعليمية ولا ينقطع أبنائهم عن تلقي التعليم..!!
 
فبحسب تقرير مشترك، صادر عن منظمات الأمم المتحدة في اليمن، منتصف مارس/ آذار الماضي، فأن أكثر من 19 مليون شخص (%60 من السكان الذين تم تحليلهم) في اليمن "من المرجح أنهم سيكونون في وضع أزمة أو أسوأ (المرحلة الثالثة وما فوق من التصنيف المرحلي المتكامل) ما بين يونيو – ديسمبر 2022".
 
 


معسكرات التجنيد كواجهة للتسرب
 
 منذ شنت ميليشيات الحوثي الإيرانية حربها على اليمنيين، عقب انقلابها على النظام الجمهوري الشرعي في البلاد مطلع العام 2015، فقد أكثر من نصف اليمنيين وظائفهم ومهنهم. وأدت تداعيات الحرب المستمرة في عامها الثامن، إلى مضاعفة الأزمة الاقتصادية وارتفعت الأسعار إلى مستويات قصوى خلال العام الجاري.
 
وأكد تقرير "استراتيجية المكتب القطري" لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي- اليمن، للفترة من يوليو 2021 حتى ديسمبر 2024، على انخفاض "العمالة في القطاع الزراعي (المزود الرئيسي للعمالة) بنحو 98 بالمائة في المناطق الريفية وشبه الحضرية". وأضاف: "ولا يتم دفع رواتب موظفي الحكومة أو يتم دفعها بشكل غير منتظم".
 
وشكل الانخراط في السلك العسكري فرصة اضطرارية بالنسبة لكثير من اليمنيين في مختلف المحافظات، من أجل الحصول على مصدر دخل مناسب، لا سيما في التشكيلات التي تدعمها دولتي التحالف (الإمارات والسعودية) في المحافظات الجنوبية والساحل الغربي لمحافظة تعز، حيث تعتبر مديرية الوازعية واحدة من ثلاث مديريات ساحلية تابعة للمحافظة.
 
ويتفق كثيرون على أن جزءا كبيرا من مشكلة تسرب المعلمين في مديرية الوازعية يرجع إلى انخراطهم في تلك التشكيلات العسكرية.
 
وهو ما أكده وكيل مدرسة الخنساء عبد القادر حسن، الذي ذكر لـ "يمن شباب نت" أن العديد من زملاءه لجأوا إلى البحث عن أعمال بديلة في القطاع العسكري في الساحل الغربي، حيث يتحصلون على راتب يصل إلى ألف ريال سعودي (تعادل 310 ألف ريال يمني تقريبا، بسعر الصرف الحالي)، فيما لجأ البعض إلى بيع القات، أو العمل في البقالات، وغيرها من الأعمال، من أجل تحسين مصادر دخلهم.
 
 
التجنيد.. من مشكلة إلى حل
 
وأكد تربويون وسكان محليون المعلومات التي تفيد أن هناك معسكرات فتحت أبوابها مؤخرا، في عدة مناطق يمنية، لاستيعاب المزيد من المجندين ضمن ما يسمى "ألوية اليمن السعيد" المحسوبة على دولتي التحالف العربي، فيما حدد البعض تبعيتها للمملكة العربية السعودية.
 
وبالنسبة لمدير مكتب التربية والتعليم في الوازعية، الأستاذ علي الدقوق، فهو يرى أن تلك الجهات العسكرية التي تشكل إحدى مشكلات التسرب الرئيسة للمعلمين، يمكنها في الوقت ذاته أن تصبح حلا مناسبا لهذه المشكلة، وتساعد من جهتها في دعم استمرارية العملية التعليمية وتحول دون توقفها أو إضعافها.
 
وفي هذا السياق، دعا الدقوق، عبر "يمن شباب نت"، تلك الجهات التي تقوم بالتجنيد حاليا، أن تستمر في صرف مرتبات المعلمين الذين التحقوا بالعمل معها في السلك العسكري دون أن تحول عن استمرارهم في التدريس بمدارسهم في الوقت نفسه.
 
وإذ أكد مدير التربية على أن هذا "سيسهم في استقرار ورفد العملية التعليمية في المديرية"، لفت إلى أنه دون ذلك، فإنه "من الصعب فرض خيارات أخرى على المعلمين في ظل الظروف الحالية، سوى مطالبتهم بدفع جزء من مرتباتهم لبدلائهم من المتعاقدين أو المتطوعين"، مطالب السلطات المعنية "أن تعي المخاطر من هذا التسرب على مسار وبقاء العملية التعليمة"
 
وأشار الدقوق إلى أن الخريجين، وبسبب شحة المردود المالي، يرفضون هذا العام العمل كبدلاء عن المعلمين المتسربين، مضيفا: "فحتى هؤلاء أيضا، فضلوا الذهاب إلى المعسكرات للعمل لمدة نصف الشهر، والنصف الآخر من الشهر يتخذونه إجازة مقابل الحصول على الألف الريال السعودي"، مستدركا: "وهذا بحد ذاته سيشكل عبئا إضافيا على العمل التعليمي في المديرية".
 



عبئ إضافي.. ومناشدات
 
  العام الماضي (2021) وصل إجمالي الطلاب والطالبات، الذين قيدوا للدراسة في الـ 27 مدرسة (أساسية وثانوية) في المديرية، 12,550 طالبا، نصفهن من الإناث.

ويتوقع مدير التربية بالوازعية، لـ "يمن شباب نت"، أن يشهد العام الجديد اقبالا كثيفا في العملية الدراسية من قبل الطلاب. الأمر الذي يعتقد أنه "سيضفي مزيدا من الأعباء على المكتب، في ظل استمرار تسرب المزيد من المعلمين، في الوقت الذي تزداد فيه الحلول تضاؤلا".

وناشد الدقوق، الحكومة والمنظمات الدولية والمحلية المعنية، بدعم التعليم، لا سيما في ظل هذه المرحلة الحساسة الذي تعيشها البلد، داعيا السلطات المختصة، بشكل خاص، إلى تسوية أوضاع المعلمين بشكل عاجل، قبل أن تستفحل المعضلة أكثر ويصعب حلها مستقبلا.
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر