قدم حوافز للحوثيين وابتعد عن التحالف.. "بايدن في اليمن" عندما يجلب "إنهاء الحرب" المزيد من الحروب (ترجمة خاصة)

قال معهد إيطالي "إن القرارات التي اتخذتها إدارة بايدن لإنهاء الحرب في اليمن، أسفرت عن تأثير معاكس، حيث تصعيد عسكري غير مسبوق، وضحايا أكثر، وأزمة إنسانية متفاقمة، وتثير هذه البداية الفاشلة مخاطر على "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".
 
 
وأضاف المعهد الايطالي للدراسات السياسية الدولية «ISPI» في تقرير - ترجمة "يمن شباب نت" -، إذا كانت الولايات المتحدة جادة في إنهاء الحرب، فعليها أن تغير تكتيكاتها على الفور، اتباع سياسات قائمة على الأدلة مستنيرة بالديناميكيات على الأرض، وتوازن ضغطها على جميع الأطراف المتحاربة وخاصة الحوثيين الأكثر تمنعا لقبول وقف إطلاق النار.
 

ولفت التقرير "أن السياسة الناجحة هي تلك التي تسعى جاهدة لتحقيق سلام دائم في اليمن، سيحدث ذلك عندما تركز الولايات المتحدة على البعد المحلي، مع إعطاء الأولوية للمصالح القومية اليمنية".

 
وتركزت السياسة الخارجية للإدارة الجديدة في الشرق الأوسط حول اليمن منذ البداية، وأعلنت في أوائل فبراير/ شباط نهاية الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية للتحالف الذي تقوده السعودية وعن مبعوث أمريكي جديد إلى اليمن وشطب جماعة الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
 

وكانت هذه الخطوات تهدف إلى تعزيز فرص الحل الدبلوماسي، ومع ذلك، فهي لا تعكس قراءة متأنية لديناميكيات الحرب سريعة التغير، وبدلاً من ذلك منعت هذه الخطوات الولايات المتحدة من التأثير على مليشيا الحوثي المدعومة من إيران.

 
تبتعد الولايات المتحدة تدريجياً عن التحالف بينما تقدم عن غير قصد حوافز للحوثيين، هكذا يرى العديد من قادة الحوثيين الخطوات الأمريكية أنها تشجعهم على توسيع نطاق عملهم العسكري، في النهاية كانت القرارات الأمريكية الأخيرة بمثابة دعوة لتوسيع الحرب التي دخلت مؤخرًا عامها السابع.
 

وبعد ثلاثة أيام فقط من خطاب بايدن حول السياسة الخارجية، استأنف الحوثيون أكبر حملاتهم العسكرية ضد مأرب، لا يمكن المبالغة في الأهمية الاستراتيجية لمأرب، فهي آخر معقل شمالي متبقٍ تحت سيطرة القوات الحكومية، وهي أيضًا أكبر تجمع للنازحين داخليًا - مليوني يمني فروا من بطش الحوثيين.
 

ونظرًا للمخاطر الكبيرة لكلا الجانبين، تعد هذه واحدة من أعنف المعارك منذ بداية الحرب، حيث قاتلت قوات الحكومة اليمنية بمساعدة القبائل ضد هذا الهجوم، كما فعل التحالف الذي تقوده السعودية بزيادة قياسية في الصواريخ الجوية بعد أن كانت شبه معلقة، وأدت هذه المواجهات إلى مزيد من المعاناة لليمنيين: إذ فقد المئات حياتهم على الجانبين، ونزحت آلاف العائلات، في حين واجه العديد من النازحين احتمال النزوح المزدوج.
 

قرارات إدارة بايدن لم تشجع التحرك في مأرب فقط فقد شهدت تعز، وهي مدينة رئيسية أخرى في وسط اليمن، اشتباكات مسلحة بعد توقف استمر ثلاث سنوات في المواجهات العسكرية - لا شك في وجود عوامل محلية - لكن القرارات الأمريكية قصيرة النظر لعبت دورًا بارزًا في إعادة إشعال الحرب في تعز مع آثار مدمرة، بما في ذلك فقدان المدنيين وتجنيد المزيد من اليمنيين في دوامة حرب لا نهاية لها.
 

ومما زاد الطين بلة، أن التصعيد العسكري الأخير قد أثر سلبًا على وتيرة المفاوضات حول كارثة بيئية وشيكة - ناقلة النفط صافر الراسية قبالة سواحل الحديدة -، حيث وبعد عدة تأخيرات ومفاوضات مطولة مع الحوثيين، تمكنت الأمم المتحدة في نوفمبر الماضي من التوصل إلى اتفاق يسمح لوحدات الصيانة بدخول الناقلة وتقييم حالتها، كان من المفترض أن يتم ذلك في وقت سابق من هذا الشهر، ومع ذلك وبفضل "انتصاراتهم المفترضة"، أرجأ الحوثيون الأمر مرة أخرى.
 
 
قرأ الحوثيون تغيير سياسات الولايات المتحدة بما يصب في صالحهم. إذ لم تؤثر هذه القراءة سلبًا على اليمن وحده: بل أثرت أيضًا على الديناميكيات الإقليمية، حيث كثف الحوثيون طائراتهم المسيرة والصواريخ الباليستية ضد السعودية الشهر الماضي.
 

ومن بين أكثر من 500 هجوم شنت ضد المملكة العربية السعودية منذ بداية الحرب، شن الحوثيون العشرات منذ أن أصبح بايدن رئيسًا، ولم تسلم أي مدينة بدءاً من جازان ونجران وأبها وجدة والرياض، والأكثر إثارة للقلق هو الهجمات الأخيرة على مصافي النفط في مدينتي رأس تنورة والرياض شرق البلاد، حيث أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجمات، رغم أن السلطات السعودية صرحت بأن هجوم رأس تنورة جاء من البحر، في إشارة إضافية إلى إيران. 
 

إذا كان هذا التقييم صحيحًا، فإنه يتطابق مع تقرير الأمم المتحدة الصادر بعد هجوم سبتمبر 2019 على منشأة أرامكو النفطية في بقيق – خريص، ويشير هذا أيضًا إلى أن حرب اليمن أصبحت بشكل متزايد قطعة داخل أحجية إقليمية أكبر.
 

ومن المفارقات أن السياسات الأمريكية الأخيرة قد عطلت الجهود الدبلوماسية لواشنطن وأدت إلى مزيد من الحرب والمأزق في اليمن، وتفتقر إدارة بايدن إلى روافع حقيقية ضد الحوثيين، لا يعتبر الحوثيون الولايات المتحدة جهة فاعلة محايدة فهم على العكس تماما، ينظرون إليها على أنها عدو، وكقائد الحملة العسكرية "الأمريكية_ السعودية" ضدهم، وبصفتهم طرفا فاعلا غير حكومي، ليس لدى الحوثيين اهتمام بإنهاء الحرب لأنهم يبنون تقدمهم على تغيير الوضع الراهن عبر العنف.
 
 
لن تؤدي العقوبات أو إنهاء الدعم للتحالف الذي تقوده السعودية إلى كسر عزم الحوثيين أو إنهاء الحرب، وبدلاً من معاقبة قادة الحوثيين من الدرجة الثانية، فإن أفضل خدمة يمكن للولايات المتحدة تقديمها هي إعادة تقييم استراتيجيتها في اليمن، إذ يتعين على إدارة بايدن تجنب الوقوع في فخ البيانات الدبلوماسية غير المصحوبة بأفعال مفيدة، فقد بقي المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث يفعل ذلك منذ عام 2018 دون جدوى، وبدلاً من ذلك، قد تتبني الولايات المتحدة استراتيجيتها الجديدة على محورين عريضين:-
 


المحور الأول، السلام مستحيل دون خلق بيئة مواتية على الأرض. ولن يتأتى هذا في الوقت الذي يرى فيه الحوثيون الإجراءات الأمريكية الأخيرة على أنها مزيد من التمكين لهم لهزيمة خصومهم، حيث يعد حماية مأرب آخر معقل للحكومة المعترف بها دوليًا هي بداية أساسية لذلك.
 
ولن يؤدي هذا فقط إلى خلق قناعة لدى الحوثيين بأن الحل العسكري غير فعال يقودهم إلى المفاوضات فحسب، لكنه سيمنع أيضًا حدوث أزمة إنسانية ضخمة، حيث سيؤدي انتصار الحوثيين في مأرب إلى تضخيم قوتهم المتناسبة في الديناميكيات الداخلية لليمن، مما يجعل السلام بعيد المنال.
 
المحور الثاني، الذي تشتد الحاجة إليه هو فصل اليمن عن الملفات الإقليمية التي غرق فيها. حيث مكنت كل من إدارة أوباما وإدارة ترامب التدخل السعودي في اليمن، بينما تقوم إدارة بايدن الآن بنقل هذا الدور إلى إيران من خلال منح الحوثيين حرية الحكم وربط اليمن بمفاوضاتها مع إيران، وعلى الرغم من المشاركة القوية للجهات الفاعلة الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران، فإن تبني طريق محلي سيساعد في تغيير الجغرافيا السياسية في اليمن ووضع نهاية جادة للحرب. 
 
إن تدويل الصراع يطيل أمده إلى ما لا نهاية، هذا هو السبب في أن عروض وقف إطلاق النار المتكررة التي تتمحور حول الجهات الفاعلة الإقليمية تولد ميتة، ولضمان نهاية دائمة للصراع يجب أن يكون هناك تحول في الاتجاه، يُمكّن البدء "من الداخل إلى الخارج" الجهات الفاعلة المحلية، التي يمكنها بعد ذلك بدء التسويات مع الجهات الفاعلة الإقليمية، بدلاً من الشروع في قرار "من الخارج إلى الداخل" يمنح الأولوية للجهات الفاعلة الإقليمية على حساب الأصوات المحلية.
 
يجب إرسال رسالة واضحة إلى جميع الأطراف حول خارطة الطريق الأمريكية للسلام في اليمن، وقبل ذلك تحتاج واشنطن إلى صياغة مثل هذه الخطة، وحتى الآن أدت سياسة بايدن الحالية في اليمن إلى مضاعفة الحرب، دون أن تلوح لها ايما نهاية في الأفق، إنها ليست سياسة سلام.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر