ماهي سيناريوهات الأزمة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي؟ (تحليل خاص)

[ أثناء توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة والانتقالي في الرياض 5 نوفمبر 2019 ]

لا يزال التوتر قائماً بين الحكومة اليمنية، والمجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي)، المدعوم إماراتياً، الذي يسيطر على عدد من المحافظات الجنوبية، بما في ذلك مدينة عدن العاصمة المؤقتة للبلاد، بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء بانقلاب مسلح عام 2014، ويزداد هذا التوتر خطراً على وحدة البلاد؛ بفعل التوجه الانفصالي للمجلس الانتقالي.
 
 وفي ظل الموقف المشبوه للتحالف العربي، خصوصاً الإمارات التي تمثل أحد قطبيه، وعلى نحو أقل السعودية، التي تحاول تَمثُّل موقف من يقف على مسافة واحدة من الجميع، وأحياناً إمالة الأحداث باتجاه تحقيق توازن في النفوذ مع شريكها الإماراتي، الذي يعد المحرك الأقوى للديناميات الانفصالية والأخرى المناوئة للحكومة الشرعية.



اتفاق الرياض: السير على طريق متعرج
 
في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وقَّعت الحكومة اليمنية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، اتفاقاً سياسياً، في العاصمة السعودية الرياض، تضمن عدداً من القضايا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية، والأمنية، أبرزها تشكيل حكومة جديدة ذات كفاءات، وتعيين محافظ ومدير أمن لمحافظة عدن، ومحافظين لبقية المحافظات الجنوبية، ودمج التشكيلات المسلحة غير النظامية التابعة للمجلس الانتقالي، في إطار قيادتي وزارتي الدفاع والداخلية، بعد سحب أسلحتها، وإعادة توزيعها.
 

إقرأ أيضاً..
بعد منع الحكومة من العودة لعدن الانتقالي يصفها بـ"فاقدة الشرعية".. إلى أين يسير "اتفاق الرياض"؟


هدُف الاتفاق، في ظاهره، إلى إعادة بناء الثقة بين الجانبين، وترتيب الصفوف لمواجهة الحوثيين، الذين يسيطرون على عدد من المحافظات الشمالية، وبما يتجاوز تداعيات أحداث أغسطس/ آب 2019، التي تمكنت فيها التشكيلات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي، من التغلب على القوات الحكومية، وطردها من مدينة عدن، وفرض السيطرة الكاملة عليها، وعلى عدد من المديريات في محافظات لحج، والضالع، وأبين، ومحاولة تطبيق ذلك في أرخبيل سقطرى، غربي المحيط الهندي.
 
اقترب الاتفاق من نهاية شهره السادس، لكنه لا يزال سائراً في طريقة متعرج لا طرف له، بل تصاعدت الأزمة مجدداً، إلى حدٍ ذهبت معه التكهنات بتجدد العنف المسلح بين الجانبين، في ظل الكثير من الشكوك التي يكتنف موقف السعودية إزاء تعنت المجلس الانتقالي
 
على الرغم من أن ما يلاحظ على السعودية، بأنها تثابر في سبيل تنفيذ الاتفاق، بوصفه المصفوفة الضامنة لترميم تداعيات العبث الإماراتي في المحافظات الجنوبية اليمنية، والذي وضع السعودية أمام تحديات تمس أمنها الوطني، بعد أن صنعت الإمارات المجلس الانتقالي، ليكون وكيلها المعتمد راهناً، وشريكها الضامن لمصالحها مستقبلا.
 




السياسة السعودية تجاه طرفي الاتفاق: العصا أو الجزرة
 
حاولت السعودية فرض إدارتها بالقوة في عدن، بوصفها المشرف على تنفيذ الاتفاق، ثم قادت مشاورات مع رئاسة المجلس الانتقالي، والجمعية الوطنية التابعة له، وبادرت، قبل ذلك، إلى تمكين ما يسمى بقوات أمن المنشئات من تولي حماية الهيئات الحكومية في عدن.
 
 لكنها واجهت تحديات عملية كبيرة، كشفت عن عدم جديّة المجلس الانتقالي في تنفيذ الانفاق، ومحاولته استغلال الوقت في تقوية مركزه العسكري والأمني، واستكمال بناء الهياكل الأساسية للدولة، التي يسعى إليها بدعم إماراتي، منتظراً انتهاز ما قد تفرزه أي تحولات مستقبلية، من فرص تمكنه من إعلان هذه الدولة، ووضع الجميع أمام أمر واقع.
 
كانت التفاهمات التي رافقت اتفاق الرياض، قد أفضت إلى قبول نائب رئيس المجلس الانتقالي، السلفي المدخلي، هاني بن بريك، بالخروج من عدن، في مقابل منع عودة وزيرين في الحكومة، شاركاه، من موقع نقيض، في أحداث أغسطس/ آب 2019، وهذان الوزيران هما: وزير الداخلية اللواء أحمد الميسري، ووزير النقل صالح الجبواني، وكان التحالف، قبل ذلك، قام باستدعاء رئيس الحكومة، الدكتور معين عبد الملك، إلى الرياض، في 22 فبراير/ شياط 2020، بعد أن مثّلت عودته إلى عدن، بعد أسبوعين من التوقيع على اتفاق الرياض، الخطوة الأولى المنجزة في الاتفاق.
 
مع تشدد المجلس الانتقالي إزاء تنفيذ الاتفاق، لم تجد السعودية بُداً من تقييد حركة بعض قادة المجلس، الذين يمثلون باعثاً لتوتير الأزمة مجدداً، فقامت، باسم التحالف العربي، بمنع ناصر الخبجي، وعبد الرحمن شيخ، وأحمد الشرفي، وشلال شائع، من مغادرة العاصمة الأردنية عمان، أثناء محاولة عودتهم إلى عدن، في 11 مارس/ آذار 2020.
 

للمزيد إقرأ أيضاً..
تحليل أمريكي: ثلاثة أسباب وراء عرقلة الانتقالي لتعزيزات القوات الحكومية التي تواجه الحوثي (ترجمة خاصة)


واستأنفت مساعيها لتنفيذ الاتفاق؛ بقيام قائد قوات التحالف العربي في عدن، العميد مجاهد بندر العتيبي، بالالتقاء مع رئيس الجمعية الوطنية بالمجلس الانتقالي، اللواء أحمد بن بريك، ومساعد الأمين العام لهيئة رئاسة المجلس، اللواء سالم عبد الله السقطري، وبعض من القادة العسكريين المنشقين عن القوات الحكومية، الذين انضموا إلى المجلس، مثل: قائد المنطقة العسكرية الرابعة، اللواء فضل حسن محمد، وقائد اللواء الأول مشاة، العميد علي البيشي، وعدد من قادة التشكيلات المسلحة التابعة للمجلس.

لم تفلح المساعي السعودية في إقناع المجلس الانتقالي، أو هكذا بدا المشهد، في اتخاذ خطوات عملية لتنفيذ اتفاق الرياض، وربما كان ذلك باعثاً لها للإيعاز للحكومة الشرعية، بالتصعيد العسكري تجاه تعنت الانتقالي، وإعلان القوات الحكومية عن لجوئها إلى خيار القوة، للدخول إلى عدن تنفيذا للاتفاق؛ حيث بدأت قواتها بالتحشد في منطقة شقرة الساحلية، بمحافظة أبين المجاورة لعدن، وأجرت بعض من التمرينات التكتيكية بمشاركة عدد من الوحدات.
 
في خضم ذلك، قادت السعودية، خلال إبريل/ نيسان الجاري، مشاورات بين قادة عسكريين في الحكومة الشرعية، وآخرين في التشكيلات التابعة للانتقالي، لكنها باءت بالفشل، ليعود التصعيد العسكري مجدداً؛ فتحولت معه عدن إلى معسكر، يربض على تلال من الأسلحة، والميليشيات، وتحيط بها، وتتخللها، التحصينات الصناعية، التي تشير إلى قرب مواجهة مسلحة أشد ضراوة من ما شهده تاريخها الدامي، خلال دورات العنف، التي تعرضت لها.
 




سيناريوهات اتجاه الأزمة

في 23 إبريل/ نيسان الجاري، ومع توارد الأنباء حول عودة الحكومة إلى عدن، وبينما كانت تتأهب لذلك بمطار الرياض، بادرت ميليشيات مسلحة تابعة للمجلس الانتقالي، بالانتشار حول مطار عدن، وأصدر المجلس بياناً برر فيه ذلك؛ بأن "اتفاق الرياض ينص على عودة رئيس الحكومة فقط، ولأهداف ومهام حددها الاتفاق بوضوح"؛ في إشارة إلى تفعيل مؤسسات الدولة في المناطق المحررة، وصرف المرتبات والمستحقات المالية لمختلف قطاعات الدولة، حسب ما ورد في الاتفاق.

وطالب البيان بعودة رئيس وأعضاء وحدة شئون المفاوضات بالمجلس الانتقالي، ومدير أمن عدن، الذين لم يسمح لهم بالعودة من عمّان إلى عدن، سارداً عدداً من المسائل التي حمَّل فيها الحكومة تبعاتها، مثل: وباء كورونا " كوفيد-19"، والغرق الذي تعرضت له أحياء سكنية في عدن، والتحشيد الحكومي في شقرة، وما وصفه بممارسات تعسفية تجاه عناصر تابعة للمجلس الانتقالي.
 
في المقابل وصفت الحكومة تصرفات الميليشيات المسلحة، التابعة للانتقالي، بأنها تفتقر للمسئولية في التعامل مع جهود تطبيق اتفاق الرياض، ومواجهة آثار السيول، التي تعرضت لها عدن هذا الشهر، وأن إعاقة عودة الحكومة يقضي على الجهود السعودية لتسوية الأزمة، وتعطيل مؤسسات الدولة، وإعاقتها عن القيام بمسئولياتها وواجباتها، بما يفاقم من آثار كارثة السيول، التي وقعت في عدن.
 

إقرأ أيضاً..
تجدد دوامة الصراعات في سقطرى يشي بفشل السعودية وينبىء بمستقبل أكثر خطورة (تقرير خاص)


إزاء ذلك، لا يبدو طريق اتفاق الرياض سالكاً، وأن خطوات تنفيذه عادت إلى نقطة الصفر؛ فحديث المجلس الانتقالي عن عودة رئيس الحكومة فقط؛ يعني إعادة الجدل حول مضامين الاتفاق إلى ما قبل تاريخ العودة الأولى للحكومة في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وأن نوايا المجلس الانتقالي تغوص في البحث عن مخارج رابحة تحقق غاياته، من خلال أحد اتجاهين، هما:
 

- الاتجاه السياسي

في هذا الاتجاه، يسعى المجلس الانتقالي، مدعوما بالإمارات، إلى إعادة صياغة اتفاق الرياض، أو إلحاقه بملحق آخر، يعوض ما قد يفقده بموجبه حال تطبقيه في وضعه الراهن، أو التشدد اكثر، بما يفضي إلى حل الحكومة الحالية، كأن يُدفَع ببعض أعضائها إلى تقديم استقالاتهم، إلى جانب وزراء آخرين قدموا استقالاتهم قبل حوالي شهر، لتتحول الحكومة إلى مجرد هيكل كسيح، غير قادرة على القيام بدورها المطلوب، في ظل الظروف العصيبة الراهنة، وذلك على غرار موقف حكومة خالد بحاح، التي قدمت استقالتها، في فبراير/ شباط 2015، عقب انقلاب الحوثيين بصنعاء.  
 



- الاتجاه العسكري

قد تُجرُّ الأحداث إلى مواجهة مسلحة بين الطرفين، بما يقضي على اتفاق الرياض تماماً، سواء شرع في تطبيقه أو لم يُشرع في ذلك، والانتقال إلى واقع آخر، يسعى فيه المجلس الانتقالي نحو خطوات متقدمة في طريق مشروعه الانفصالي، وذلك من خلال إعلان حكمه الذاتي في المناطق المسيطر عليها، والتي قد يتوسع فيها، أو عقد تحالفات جديدة، معلنة أو غير معلنة، مع طرف من المؤتمر الشعبي العام، خصوصاً الطرف الذي يقوده أبناء الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، الذين يتحكمون في تشكيلات مسلحة مدعومة إماراتياً، وترابط في الساحل الغربي للبلاد، وهذا السيناريو، كله أو جزء منه، هو الأرجح.
 
وقد يساعد هذا التوجه مجموعة من القيود التي تكبل الحكومة وقيادة السلطة برمتها، ولعل من أبرزها موقف التحالف العربي نفسه، الذي تتحيز فيه الإمارات للمجلس الانتقالي، مع ما تبديه السعودية من مناورات ملتبسة، تفسَّر من قبل الكثير بأنها تواطؤ، مع ما تواجه الحكومة من تحديات ميدانية أمام الحوثيين، في عدد من الجبهات في المحافظات الشمالية، وإن كانت المؤشرات الراهنة تبعث على التفاؤل قليلاً؛ حيث بدت قواتها في وضع هجومي، وتكبد الحوثيين خسائر في الأرض والمعدات والأسلحة، لكن هذا الوضع قد يتراجع في حال نشوب مواجهات مع المجلس الانتقالي، تستدعيه ظروف المواجهة، وأولوياتها.
 
يظل التدخل المحتمل للتحالف فيصلاً في كل ما سبق، لاسيما الإمارات، التي رجحت كفة المجلس الانتقالي في أحداث أغسطس/ آب 2019، بالمشاركة العملية بالأسلحة، فضلاً عن تدخلها بالطائرات لضرب القوات الحكومية، بالقرب من عدن، أثناء محاولة استعادتها، خلال تلك الأحداث، والتأثير الناعم للسعودية على قيادة السلطة الشرعية، كما حصل في تلك الأحداث.
 

*على الذهب: دكتوراه في تكنولوجيا النقل البحري، ومحلل سياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية، وكاتب دراسات في مراكز أبحاث عربية.


 

حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت"©2020 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر