استعرضت شبكة «CNN» الأمريكية في تقرير ميداني مطول أعده وفدها الصحفي الذي زار مدينة "مأرب"، الوضع في العسكري والإنساني والتنموي في المحافظة التي تشهد قتال منذ أشهر في عدد من الجبهات في محيطها، "يمن شباب نت" ترجمت نص وتعيد نشره.
 

لدى مأرب اليوم ذلك الشعور البائس لمكان ينتظر مصيره، بينما تتمسك بصمودها وتفاؤلها العنيد، حيث أصبحت واحة الصحراء الأسطورية، والتي تشتهر بأنها موطن لملكة سبأ، حارة وجافة ومغبرة اليوم، يقترب موسم الأمطار مع هجوم الحوثيين المتوقع بدعم من إيران.

 
تصطف الأكياس البلاستيكية الفارغة وزجاجات المياه المكسورة التي تتخللها أشجار مزروعة حديثًا على شكل قلوب على خط خيالي مصنوع حديثًا، تتدلى ملصقات باهتة للرئيس عبد ربه منصور هادي جنبًا إلى جنب مع صور أحدث بكثير لبطل حرب المدينة الأخير الذي تحول إلى هدف حوثي، قائد القوات الخاصة اليمنية، الذي قُتل أواخر فبراير كما قُتل بديله هذا الأسبوع.
 

تمثل المشاهد صورة مستعارة لمأرب في اليمن، إنها جزيرة أمل صغيرة في بحر من الأحلام المهملة، فبعد ست سنوات من الحرب، برزت المدينة التي يزيد عدد سكانها عن مليوني نسمة على أنها مدينة فاصلة في مستقبل اليمن، إنها بوابة لكثير من ثروة البلاد من النفط والغاز، وموطن لعدد متزايد من النازحين داخليًا، كما أنها آخر معقل رئيسي للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في الشمال.
 

إذا خسرت حكومة هادي مأرب، فلن يكون لها وداعميها السعوديين نفوذ كبير في محادثات السلام النهائية مع المتمردين الحوثيين، وستفقد المصداقية العسكرية، ومن المرجح أن يشجع ذلك الحوثيين على مواصلة القتال.
 

يسيطر الحوثيون على كل شيء تقريباً غرب مأرب بما في ذلك العاصمة اليمنية صنعاء، وللقبائل نفوذ متغير شرقا وفي الجبال جنوب مأرب مباشرة، بينما يهيمن المجلس الانتقالي الجنوبي، سلطة الأمر الواقع الكبيرة الأخرى في البلاد، في أقصى الجنوب خاصة حول مدينة عدن الساحلية التي يحتمل أن تشكل مكسبا له، وقد أشار بالفعل إلى أنه لن يكون مستعدا للشراكة مع هادي الضعيف.
 

الرئيس هادي المعترف بحكومته دولية، في المنفى القسري منذ أن طرده الحوثيون في عام 2015، وبينما يقيم بعض وزرائه في اليمن، لا يزال هادي متواريا في الرياض، بكاهل مثقل بالعجز في الغالب أمام داعميه، قيمته تقتصر على انتخابه (بدون معارضة)، وهالة الديمقراطية التي تضفي على حكومته.
 

ومع استمرار الحروب بالوكالة، فإن اليمن أكثر تعقيدًا من معظمها، مع وجود العديد من المصالح، حيث السعودية تريد الاستقرار وحكومة صديقة لها في صنعاء.
 
لدى إيران فرصة من خلال وكلائها الحوثيين لإبقاء خصمها المملكة العربية السعودية غارقًا في المستنقع وبعيدًا عن مغامرات إقليمية أخرى أكثر محورية بالنسبة لمصالحها، وتستفيد الإمارات التي تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي، من تأثير الحرب المعرقل على ميناء عدن لأنها كفيلة بنقل الأعمال الملاحية المحتملة هناك إلى دبي، وستجمع الأموال الفائضة وتدعم مصدرها، بالطريقة التي أدار بها آخر رجل قوي في اليمن، علي عبد الله صالح البلاد من خلال السخاء الخاضع للسيطرة بعناية.
 

بينما تدعي الإمارات والسعودية وحدة الهدف، فإن معظم اليمنيين لا ينطلي عليهم ذلك، فبين دولتي الخليج العربي وحلفائهما الغربيين وإيران، يشعر معظم اليمنيين بأنهم ضحية لقوى خارجية خارجة عن إرادتهم.
 

تم إلقاء اللوم على التحالف الذي تقوده السعودية على وجه التحديد في مقتل 18500 مدني على الأقل في حملته الجوية لدعم الجيش اليمني، وفقًا للأمم المتحدة.
 

وفي الأشهر الأخيرة، منعت السفن الحربية السعودية ناقلات النفط من الرسو في ميناء الحديدة، مما أدى إلى تفاقم نقص الوقود في الشمال وفاقم أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ومع ذلك، يستمر النفط والإمدادات الأخرى في الوصول عبر طرق أخرى، بما في ذلك عبر الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية.
 

وفي الوقت نفسه، يلقي الكثيرون باللائمة على الحوثيين عن جر اليمن إلى أزمة من خلال الاستيلاء على مساحات شاسعة من البلاد في عام 2014، ويشعر الكثيرون بالقلق من أن الإمارات لديها مصلحة راسخة في عدم الاستقرار في اليمن.
 
 
الازدهار في متناول اليد

ما هو واضح في مأرب هو أنه بدون الحرب والقيادة غير المنظمة، يمكن أن يكون الازدهار في متناول اليد، تقع المنطقة فوق احتياطيات وافرة من النفط والغاز، وهو ما يكفي لإخراج 16.2 مليون شخص (حوالي نصف السكان) من انعدام الأمن الغذائي الذي يعانون منه حاليًا، وبث الحياة في الاقتصاد المحتضر.
 

كما قال أحد الوزراء لشبكة CNN: "اليمن ألماسة في أيدي تجار الفحم"، إذا كان يقصد طبقته السياسية فهو فقط لم يفصح عن ذلك.
 

لكن الناس هنا يقولون إن اللوم لا يكمن فقط محليًا، ويشيرون إلى القرار الأخير الذي اتخذه الرئيس الأمريكي جو بايدن بإنهاء الدعم الأمريكي للحملة العسكرية السعودية ضد المتمردين الحوثيين، وتعكس هذه الخطوة قرارًا اتخذه دونالد ترامب في الأيام الأخيرة من إدارته والذي أثار رد فعل عنيف من السياسيين من الحزبين والمنظمات الإنسانية.
 

في اجتماعات مع الحكومة وزعماء القبائل الأسبوع الماضي، كان إلغاء بايدن الأخير لتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية هو نقطة الحوار الرئيسية، يشعر الجميع أن دبلوماسية بايدن شجعت الحوثيين، مما أدى إلى تصعيد الهجمات على مأرب، فالمدينة هي جوهرة مرغوبة منذ فترة طويلة في قائمة  "فتوحات" الجماعة على مستوى البلاد.
 
 
يحاول المسؤولون اليمنيون معرفة ما إذا كان بايدن بعيدًا عن العمق، أو ربما أخطأ في تقدير الحوثيين، أو ما إذا كانت سياسته في اليمن مجرد نتيجة ثانوية لسياسته لإغراء إيران بالعودة إلى الامتثال للاتفاق النووي، أو خطة العمل الشاملة المشتركة.
 

تعتقد الحكومة اليمنية أنه من خلال التراجع عن الضغط على الحوثيين، يمكن أن يلقي الرئيس بايدن بعظمة على رعاتهم المفترضين في طهران، في كلتا الحالتين يخشى الناس هنا أنه يؤجل المشاكل للمستقبل.
 

وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني عرض مقطع فيديو لرجل يقول إنه مقاتل حوثي مصاب، تم أسره خلال هجوم وقع مؤخرًا، سأله آسروه عن سبب قدومه إلى مأرب، وجوابه: "لقتل الأمريكيين".
 

ألا يفهم بايدن، كما قال عدة وزراء، أن الحوثيين مثل الحكومة الإيرانية، يقولون لمؤيديهم أن "أمريكا هي الشيطان"؟  وهم يجادلون بأن الحوثيين المتمكنين يمكن أن يخلقوا جيلًا من العداء لأمريكا وإمكانية للإرهاب في مكان لم يكن هذا موجودًا من قبل.
 

عن طريق التخطيط أو افتراضيًا، يكون بايدن قد خلق محورًا جديدًا في حرب اليمن هنا في مأرب ونفوذ الحوثيين المتجدد للسيطرة على المدينة يجبر جميع الأطراف على مواجهة أسئلة كامنة.
 

عرض الداعمين الرئيسيين للحكومة اليمنية (السعودية)، على الحوثيين مؤخرًا وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وما دعوتهم إلى مزيد من الضغط الدولي على المتمردين، إلا دلالة مهمة على أن الأرضية الدبلوماسية في اليمن آخذة في التحول.
 

لكن استجابة الحوثيين كانت غامضة في أحسن الأحوال، ومخادعة في أسوأ الأحوال، يتهمهم المسؤولون الأمريكيون باختيار القتال بدلاً من المساعدة في إحلال السلام، على الرغم من أن السعوديين صعدوا أيضًا من الضربات الجوية في الأسابيع التي سبقت عرض وقف إطلاق النار، وفي ذلك الوقت كان الحوثيون يتقدمون بسرعة باتجاه مأرب، وكانت السعودية تحاول إيقاف الجماعة المتمردة عن مسارها.
 

ترافق هدوء طفيف للحوثيين في الهجمات في الأسابيع الأخيرة، على كل من المملكة العربية السعودية ومأرب، مع القليل من دبلوماسية القناة الخلفية مع المسؤولين اليمنيين، لكن الحكومة اليمنية ما زالت تعتقد أن الحوثيين يراوغون، يبدو أن المتمردين الحوثيين عازمون على التحدث بينما يحاولون في نفس الوقت استكمال المكاسب العسكرية على الأرض قبل أن يتشكل أي اتفاق سلام نهائي.
 

وبحسب مصادر مطلعة على المحادثات، فإن الحوثيين يطالبون السعوديين بوقف إطلاق النار من ثلاث خطوات. أولاً، وقف الضربات الجوية، ثم وقف إطلاق النار على طول الحدود السعودية اليمنية، وبعد ذلك فقط وقف إطلاق النار داخل اليمن.
 

ونظرًا لأن الضربات الجوية السعودية هي إحدى الإجراءات المضادة الوحيدة التي تعرقل جهود الحوثيين في مأرب، فإن العرض المقابل للمتمردين لم يكن بداية حتى الآن.
 
 
جبهات هشة

على طول الخطوط الأمامية الهشة بالقرب من مأرب، تنتشر القوات الحكومية بشكل ضئيل للغاية، وساتر ترابي منخفض وغير مكتمل هو كل ما يفصلهم عن الحوثيين في مرأى من الجميع عبر الأراضي الوعرة شبه المسطحة على بعد أقل من نصف ميل.
 

البنادق والمدرعات قديمة، والذخيرة محدودة، والمعسكرات المتقطعة صغيرة وبدائية، حيث يعيش الجنود تحت الأشجار، في الكهوف الطينية والخيام الممزقة.
 

مقاتلو القبائل يعوضون النقص في صفوف القوات الحكومية، يقوم الجيش بعمل توعية متكررة لإبقاء دفع رواتب الجنود والحفاظ على معنوياتهم.
 

وشهدت زيارة خط المواجهة الأخيرة تبادل إطلاق النيران الثقيلة، حيث كان القادة قلقين بشكل واضح من طائرات الحوثي بدون طيار القادرة على تحديد مواقعهم والتصعيد لهجوم خاطف.
 

هناك سبب وجيه للقلق، حيث فقدت القوات الخاصة في مأرب قائدها مرتين خلال الشهرين الماضيين، وبينما ينتقي الحوثيون من يلاحقونهم، فإن معدل نجاحهم أثار قلق المسؤولين أكثر مما كانوا عليه قبل بضع سنوات.
 

وزير دفاع الحكومة ورئيس أركان الجيش وأقوى زعيم قبلي في مأرب، محافظ المحافظة، أقسموا أن المدينة لن تسقط، وأنهم سيحتفظون بها "حتى آخر قطرة من دمائهم".
 

عندما اسأل أيًا من مسؤولي السلطة في مأرب عما سيحدث بعد ذلك، حيث توقفوا قبل الإجابة، ثم وصفوا الوضع الراهن.
 

اضافة لحث المجتمع الدولي على الضغط على الحوثيين، كما يوضح رئيس أركان الجيش، يقول "سنقاتل مع شركائنا في التحالف لاستعادة العاصمة".
 

المقاتلون القبليون بقيادة المحافظ القوي سلطان العرادة مهمون في دعم خط المواجهة الهش، حيث يتمتع داخل المدينة بسلطة أكبر من سلطة الحكومة.
 

يقول إن الحرب فُرضت عليهم، وقال "الحرب تأخذ دماءنا رجالا ونساء وأطفالا ومؤسسات وموارد"، "إنها تضعف اقتصادنا وسيادتنا، لكننا ابتلينا بجماعة إرهابية فرضت نفسها علينا واختطفت مؤسسات هذا البلد".
 

رافعة دولية

واحة خاصة من الهدوء في مأرب هي عيادة العيون التي تديرها الدكتورة سحر المسمري، لقد تدربت في اليمن وسوريا قبل بدء الحرب في ذلك البلد، كما أوضحت على عجل وهي تقود فريق شبكة CNN في جولة في المنشأة الصغيرة ولكنها منتجة.
 

تأتي الأموال من صندوق الملك سلمان الإنساني السعودي، لكن نجاح العيادة - عالجت 42000 مريض منذ افتتاحها في أكتوبر 2019، بما في ذلك 2400 عملية جراحية، وأحيانًا ما يصل إلى 20 عملية جراحية يوميًا - وفقًا للدكتورة المسمري، يأتي هذا نتيجة تفاني الموظفين اليمنيين الذين يعودون إلى منازلهم كل يوم على مخاطر قصف الحوثيين.

 
إنهم يغيرون الحياة من خلال الذهاب إلى إعتام عدسة العين في نفس اليوم وجراحات العيون الأخرى، فضلاً عن توفير نظارات قراءة مجانية لمن يحتاجها، بما في ذلك أطفال المدارس.
 

 يوحي عالم "المسمري" الصغير بغد وردي يمكن أن يعيش فيه اليمنيون، إذا أتيحت لهم الفرصة.
 

 ثم هناك مستقبل آخر أقل احتمالية، "إخلاص" طالبة في السنة الثانية للغة الإنجليزية في جامعة ملكة سبأ في مأرب.
 

 حلمها أن تصبح مترجمة، "والدها علي"، الذي أنقذها وإخوتها من هجمات الحوثيين في صنعاء عام 2015، أخذهم من العاصمة، حيث كان أستاذاً جامعياً، ولم يتخيل قط أنه بعد ست سنوات، سيظل يحميهم من الحرب.

إنه متحمس لنجاح ابنته ولكنه قلق بشأن نوعية الحياة التي يمكن أن تعيشها.
 

قد يؤدي تصاعد القتال إلى إغلاق الدراسة، وربما يجبر عائلتها على الفرار مرة أخرى، أما بالنسبة للترجمة في اليمن، فالفرص ضئيلة، لقد غادرت الشركات الغربية في الغالب منذ زمن بعيد، وحتى وكالات الإغاثة تراجعت إلى الحد الأدنى من العمل.
 

أما "نادية يحيى" قد اتخذت قرارها وتقبلت وضعها بالفعل، تعيش حياة الخوف، حيث تربي طفلين، ابنتها سما (5سنوات)، وابنها همام (عاميين)، مع مولود ثالث متوقع في أي يوم. تعيش في مخيم الجفينة المتداعي للنازحين، وهو أكبر مخيم في مأرب.
 

ومع ذلك، وفقًا لمعايير العديد من النازحين اليمنيين في زمن الحرب البالغ عددهم 4 ملايين، فإن "نادية يحيى" في وضع جيد، فالجفينة هي موطن لحوالي 24000 عائلة وهي أطول مخيم في مأرب، ويعيش النازحون في مخيم السويداء القريب في خيام تهزها الرياح وتحترق في شمس الصحراء.
 

لدى نادية غرفة واحدة صغيرة، يتدلى تلفزيون رخيص بشكل غير متوازن على الجدار الملصق الخشن، يوفر الكابل الكهربائي العاري الذي يمتد بين إطار النافذة والجدار الطاقة، ولا توجد مياه جارية، إنه سكن بدائي في أقصى الحدود.
 

فر زوجها من العاصمة عندما بدأت الحرب، كان خجولًا لمدة عام من الحصول على درجة في تكنولوجيا المعلومات، لحقت به بعد ثلاث سنوات، تقول إنه يأخذ الآن أي عمل يمكنه الحصول عليه.
 

وتضيف أن تصاعد الهجمات الصاروخية للحوثيين يثير قلقهم، وأطفالها الذين لم يعرفوا سوى الحرب يخافون عندما يسمعون الانفجارات، وتضيف أنه إذا وصل القتال إلى مأرب، فسيتعين عليهم المغادرة.


يعتمد أي من الصفقات المستقبلية المحتملة لليمن على حقيقة واقعة إلى حد كبير على حسابات بايدن لدفع البلاد نحو السلام، يبدو أن الضغط على السعودية والضغط على حكومة هادي والتخفيف عن الحوثيين هو منهجه الحالي.
 

قد تثبت مأرب حتى الآن كونها الرافعة الدولية التي تؤدي في النهاية إلى حل وسط، ولكن في الوقت الحالي، يمكن أن يحدث أي شيء.