"جزيرة ميون الإستراتيجية".. لمصلحة من تبني الإمارات قاعدة جوية في باب المندب؟ (تقرير خاص)

[ صورة نشرتها الوكالة الأمريكية للقاعدة العسكرية التي تقوم الإمارات ببنائها في جزيرة ميون ]

في خطوة وصفت بأنها انتهاكا للسيادة اليمنية، وعسكرة باب المندب؛ كشفت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية عن قيام دولة الإمارات ببناء قاعدة جوية "غاضمة" في جزيرة ميون، الواقعة في المضيق البحري "باب المندب"، والذي يمر منه ربع التجارة الدولية عبر البحار.

وقالت الوكالة الأمريكية، إن صورًا للأقمار الصناعية تظهر بناء مدرجا بطول 2 كيلو متر على الجزيرة في الـ 11 من ابريل الماضي، ويمكن للمدرّج بهذا الطول، أن يستوعب طائرات هجومية ومراقبة ونقل، وهو ما يسمح لمن يسيطر عليه بإبراز قوته في المضيق، كما أنه يوفّر قاعدة لأي عمليات في البحر الأحمر وخليج عدن وشرق أفريقيا.

وأشارت إلى أن من بين أسباب الخلافات بين الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي والإمارات هو رفضه تأجير الجزيرة إلى الإمارات لمدة عشرين عامًا.

وعلى الرغم من إعلان الإمارات الرسمي أنها سحبت قواتها من اليمن، قال عضو الكونجرس الأمريكي "كريس مرفي"، "إن الكشف عن بناء الإمارات لقاعدة عسكرية وجوية في جزيرة ميون؛ دليل أخر على أن الإمارات لم تغادر اليمن".

وكان مدير مكتب الرئاسة اليمنية الدكتور عبد الله العليمي قد أكد في تصريح صحفي خلال الشهر الجاري، أن الرئاسة اليمنية لم تبلغ ببناء الإمارات قاعدة عسكرية وجوية في جزيرة ميون.

وأمس الأربعاء رفع النائبان علي المعمري ومجمد ورق سؤالا إلى رئيس الوزراء معين عبدالملك حول حقيقة قيام الإمارات ببناء قاعدة عسكرية في باب المندب دون علم الحكومة اليمنية.

لكن السؤال الأهمّ، إذا كان بناء القاعدة الجوية يجري بدون علم الحكومة اليمنية وانتهاكًا لسيادة البلاد، فهل يتم ذلك بدون علم المملكة العربية السعودية بما تفعله حليفتها الإمارات في باب المندب؟ فحسب شهود عيان فأن ضباطًا سعوديون شوهدوا بالجزيرة إلى جانب ضابط الإرتباط الإماراتي، والقوات اليمنية المدعومة من الإمارات في الساحل الغربي..! 

وإن كان الأمر يجري بايعاز من السعودية فلماذا تعمل الرياض ذلك بالسر ودون موافقة الحكومة الشرعية؟ أم أن هناك تفاهمات سرية غير معلنة بات من الضرورة أن يطلع عليها الشعب اليمني كونها تخص أرضه وسيادته؟!
 


التحالف يؤكد وينفي

وردًا على ما نشرته الوكالة الأمريكية وما تبعها من حملة إعلامية من قبل ناشطين ومسؤولين يمنيين، خرج التحالف بتصريح على لسان "مصدر مسؤول"، اليوم الخميس،نفى وجود قوات إماراتية في جزيرتي سقطرى وميون، لكن أكد وجود أنشطة عسكرية في جزيرة ميون.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية "واس"، عن المصدر قوله، إنه "لا صحة للأنباء التي تتحدث عن وجود قوات إماراتية في جزيرتي سقطرى وميون"، مشيرًا إلى أن "جهودها الحالية تتركز مع قوات التحالف في التصدي جواً للمليشيات الحوثية في الدفاع عن مأرب".

واعتبر مراقبون هذا الموقف بأنه مقايضة، حيث يقايض التحالف الحكومة اليمنية مأرب، مقابل احتلال جزيرتي ميون وسقطرى، وإلا فما علاقة الحديث عن مأرب بموضوع القاعدة العسكرية في جزيرة ميون، والذي تم ذكره في سياق هذا البيان.

وبرّر المصدر في التحالف، أن "ما يوجد من تجهيزات في جزيرة ميون هي تحت سيطرة قيادة التحالف، وفيما يخدم تمكين قوات الشرعية وقوات التحالف من التصدي لمليشيات الحوثي وتأمين الملاحة البحرية وإسناد قوات الساحل الغربي".مؤكدا أن "احترام سيادة اليمن ووحدة أراضيه من المبادئ الراسخة والثوابت الأساسية للتحالف".


اعتداء أخر على السيادة

واعتبر مراقبون، بيان التحالف الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية بأنها اعتداء أخر على سيادة اليمن، كون مهمة الكشف والتوضيح عن هذا الأمر هي الحكومة اليمنية وليس التحالف، باعتبار الموضوع متعلق بسيادة اليمن، والحكومة هي المعنيّة بتوضيح الحقائق كاملة حيال ذلك؛ بحسب ما قرره الدستور اليمني.

وقال الصحفي اليمني أحمد الشلفي في سلسلة تغريدات له على "تويتر"، أن "نفي التحالف وجود قوات إماراتية في سقطرى لا داعي له، فلم يطلب أحد الآن توضيح وجود قوات إماراتية في سقطرى من عدمه، فالجميع يعرف أن الوجود الإماراتي هناك استخباراتي، والوجود العسكري سعودي، وقد حاول البيان استخدام سقطرى للهروب من توضيح حقيقة وجود قوات إماراتية في ميون".

وأضاف الشلفي: "اعتراف البيان بوجود أعمال إنشاءات في جزيرة ميون تحت سيطرة التحالف؛ هو اعتراف بوجود قاعدة عسكرية إماراتية؛ لكن البيان لم يحمل توضيحًا حول الآليات القانونية لإنشاء هذه القاعده العسكرية، ولا أجاب عن سؤال وجود إذن من الدولة".

وتابع: "ما قيل في البيان من إن الإمارات تقاتل في مأرب، يدحض جميع الروايات التي تقول إن الإمارات انسحبت من اليمن، وهذا إشكال قانوني دولي، فهي اعلنت الإنسحاب رسميًا، وتمارس أعمال عير قانونية بغطاءات مختلفة ومتعددة".

وأكد أن "المطلوب من الحكومة والدولة اليمنية حاليًا وفورًا بيان كل ما ذكر أعلاه، بعد البيان الخطير الذي وضعها في حرج، واعترف بوجود قاعدة عسكرية، وأخفى هوية المتواجدين فيها، وقونن التواجد عليها بغطاء محاربة الحوثيين".

وأشار الشلفي، إلى أن "الإعتراف بوجود قوات إماراتية في الساحل الغربي، هو اعتراف ايضا بوجود القوات الإماراتية في هذه المنطقة". مؤكدًا أن "تلويح التحالف بالسكوت عن ميون، مقابل الدفاع عن مأرب هو تلويح خطير ومكشوف وغير مقبول". حسب وصفه.
 


احتلال إماراتي

ووصف النائب في البرلمان اليمني علي المعمري، ما تقوم به الإمارات في اليمن بـ"الإحتلال والعدوان"، مؤكدًا أن ما نشرته الوكالة الأمريكية بشأن بناء الإمارات قاعدة عسكرية ليس بمستغرب، ولن يستغرب الشعب اليمني ذلك على الإطلاق.

وقال المعمري في تصريح لقناة "يمن شباب"، لبرنامج المساء اليمني، أمس الأربعاء، إن "الشعب اليمني لم يعد يستغرب وجود أفعال كهذه من قبل الإمارات، من عدوان واحتلال للجزر اليمنية"، مشيرًا إلى "أن الإمارات قامت بأعمال انتهاكات على السيادة اليمنية في كثير من الأماكن". 

وانتقد "صمت الرئاسة والحكومة والبرلمان والنخب السياسية حيال ما تقوم به الإمارات في اليمن"، مؤكدًا أن هذا الصمت "شجّع الإمارات على أن تقوم بهكذ اعتداء وانتهاك على السيادة اليمنية". 

ودعا المعمري "الشعب اليمني إلى التحرك بمسيرات ومظاهرات، تنديدًا بما تقوم به الإمارات من احتلال وعدوان على الجزر والموانئ والأراضي اليمنية، وأن يُسمع اليمنيين أصواتهم للعالم بأكمله حيال ما يجري في بلدهم، وأن يؤكدوا للعالم أنهم لن يسكتوا عن انتهاك سيادة بلدهم".

كما دعا الحكومة "ممثلة بوزارة الخارجية إلى رفع قضايا أمام المحاكم والمنظمات الدولية ذات الاختصاص لمواجهة العدوان والاحتلال والاستعمار الإماراتي للجزر والأراضي اليمنية"، وطالب الحكومة كذلك بـ"بالتواصل مع المملكة العربية السعودية، للتحدث معها بشأن ما تقوم به الإمارات، كونه أمر خطير ويضر بالسيادة، وأنه لن يتم السكوت عليه إطلاقا".

وشدد على ضرورة أن تقوم الحكومة بأفعال من شأنها أن توقف الاعتداءات الإماراتية على السيادة اليمنية، مشيرًا إلى أن الإمارات تقوم بأفعال تضر باليمن، فهم يدعمون الانفصال، ويحتلون الجزر، ويتواجدون في شبوة لدعم جماعات متطرفة، وكذلك في حضرموت، وفي أماكن كثيرة..".

وأشار المعمري إلى أن "جزيرة سقطرى اليوم أصبحت مستعمرة اماراتية، فطيرانها يقوم برحلات اسبوعية من أبو ظبي إلى سقطرى دون علم ورضى الحكومة اليمنية، والأجانب يدخلونهم إلى الجزيرة دون علم الحكومة أيضًا، إضافة إلى إنشاء شركات اتصالات وغيرها، والتي تأتي عبر ما يُسمى بـ"مؤسسة زايد الخيرية"، والتي تدخل البلاد معدات لا نعرف ولا تعرف الحكومة اليمنية ما هي، ولذا اليمنيون لم ولن يستغربوا ما قامت وما ستقوم به الإمارات من اعتداءات على جزر أخرى".

وقال النائب علي المعمري، "نحن طلبنا المملكة العربية السعودية لمساعدتنا للتخلص من الانقلاب الحوثي، وهم قاموا باستدعاء الإمارات، وهي بدلا من مساعدتنا تقوم بأفعال تضر باليمن واليمنيين". حسب تعبيره.


تجاهل حكومي

وأشار النائب علي المعمري إلى أنه وجّه سؤالا إلى الحكومة اليمنية، حول صحة إنشاء قاعدة عسكرية في ميون؟ وهل تم بناء ذلك بناء على علم الحكومة أم لا؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتها حيال هذا الأمر؟  

وأضاف المعمري، "كنت قد وجهت مع الأخ علي عشال سؤالا في سبتمبر الماضي حول إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى، وإنشاء شركة اتصالات، وأشياء أخرى تحدث في سقطرى من قبل الإمارات، وانتظرنا الرد على الأسئلة لكن تحت حجة وأعذار مختلفة لم يصلنا الرد حتى اليوم". 

وتابع المعمري: "بعد أن وجهنا للحكومة الأسئلة بشأن سقطرى، بدأت المفاوضات حول اتفاق الرياض، ووعدونا بالرد على الأسئلة بمجرد تشكيل الحكومة، ولكن مع ذلك تم تشكيل الحكومة، ولم يتم الرد والإجابة على أسئلتنا حول هذا الأمر حتى اليوم، ولم نتلق أي إجابة حول أسئلتنا بشأن سقطرى حتى اللحظة". 

وفيما إذا كانت الحكومة ستتجاهل ما تقدم به سابقًا بشأن توضيح ما يحصل في جزيرة ميون، أكد المعمري، أن رئيس البرلمان سلطان البركاني وعد بأنه سيقدم رسميًا السؤال للحكومة، وأنها ستقوم بعمل رد رسمي حيال هذا الأمر في غضون اليومين القادمين".
 


تفاهمات اقليمية ودولية

بدوره أكد الباحث والمحلل العسكري اليمني الدكتور علي الذهب، "أن ما يقوم به الإماراتيون في جزيرة ميون، يندرج في إطار تدخلهم ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وإن كانت الإمارات قد أعلنت خروجها مطلع العام 2020، ولكن يظل التواجد الإماراتي قائما على عدد من الأهداف الغير معلنة للتحالف".

وأشار الدكتور الذهب في تصريح لقناة يمن شباب"، في برنامج المساء اليمني، أمس الأربعاء، "إلى أن الأهداف الغير معلنة للإمارات، أفرزت خلال ست سنوات، مجموعة من الوكلاء الإقليميين أو المحليين لهذه القوى، سواء كانت هذه القوى عربية أو غير عربية، وهي تسيطر على الساحل اليمني الممتد من سقطرى ممرورا بالمهرة وصولا إلى الحدود السعودية في البحر الأحمر".

ويعتقد الذهب أن "ما يقوم به التحالف إجمالا هو تحت غطاء ومساعدة الوكلاء المحليين؛ الذين أنشأتهم السعودية والإمارات خلال ست سنوات، والذين يسيطرون على هذه المناطق بما فيها جزيرة ميون". 

وقال: "بعيد عن انتهاك الإمارات للسيادة اليمنية، وأن ما تقوم به دون علم الحكومة؛ نحن ننظر إلى أن ما تقوم به الإمارات هو في إطار صراع قوى دولية وإقليمية تتصارع في المنطقة، بينها السعودية وإيران وتركيا وإثيوبيا ومصر،  فضلا عن القوى الكبرى المؤثرة، ومنها أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين".


محددات جيوسياسية

وأكد المحلل العسكري الدكتور علي الذهب، أن "وجود هذه القوات في نقطة اختناق حسّاسة تعنى بحفظ الأمن البحري أو التجارة الدولية أو التدفق النفطي، هو في كل الأحوال يحمل بُعدين، الأول أمني، والثاني تهديدي".

وأشار الذهب إلى أن "المنطقة برمتها وتحديدًا خليج عدن، ومضيق باب المندب، باتت معسكرا لعدد من الدول الأجنبية، جيبوتي باتت معسكرا للإيجار أكثر من 12 دولة تقيم قواعد عسكرية في هذه الدولة، والسعودية على سبيل المثال أخر دولة تنشئ قاعدة في جيبوتي".

واستبعد الذهب، "بناء الإمارات لقاعدة لها في جزيرة ميون بمعزل عن السعودية، والتي تحاول أن تعزز من نفوذها العسكري والسياسي في المنطقة، كما أنها لم تذهب لبناء هذه القاعدة بمعزل كذلك عن القوى الدولية، فهناك تفاهمات ولكننا لا ندركها".
 
وأوضح أن "هناك قضايا كبيرة، مثل جسر النور الذي كان يراد به أن يربط ين أفريقيا وأسيا، وهناك مشروع نيوم السعودي، وهناك مشروع طريق الحرير الصيني، أيضا الصراع العربي الإسرائيلي، وهذه كلها محددات جيوسياسية، تحمل معالم عسكرية وأمنية واقتصادية، تظهر في الواجهة بعض الفاعلين الاقليميين والدوليين، ويختفي وراءها عدد من القوى الأخرى".

وجدد التأكيد أن "هذا التواجد العسكري قد يحمل بُعدين، التهديد، وقد يحقق الأمن للأطراف التي تسيطر عليه، فالأمن والتهديد هما قطبين مترابطين؛ لأن القاعدة العسكرية بمفهومها الواقعي هي أداة قسرية؛ لتحقيق أهدافها السياسية لأي من الدول التي تمتلكها في هذه المنطق".

وأشار الذهب إلى أن وجود "مثل هذه القواعد قد تذهب بالمنطقة إلى حرب، لا سيما أن هذه المنطقة غارقة بالقواعد العسكرية، أو تقودها إلى سلام؛ لأنه لا يمكن أن يأتي السلام إلا بعد نشوب صراع عنيف ومسلح، وهكذا دارت الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحروب القطبية بين عدة دول".


- فيديو :


مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر