نيويورك تايمز: المجاعة تطارد اليمن مع استمرار الحرب وتراجع المساعدات الخارجية (ترجمة)

[ طفل يبلغ من العمر 4 سنوات يعاني من سوء التغذية في مخيم للنازحين بمحافظة حجة (Getty Images) ]

للمرة الثانية خلال ثلاث سنوات، يخيم خطر المجاعة على نطاق واسع على الدولة التي مزقتها الحرب، حيث يتشرد الملايين ويكافحون يوميًا للعثور على الطعام.

 
كان التحدي الأول الذي واجهته الأم عندما أصيب ابنها البالغ من العمر 8 أشهر بحمى وإسهال وقيء هو الانتقال من قريتهم الفقيرة المعزولة في شمال اليمن صوب أقرب عيادة.

 
بعد ثلاثة أيام من عدم العثور على وسيلة نقل، انطلقت سيرًا على الأقدام، حاملة طفلها المريض لمدة ساعتين للوصول إلى المسعفين الذين تعرفوا على الفور على حالة أخرى لأزمة سوء التغذية الحاد المتصاعدة في اليمن.
 

حتى بعد أسبوع من العلاج بتركيبة غنية، كان الصبي "شرف" يرقد بلا حراك على سرير المستشفى، وعظامه بارزة من خلال جلد أطرافه النحيلة، ولدى سؤالها عما إذا كان لدى أسرتها ما يكفي من الطعام، أجابت والدته إيمان مرشد: "أحيانًا يكون لدينا ما يكفي، وأحيانًا لا نحصل عليه".

 
بعد ست سنوات من الحرب التي أودت بحياة مئات الآلاف من الناس، ودمرت البلاد وأضرت بمعظم بنيتها التحتية، يواجه اليمن معدلات جوع متزايدة أوجدت جيوب مجاعة تحذر منظمات الإغاثة من احتمال تفاقمها، مما ترك المزيد من اليمنيين الذين يعانون من سوء التغذية عرضة للمرض والمجاعة.

 


أدت الحرب إلى نقص مزمن في الغذاء في ما كان بالفعل أفقر دولة في العالم العربي، لم يتم تفادي مجاعة واسعة النطاق في عام 2018 إلا من خلال تدفق كبير للمساعدات الخارجية، لكن التهديد أصبح أكبر هذه المرة، كما تقول منظمات الإغاثة، حيث مع استمرار الحرب، تزداد الأسر فقراً، كما جعلت جائحة فيروس كورونا الدول المانحة أكثر تركيزاً على شعوبها.

 



وقال ديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي في مقابلة بعد عودته مؤخرًا من اليمن، "المجاعة في مسار يزداد سوءًا، وأكبر مشكلتنا حاليا هي نقص الأموال – والحرب، إذ أن ست سنوات من الحرب دمرت الناس تماما من جميع النواحي".

 
ما يقرب من نصف سكان اليمن، 13.5 مليون شخص، يكافحون من أجل الحصول على ما يكفي من الغذاء، وفقا للأمم المتحدة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم بنحو ثلاثة ملايين بحلول نهاية يونيو، حيث يرجع ذلك إلى حد كبير إلى نقص التمويل الذي قلل من عدد الأشخاص الذين يمكن لوكالات الإغاثة إطعامهم.


وتقول الأمم المتحدة إن 3.6 مليون يمني يمرون بالفعل بمرحلة "الطوارئ" من نقص الغذاء، وأن 16500 منهم وصلوا إلى "كارثة"، وتقدر أن 400 ألف طفل معرضون لخطر الموت جوعا.
 

وأضاف بيسلي: "إذا لم نجعلهم يحصلون على حصصهم الكاملة قريبًا، فأنا لا أتصور أننا لن نشهد مجاعة واسعة النطاق".
 

ويشهد اليمن حالة من الانحدار منذ عام 2014، عندما استولى المتمردون المتحالفون مع إيران والمعروفون باسم الحوثيين على شمال غرب البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء، مجبرين الحكومة على الفرار إلى الخارج.

 

في عام 2015، بدأ تحالف من الدول العربية بقيادة السعودية وبدعم من الولايات المتحدة حملة قصف تهدف إلى طرد الحوثيين، لكن الحرب وصلت إلى طريق مسدود، مع وجود سلطات متنافسة في الشمال والجنوب، وكثيرا ما تقتل الهجمات المدنيين.

 
وأفادت منظمات الإغاثة أن الضربات الجوية للتحالف، التي غالبًا ما تستخدم الذخائر الأمريكية، كانت السبب المباشر الرئيسي لسقوط ضحايا مدنيين، مما أسفر عن مقتل آلاف الأشخاص. في عام 2019، صوت الكونجرس لإنهاء الدعم الأمريكي للحملة التي تقودها السعودية، لكن الرئيس دونالد ترامب اعترض على الإجراء.

 
في غضون أيام من توليه منصبه، جمد الرئيس بايدن بعض مبيعات الأسلحة للتحالف وأوقف الدعم الاستخباراتي واللوجستي له، عين مبعوثًا رفيع المستوى للضغط من أجل محادثات السلام، وأعلنت المملكة العربية السعودية عن خطة سلام جديدة، لكن هذه الجهود لم تحرز تقدمًا ملموسًا بعد.
 

يقول الخبراء إن أزمة الجوع المتزايدة تنبع من الانهيار الأوسع للاقتصاد اليمني خلال الحرب، إذ تقدر الأمم المتحدة أن الحرب أودت بحياة أكثر من 200 ألف شخص، معظمهم جراء أسباب غير مباشرة مثل الجوع والمرض.



 

وأدى انهيار البلاد إلى نزوح ملايين الأشخاص وفصلهم عن سبل عيشهم وتركهم يعتمدون على المساعدات. حتى الأشخاص الذين لا يزالون في وظائفهم تُركوا معدمين، كافحت الحكومات المتنافسة في الشمال والجنوب لدفع الرواتب، وأدى انخفاض قيمة العملة اليمنية إلى جعل المنتجات المستوردة باهظة الثمن في بلد يستورد كل غذاءه تقريبًا.

 
وأدى التباطؤ الاقتصادي في دول الخليج الغنية إلى قطع التحويلات المالية التي يرسلها المغتربون اليمنيون إلى بلادهم وهو شريان حياة اقتصادي للعديد من العائلات، كذلك أدى الحصار الجوي والبحري الذي فرضه التحالف بقيادة السعودية على الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون إلى تقييد واردات السلع الحيوية مثل الوقود.
 

وتحذر منظمات إغاثة من أن انتشار الجوع يساهم في مشاكل صحية ليس اليمن مؤهلا للتعامل معها، خاصة بين صفوف الأطفال، وبأن المزيد من الناس قد ينتهي بهم الأمر إلى الموت بسبب الأمراض التي تفاقمت بسبب الجوع أكثر من الحرب نفسها.
 

وقال بسمارك سوانجين، المتحدث باسم اليونيسف في اليمن: "الحقيقة هي أن الناس ليس لديهم ما يكفي من الطعام ويمكن أن يموتوا لأسباب تتعلق بذلك"، مضيفا بأنه "عندما نقول ظروفًا شبيهة بالمجاعة، فإن أجساد الناس تنهار لأنهم لا يملكون ما يكفي من الطعام".
 

وتصاعدت الأزمة بشدة في العيادات الريفية في المناطق التي دمرتها الحرب.


وتستقبل العيادة التي جلبت اليها السيدة إيمان مرشد ابنها، بمستشفى حرف سفيان الريفي، على بعد حوالي 85 ميلاً شمال صنعاء، ما يصل إلى 40 حالة من حالات سوء التغذية شهرياً.

 
ويوجد في المركز ستة أسرة فقط للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، حيث يعالجونهم بتركيبة غنية ومكملات الفيتامينات التي تقدمها منظمات الإغاثة، لكنهم يفتقرون إلى المضادات الحيوية لعلاج العدوى المصاحبة، وغرف العزل لمنع الأطفال المصابين بالحصبة أو التهابات الجهاز التنفسي من نقلها إلى مرضى آخرين.

 
كما تفتقر العيادة إلى وحدة العناية المركزة للأطفال الذين يصلون إليها في حالة حرجة، حيث لا يعيش الكثير منهم لفترة كافية كي يتمكنوا من الوصول إلى مرافق مجهزة بشكل أفضل.

 
وقال محمد القاضي، أخصائي التغذية، وهو يتصفح صور أطفال بعظام وعيون جوفاء ماتوا في العيادة: "معظم الحالات تموت بسبب نقص وحدة العناية المركزة".
 

وقال عبد الإله عطية، المدير، إن عدد حالات سوء التغذية التي تعالجها العيادة/المستوصف ارتفع بشكل مطرد، لكن خدماتها تعرضت للخطر بسبب تخفيضات التمويل من قبل مجموعات الإغاثة الدولية. فلم تتسلم العيادة شحنة وقود منذ ديسمبر، وانخفضت إلى 60 لترا من وقود الديزل لمولد الكهرباء الذي يشغل حاضنات الأطفال.

 
وقال الدكتور عطية بأنه ما لم يصل مزيد من الوقود، "فالموت يلوح في الأفق". مضيفا "لا يسعنا إلا أن نسأل الله تعالى".
 


واجه اليمن خطر المجاعة في عام 2018، مما دفع إلى تقديم تبرعات كبيرة من دول مثل الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، والتي خصصت أيضًا ملياري دولار لدعم البنك المركزي اليمني.
 

لقد سحبت هذه الإجراءات البلاد من حافة الهاوية، ولكن دون حل مشاكل اليمن الأساسية، في أوائل العام الماضي، عندما كانت الدول المانحة تحول تركيزها إلى حماية سكانها واقتصاداتها من جائحة فيروس كورونا، تراجعت ميزانية المساعدات لليمن مرة أخرى وزاد الجوع.
 

وكان مؤتمر التعهدات الذي عقدته الأمم المتحدة في الأول من مارس/ آذار يهدف إلى جمع 3.85 مليار دولار لمساعدة اليمن على تجنب المجاعة، لكن الدول المشاركة التزمت بأقل من نصف هذا المبلغ، 1.7 مليار دولار، مما أجبر وكالات الأمم المتحدة على تقليص خططها.

 
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن عواقب ذلك بأن "قطع المساعدات هو حكم بالإعدام".

 
فيما قال رأفت الأكحلي، الباحث في كلية بلافاتنيك الحكومية بجامعة أكسفورد الذي يتخصص في اليمن، إن الإحباط من عدم إحراز تقدم نحو إنهاء الحرب، والتساؤلات حول فعالية الأمم المتحدة والمخاوف بشأن تدخل الحوثيين في إيصال المساعدات كل ذلك ساهم في تقليل التبرعات.

 
وقال "إن المساعدات الخارجية يمكن أن تساعد العائلات اليمنية على تجنب الكارثة، لكن فقط إنهاء الحرب يمكن أن يخفف من أزمات اليمن العديدة".

 
وتابع "الحل الحقيقي هو توقف الصراع واستعادة بعض مظاهر الحياة الطبيعية، ولكن بدون ذلك، ما الذي تبقى لديك بخلاف المساعدات القادمة من وكالات الأمم المتحدة أو ضخ النقود؟".
 

في عيادة ريفية أخرى بالقرب من بلدة قفلة عثر، شمال صنعاء أيضًا، أصيبت آمنة حسين، 15 شهرًا، بضعف بسبب الإسهال والقيء المرتبطين بسوء التغذية.

 
قالت والدتها إنها عولجت في نفس العيادة العام الماضي وتحسنت، وكانوا يعودون كل أسبوع للحصول على مكملات غذائية للحفاظ على صحتها، لكن في الشهر الماضي، بسبب التخفيضات في التمويل، نفدت المكملات وعادت آمنة الآن إلى العيادة.

 
قالت والدتها، التي رفضت الكشف عن اسمها بسبب "الإحراج"، إنها وبناتها الأربع تركوا زوجها وانتقلوا للعيش مع أشقائها الذين بالكاد كان لديهم ما يكفي لإطعامهم.


وقالت: "نحن مثل اللاجئين في منازل الآخرين، يمكنك فقط تقدير كل ما يتم تقديمه".


المصدر: The New York Times

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر