سيول مدمرة في ظل حرب طاحنة.. اليمنيون وحيدون في وجه الكوارث (تقرير خاص)

[ أمطار غزيرة متواصلة وسيول أحدثت- وما زالت- اضرارا كبيرة في الأرواح والمساكن والمزارع ]

  بعد الحرب، لا تنقص الأخبار الكارثية اليمنيين، ومع ذلك ثمة صور تتدفق كل يوم تجسد تراكم المعاناة التي لحقت بهم جراء ما تفعله الأمطار، وسيولها الجارفة، بالمواطنيين، إذ تجرفهم مع ممتلكاتهم وتدمر منازلهم، ولا حلول دائما، حيث أعتاد اليمني مواجهة هذا الواقع السيء وحيدا، دون أن تلتفت إليه أي سلطة في بلد دمرته الحرب منذ أكثر من خمس سنوات.
 
على أرض الواقع، تتصارع السلطة في اليمن، مع سلطتي أمر واقع؛ واحدة في الشمال، ممثلة بمليشيات الحوثي الانقلابية؛ وأخرى في الجنوب، تقودها مليشيات ما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، وكلتاهما تعتمدان على دعم خارجي من دول حليفة لهما، ذات مصالح سياسية وجيوسياسية.
 
تتصارع سلطات الأمر الواقع، الانقلابية في الشمال، والمتمردة والجنوب، مع السلطة الشرعية للبلاد، وكل منهما تحاربانها بشراسة من أجل أن تصبح السلطة الأولى في اليمن وتحكم البلاد، أو تنفذ أجندات الدول التي تقف وراءها، وتحديدا إيران حليفة الحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء، والإمارات الداعمة للانتقالي في العاصمة المؤقتة عدن، وجميعها يبدو المواطن آخر اهتماماتها.
 
وقد أثبتت السيول الشديدة التي أجتاحت البلاد، مؤخرا، جراء الأمطار الغزيرة، هذه القاعدة، التي لم تستثن أحدا، بما في ذلك السلطة الشرعية التي وجدت نفسها عاجزة عن فعل أي شيء إزاء جرف السيول لمساحات شاسعة من البلاد، طالت المزارع ومساكن المواطنين، خصوصا شمال وشمال شرق البلاد، شملت الأضرار مواقع تاريخية في صنعاء ومخيمات النازحين في محافظة مأرب، كما دمرت السدود في بعض المناطق في محافظة صنعاء والمناطق المحيطة بها..
 


أمطار وكوارث
 
منذ منتصف يوليو/تموز الفائت، شهدت اليمن أمطارا غزيرة تسبب بحدوث سيول وفيضانات، تأثرت بها عدد من المحافظات اليمنية، وأدت إلى أضرار بالغة مختلفة، فضلا عن حدوث وفيات وإصابات بين المواطنين، وتهدم سدود وفيضان سد مأرب لأول مرة منذ 34 سنة.
 
وفي مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي، تحدثت تقارير حديثة، صادرة عن سلطات الانقلاب، عن ارتفاع عدد ضحايا السيول إلى 338 حالة، شاملة حالات الوفاة والإصابة، وتوزعت أسبابها بين الغرق وتهدم المنازل، أو الانهيارات الصخرية. وبحسب التقارير تهدم 462 منزل، وجرفت السيول 126 آلية، فيما أنهار سد واحد، من غير حصر الخسائر الأخرى المتعلقة بجرف الأراضي الزراعية، وهلاك ما فيها من مزروعات.
 

[أقرأ أيضا: صنعاء: انهيار منزل بسبب الأمطار وناشطون يدعون لمساندة الأسرة]

 
ومن خلال الرصد الذي قام به "يمن شباب نت"، فقد جرفت السيول- أو دمرت- الكثير من الطرق الرئيسية والمزارع. ففي جنوب البلاد، في منطقة أحور بأبين وحدها جرفت السيول 5000 فدان من الأراضي الزراعية.
 


ومن الكوارث التي تسببت بها السيول، تعرض مدن تراثية لاضرار بالغة، منها مدينة صنعاء القديمة، التي تفيد الإحصائيات المتداولة، تعرض ما يقارب 111 منزلا فيها للدمار بشكل كلي أو جزئي. وكذلك مدينة شبام حضرموت التاريخية (جنوب شرق البلاد)، ومدينة زبيد التاريخية أيضا (غرب البلاد)، اللتين تعرضتا لأضرار بالغة جراء الأمطار والسيول.
 

أقرأ أيضا:

[انهيار سد مائي في عمران والسيول تتدفق نحو مدينة شبام كوكبان التاريخية (صور+ فيديو)]

[اليونسكو تقول إنها قامت بحماية 40 مبنى تاريخيا من الانهيار في صنعاء]

[الحكومة تدعو اليونسكو للتدخل العاجل وإنقاذ "صنعاء القديمة" من الخراب]


 

وحيدون في وجه الكارثة 
 


ويحارب المواطن في اليمن الكوارث واحدة تلو الأخرى، وحيدا، في ظل ظروف الحرب الصعبة التي يعيشها، وانعدام كثير من الخدمات الأساسية، وضعفها إن وجدت.
 
وتسببت السيول بتشرد آلاف الأسر في مختلف المحافظات، ونزوح بعضهم إلى مناطق أخرى أقل تضررا، أو أكثر أمانا. الأمر الذي يفاقم من معاناتهم، خاصة في ظل ارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 80%، في الوقت الذي قصلت فيه عدد كبير من المنظمات العاملة في الجانب الإنساني، مساعداتها لليمن، نتيجة عدم وجود دعم دولي كاف.
 

[أطلع أيضا على: انهيار أجزاء من سور "صنعاء القديمة" وتهدم منزل مواطن جراء السيول (صور)]

 
ويقول المواطن عبدالله أحمد خالد أنه اضطر للنزوح قبل أكثر من عامين من تعز إلى عدن، هربا من قصف مليشيات الحوثي التي تستهدف من وقت لآخر حيهم الذي كان يسكنه "عصيفرة"، وبحثا عن عمل يساعده على تجاوز صعوبات الحياة التي تواجهه وأسرته.
 
لكن الحياة- كما يضيف لـ"يمن شباب نت"- لم تكن سهلة في عدن أيضا، خاصة غلاء الأسعار، والوضع الأمني الذي بات غير مستقرا. ثم جاءت السيول لتفاقم معاناته، وجعلته يعيش كارثة أخرى مع أسرته، التي تتقاسم شقة مكونة من ثلاث غرف وحمامين ومطبخ، مع أسرة أخرى من معارفهم.
 
وعن هذه المأساة الجديدة، يتحدث خالد، مضيفا: فمع هطول الأمطار والسيول وجدنا أنفسنا محاصرين في منزلنا بالمياه، دون أن يمد لنا أحد يد المساعدة، مستدركا "لكن الحمدلله لا أثاث معنا ولا شيء نخاف عليه".
 

حكومة منشغلة بالتقاسم
 
وبالنظر إلى حال المواطنين في مختلف المحافظات المتضررة من السيول، وما قدمت السلطات المختلفة لهم من حلول، يقول الصحافي محمد السامعي إن أطراف النزاع منشغلة بالحرب والصراعات، ولا يهمها أمر المواطنين والضحايا، سواء جراء المواجهات، أم الأوبئة والسيول التي اجتاحت البلاد، حيث تحول أمر المواطن في نظر الساسة إلى مجرد أرقام يتم إحصاؤها مع كل حدث، سواء قتل أم وفاة.
 
وتحدث السامعي لـ"يمن شباب نت" عن كارثة السيول، موجها انتقاداته للحكومة، التي يقول إنها  لم تقم بأية إجراءات حقيقية تحمي المواطنين من أضرار السيول، التي قتلت وأصابت العديد من السكان، ودمرت آلاف المنازل والعشش، مضيفا: فالحكومة لم تقم بأي موقف عملي على أرض الواقع، فقط مجرد إطلاق نداءات ومناشدات إلى المنظمات الدولية والإغاثية، التي لم تقدم- بدورها- ما يتطلب لمعالجة أضرار السيول.
 

[أطلع أيضا على: تقرير رسمي: مساكن أكثر من 2200 نازح تعرضت لخراب بسبب الأمطار في ثلاث محافظات]

 
وهو ما يتفق معه كذلك رئيس المركز الامريكي للعدالة (ACJ)، المحامي عبدالرحمن برمان، الذي أنتقد الحكومة لإنشغالها بقضية تقاسم المناصب وتوزيع الحقائب الوزارية، والبعد عن مشكلات المواطنين.
 
وأكد برمان لـ"يمن شباب نت" عدم وجود أي جهد حكومي لإغاثة المتضررين من السيول، خصوصا في تهامة وغيرها من المدن الأكثر تضررا، فيما عدى بعض الجهود الشحيحة التي قامت بها السلطات المحلية في مأرب.
 



انعدام الثقة
 
في تفسيره لسبب صمت المواطنين في مختلف المحافظات مع كل كارثة يمرون بها، أو مرحلة جديدة من المعاناة، يرى الحقوقي برمان أنهم (المواطنيين) وصلوا إلى حالة من اليأس، خاصة في المناطق الفقيرة التي أدت السيول إلى شتاتهم، فلزموا الصمت، ولم يعبر عن همومهم وحجم مأساتهم سوى بعض الناشطين الذين صوروا ونقلوا جزءً مما يتعرضون له.
 
ومثله يعتقد الصحفي السامعي، أن المواطن وصل إلى مرحلة متقدمة جدا من فقدان الثقة بالسلطات، التي تواصل نهب البلاد وثرواتها في ظل هذه الظروف العصيبة التي يعاني منها معظم السكان.
 
وخلص إلى أنه "لا حل حاليا لمعاناة السكان إلا بإنهاء الحرب، ومن ثم بناء دولة بمؤسساتها، تقوم برعاية حقوق المواطن وخدمته وتلمس احتياجاته"، مستدركا: "أما في ظل الحرب فالمواطن سيظل يدفع الثمن الكبير لهذا النزاع المرير".
 
ومنذ أكثر من شهر، تشهد معظم مناطق اليمن، لا سيما الجبلية منها، غزارة شديدة في تساقط الأمطار بشكل متواصل دون إنقطاع، في ظاهرة مناخية لم تشهد مثلها اليمن منذ ثلاثة عقود تقريبا.
 
يذكر أن دراسة أعدتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)، أكدت أن المناخ سيتسمر جافا وشبه جاف في البلاد حتى عام 2100، مع حدوث تفاوت في نمط هطول الأمطار من منطقة إلى أخرى.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر