الحوثي وإيران.. رهانات المواجهة "من بُعدْ" مع السعودية (تحليل خاص)

[ الحوثيون يطلقون صاروخ باليستي (أرشيف) ]

 

 
  منذ سبتمبر/ أيلول 2019، عززت جماعة الحوثي طابع المواجهة من بُعد في حربها مع السعودية، بالاعتماد على ضربات الصواريخ الباليستية، والطائرات والزوارق غير المأهولة (المسيرة من بُعد). وفي مقابل ذلك خفَّضت عملياتها البرية على الحدود الشمالية، والشمالية الغربية مع السعودية، بما يشِي أن تفاهمات غير معلنة بين الجانبين، ربما أدّت إلى ذلك.
 
والواقع أن هذا التحول يستدعي إبراز مدى قدرة جماعة الحوثي، ومن خلفها إيران، على تحقيق مكاسب عسكرية وسياسية تتجاوز الإرادة السعودية من خلال أسلوب المواجهة من بُعد (الذي يقصُد به هذا التقرير، المواجهة بتقنيات الصواريخ الباليستية والطائرات والزوارق غير المأهولة، دون الدخول في مواجهات برية تقليدية مكلفة بشريًا وماديًا).
 

تحول المواجهة: البداية والظروف والملامح

عقب إعلان جماعة الحوثيين مسئوليتها عن استهداف معملين نفطيين تابعين لشركة أرامكو بمنطقتي بُقَيق وهجرة خُريص، شرقي الرياض، في سبتمبر/ أيلول 2019؛ أطلق رئيس ما يسمَّى "المجلس السياسي الأعلى"، مهدي المشَّاط، مبادرة من طرف واحد، كان مضمونها وقف استهداف أراضي السعودية بالصواريخ الباليستية والطائرات غير المأهولة، وطالَب السعودية بأن تردَّ التحية بالمِثل، أو بأحسنَ منها، حدَّ تعبيره.
 
وقد مثَّلت هذه المبادرة، كما يبدو، مراوغة حوثية، وإظهارًا للقوة والقدرة على المبادأة، وقد تكون إغراءً للسعودية للتحول إلى نهج التهدئة على حدودها الجنوبية الغربية، ومن ثَمّ وقف الصراع الذي استهلك، طوال خمس سنوات، الكثير من قدراتهما المادية والبشرية، دون تحقيق الأهداف المرجوَّة لكل منهما في تلك المناطق.
 
وخلال الفترة المنقضية من العام الجاري 2020، تراجعت حدة المواجهات المسلحة على الحدود البرية بين الجانبين، فيما تصاعدت هجمات الصواريخ والطائرات والزوارق، غير المأهولة، التي تطلقها جماعة الحوثي على المراكز والمصالح الاستراتيجية في المدن السعودية، وفي البحر الأحمر. وإزاء ذلك بدت استجابات السعودية نمطية، عبر ضربات جوية استهدفت بها مناطق في صنعاء، سبق أن أُنهكت قصفًا وتدميرًا، مُذ بدأ التحالف عملياته العسكرية في 26 مارس/ آذار 2015، ولم يُعد لهذه المناطق من قيمة سوى رمزيتها العسكرية.
 
في السياق، لوحظ خلال الخمسة عشر شهرًا الماضية، أن جماعة الحوثي استغلت عدة تحولات محلية في تعزيز قدراتها الصاروخية، وقدرات الطائرات والزوارق غير المأهولة، وأنها استفادت، أكثر من أي وقت مضى، من الخبرات العسكرية الإيرانية، وقد مثَّل إرسال إيران، وبصورة سِريِّة، سفيرٍ ليمثلها لدى جماعة الحوثي، يُدعى حسن إيرلو، في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2020، دليلًا واضحًا على مُضي الجماعة في تعظيم قدراتها العسكرية؛ (استعرضنا في تحليل سابق، نشر هنا في "يمن شباب نت"، البعد العسكري لمهمة حسن إيرلو، لكونه قياديًا في فيلق قُدس، التابع للحرس الثوري الإيراني)..

لم يمضِ شهر على وصول هذا السفير إلى صنعاء، حتى بدأت هجمات الصواريخ والطائرات والزوارق غير المأهولة تستهدف المصالح السعودية بغزارة، في البر والبحر، فيما ظلت الاستجابات السعودية رتيبة كالعادة، بل بلغت من الضعف حدَّا شكَت فيه الرياض جماعة الحوثي إلى مجلس الأمن، في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وذلك عبر سفيرها في الأمم المتحدة، عبد الله المُعلِّمي، الذي وصف الهجوم بالإرهاب، وأنه يهدد الملاحة البحرية، والعملية السلمية في اليمن.
 

[للمزيد.. أقرأ: في رسالة لمجلس الأمن.. السعودية تطالب وقف تهديد الحوثيين لأمن الطاقة العالمي]


وقد جاءت هذه الاستجابات بعد يوم واحدٍ من قيام جماعة الحوثي، في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بشن هجوم عنيف، بواسطة صواريخ مجنَّحة (طائرات غير مأهولة) على محطة لتوزيع الوقود تابعة لشركة أرامكو، شمالي مدينة جدة، وأصيب فيه واحدا من ثلاثة عشر صهريجًا توزِّع، يوميًا، ما يزيد عن 120 ألف برميل من المنتجات النفطية. ثم بعد ذلك بيومين استُهدفت ناقلة نفط سعودية، قبالة ساحل جيزان، بالبحر الأحمر، بواسطة زورق غير مأهول، قالت جماعة الحوثي إنها وثَّقت هذه العملية بالتصوير الحي، وستكشف عن تفاصيلها قريبًا، فيما قالت مصادر سعودية إن الاستهداف أُحبط وخلّف أضرارًا طفيفة.
 

[للمزيد.. أقرأ: "أضرار طفيفة بسفينة تجارية".. التحالف العربي يعلن تدمير زورقا مفخخا في البحر الأحمر]



الرهانات وآفاق التحقق

يتمحور رهان جماعة الحوثي حول حَمْل السعودية على الخروج من التحالف والتخلي عن دعم الحكومة اليمنية؛ مستغلَّة ما تواجهه هذه الحكومة، والسلطة الشرعية برمَّتها، من تحديات قاتلة؛ سواء كان ذلك تحدي جماعة الحوثي نفسها التي تحاول محاصرة مارب من عدة اتجاهات؛ أم تحدي المجلس الانتقالي الجنوبي (الإنفصالي)؛ فضلًا عن التحدي الذي تقف خلفه التشكيلات المسلحة غير المرتبطة بالحكومة المعترف بها دوليًا، ومن ذلك "القوات  المشتركة" التي تتمركز في القطاع الجنوبي من الساحل الغربي للبلاد، على البحر الأحمر.
 
تعتقد جماعة الحوثي أن تراجع الدور الإماراتي في التحالف العربي، ألقى بثقله على السعودية وحدها، وأنها بعد ذلك لن تقوى على الاستمرار في تحمل تكاليف الحرب، في ظل تصاعد تداعيات جائحة كورونا (كوفيد-19)، وتراجع أسعار النفط؛ إذ على سبيل المثال: بلغت الخسائر في الأصول الاحتياطية للسعودية، خلال الثلث الأول من العام الجاري (2020)، نحو 51 مليار دولار أمريكي، وخلال الربع الثاني من العام نفسه، أحدثت جائحة كورونا (كوفيد-19)، انكماشًا في الاقتصاد السعودي بنحو 7%، ويُضاف إلى ذلك تكاليف الحرب، التي تتحمل السعودية معظمها، بالتزامن مع تراجع أسعار النفط، حيث فقدت السعودية نحو 167.7 مليار دولار أمريكي من احتياطيها بين أواخر عام 2015، ومنتصف العام الجاري (2020).
 

[أقرأ أيضا: مجلس الوزراء السعودي: الحوثيون يستهدفون عصب الاقتصاد العالمي]


من جهتها، تراهن إيران على جعل المصالح النفطية في البَر الغربي السعودي، والبحر الأحمر، هدفًا للصواريخ والطائرات والزوارق غير المأهولة، التي تدعم بها جماعة الحوثي، لتصرف إيران الأنظار عنها، فيما لو كانت المصالح المستهدفة تقع في المناطق الشرقية من السعودية. وفي الوقت ذاته، تضاعف إيران من رقعة وحجم التهديد الذي تشكله على النفط السعودي المتدفق عبر مضيق هرمز، بخلق تهديد مماثل في منطقة تدفق أخرى، لكنها بعيدة عن المجال البري والبحري الإيراني، مع ما يشكِّله دعم إيران بهذه الأسلحة والتقنيات لجماعة الحوثي، من ضمان لبقائها في السلطة، وما يترتب عليه من مكاسب جيوسياسية في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، تُمكِّن إيران، في أقرب مدى، من استكمال تطويق السعودية بالجماعات الشيعية المسلحة المهيمنة على دول الجوار.
 
لا يبدو أن الطريق سالكة أمام جماعة الحوثي وإيران، لتحقيق أهدافهما في اليمن والسعودية؛ بالنظر إلى الرفض الإقليمي واليمني لهما، واحتمال تصنيف الولايات المتحدة لجماعة الحوثي كجماعة إرهابية، وما تواجهه إيران من تشدد أمريكي بشأن طموحها الإقليمي، وعدائهما المتبادل..
 
 غير أن حسابات القوى الدولية، ومعها إسرائيل، تجعل من إيران تهديدًا قائمًا لتحقيق مصالحها في دول الخليج، بما في ذلك السعودية، التي ستظل في حالة لهث دائم وراء شراء السلاح، ولا تدخر وسعًا في الإنفاق، بسخاء، على حلفائها المناهضين لإيران.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر