حملة الكترونية لطرد "الإمارات" من اليمن وسط دعوات النخب لمغادرة الصمت (تقرير خاص)

[ الصورة الرئيسية لمركبة عسكرية احترقت نتيجة الاشتباكات بين قوات الحكومة وميليشيات الإمارات بمحافظة شبوة النفطية في 21 يونيو 2019/ مواقع التواصل الإجتماعي ]

  أثارت التحركات الأخيرة للقوات المدعومة من دولة الإمارات في جنوب اليمن، غضب واستهجان ناشطين ومسئولين وقادة مجتمع يمنيين، لتصل ذروتها- لأول مرة- من خلال تنظيم حملة الكترونية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب الرئيس والحكومة الشرعية ومجلس النواب بطرد الإمارات من التحالف في اليمن.
 
واتخذت الحملة الإلكترونية، التي انطلقت بشكل منتظم الأربعاء الماضي، 19 يونيو/ حزيران، وسماً (هشتاق) يحمل عنوان: "#طرد_الإمارات_مطلب_شعبي". وحظت بتفاعل واسع من مختلف الناشطين اليمنيين داخل الوطن وخارجه، ليتربع الوسم، في اليوم الأول على انتظامه، قائمة الترند العالمي على موقع "تويتر".
 

لماذا الحملة؟

 جاءت الحملة الإلكترونية، بداية، على إثر محاولة ما تسمى "قوات الحزام الأمني"، وهي ميليشيات مسلحة مدعومة من الإمارات خارج إطار الدولة اليمنية، فرض سيطرتها بالقوة على ميناء جزيرة سقطرى الثلاثاء الماضي، 19 يونيو/ حزيران، بعد طردها قوات الحراسة الحكومية المتواجدة في الميناء. لتندلع على إثر ذلك اشتباكات بعد وصول تعزيزات من قوات الأمن والجيش اليمني في الجزيرة، والتي تمكنت من طرد ميليشيات الإمارات، واستعادة السيطرة على الميناء.
 
لم يكن قد مر سوى يوم واحد على حادثة سقطرى تلك، حتى تحركت قوات ما تسمى "النخبة الشبوانية" المدعومة من الإمارات، أيضا، نحو مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة- جنوبي شرق اليمن؛ محاولة هي الأخرى فرض سيطرتها بالقوة على عاصمة المحافظة النفطية، وخاضت معارك عنيفة مع قوات الأمن والجيش التابعة للحكومة الشرعية، والتي تمكنت أيضا من استعادة سيطرتها على المدينة.
 
وبين الحدثين، نشر ضابط شرطة دبي السابق، ضاحي خلفان، تغريده في تويتر، الأربعاء 20 يونيو، دعا فيها إلى ضرورة فصل جنوب اليمن عن شماله. الأمر الذي فسر تلك التحركات العسكرية، من قبل الميليشيات المسلحة التابعة لما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" (الانفصالي) المحسوب على الإمارات، على أنها تأتي في سياق استكمال أبو ظبي لمخططها في فرض السيطرة الكاملة على المناطق المحررة في جنوب اليمن. وهو المخطط الذي طالما حذر منه الكثيرون، من وراء دعمها السخي لتلك الميليشيات خارج إطار الدولة الشرعية في اليمن طوال الفترة الماضية.


النخبة في المقدمة

  وعلى خلفية تلك المستجدات الخطيرة، ارتفعت أصوات مسئولين في الدولة وقيادات سياسية واجتماعية في البلاد، تستهجن وتنتقد سلوك الإمارات الجارح والمستفز للشعب والحكومة اليمنية، مطالبة الجميع بالتخلي عن الصمت والسكوت، والتوحد للعمل على تصحيح انحرافات أبو ظبي عن مسار وأهداف التحالف العربي الذي جاء لدعم الشرعية واستعادتها، وليس لدعم ميليشيات جديدة ضدها.
 
وعقب حادثة جزيرة سقطرى الأخيرة، كتب وزير الدولة اليمني وأمين العاصمة اللواء عبد الغني جميل، مقالا في صفحته بالفيسبوك، هاجم فيه الوجود الإماراتي في الجزيرة اليمنية الواقعة على المحيط الهندي. حيث أكد على عدم وجود أي مبرر لوجودها هناك، واصفا ذلك بأنه "احتلال بمعنى الكلمة، احتلال متكامل الأركان". ودعا الرئيس عبد ربه منصور هادي، وحكومته إلى "اتخاذ قرار حاسم في هذا الأمر، ومكاشفة الشعب، ماذا يحصل وماذا يدور وتوضيحه للرأي العام". وأكد على أن اليمنيين لن يسكتوا بعد الأن وإن ضحوا بكل ما يملكون: "..لا وألف لا، لن نسكت، لن نسكت، طفح الكيل".
 
رئيس الوزراء اليمني السابق، الدكتور أحمد عبيد بن دغر، نشر هو الأخر مقالا في الفيسبوك، عقب تلك الأحداث، أكد فيه على أن "الغالبية الساحقة من أبناء اليمن يشعرون بغضب شديد إزاء سياسات التقسيم التي يمارسها البعض، المصحوبة بعنف الأتباع" في إشارة إلى الميليشيات المسلحة المدعومة من الإمارات، مضيفا "يدعم هؤلاء مخطط التقسيم دون تفكير أو اعتبار لمصالح ومشاعر الشعب اليمني وحقه في الحفاظ على وحدته وسيادته على أرضه، متجاهلين في ذات الوقت مصالح الأمة وأمنها".
 
وحذر بن دغر من نتائج هذا المخطط، قائلا: "لن يتوقف مخطط التقسيم أيها السادة عند اليمن. مثل هذا التفكير ينطوي على قدر كبير من السذاجة والتسطيح، وليست اليمن سوى العتبة الأولى في سلم المؤامرة في المنطقة. أنتم خطوة لاحقة في مخطط التقسيم العام، وقضية الجنوب التي تستخدمونها حصان طروادة على عدالتها وحق أهلها في الانصاف هي قضيتنا".
 
ودعا الشعب بكل مكوناته وأبنائه المخلصين إلى عدم مواصلة "الصمت، وترك الأمور للغير ليقرروا مصير البلاد"، مشدد على ضرورة أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم. ودون ذلك، حذر بالقول "اليوم تسال الدماء وتزهق الأرواح في سقطرى وشبوة وعدن، وغداً ستسفك في أبين ولحج وحضرموت والمهرة، لتمتد لباقي محافظات الوطن". وخاطب التحالف قائلا: "أسلحتكم تفتك بالشعب والوطن اليمني".
 
وأختتم رئيس الوزراء السابق، بن دغر، مقاله بتجديد التأكيد على أن هناك "مؤامرة تعصف باليمن، وتمس بصورة وثيقة وحادة أمن الأمة، بدأها الحوثيين بجريمة لا تغتفر، ويكمل مخططها بعضاً منّا، مؤامرة أولى نتائجها دولة إيرانية الولاء والنهج والهدف في شمال اليمن، ودولة أو دويلات هزيلة ضعيفة مسلوبة الإرادة والكرامة في جنوب اليمن. هذا ولا شيء غيره".

 

البرلماني اليمني علي عشال، أيضا، كتب هو الأخر منشورا على صفحته بالفيسبوك، دعا فيه القادة الرسميين والحزبيين وأعضاء مجلس النواب وأعضاء الحكومة، إلى مغادرة مربعات الصمت، مشددا على أنه قد آن الأوان لذلك.
 
وقال إن "ما يجري اليوم من حالة صمت عجيبة، وركون من كل طرف أن غيره معني بتصحيح الوضع المختل، يشبه الحالة التي عشناها قبل سقوط صنعاء"، مؤكدا على أنه "لن يرتدع أي عابث بأمن واستقرار اليمن، مالم يقف الجميع صفا واحدا ويقولوها بالفم المليان: لن نسمح لطرف في تحالف دعم الشرعية أن ينحرف عن أهداف هذا التحالف"
 



طرد الإمارات مطلب شعبي
 
وتكلل غضب اليمنيين من تصرفات الإمارات في اليمن، عن حملة شعبية الكترونية واسعة، شهدتها صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل لم تشهد مثله من قبل، تطالب الرئيس والحكومة والسعودية أيضا بطردها من التحالف، واليمن. الأمر الذي يدل على أن الكيل قد طفح، وبلغ مبلغه.
 
وعن حالة الغضب هذه وما انبثقت عنها من حملة، غرد الصحفي اليمني مختار الرحبي في صفحته على "تويتر"، قائلا: "هناك حالة غضب شعبية، تتزايد يوما إثر أخر بسبب ممارسات دولة الإمارات في اليمن وعبثها المستمر ضد الدولة الشرعية، ودعمها لكيانات سياسية وميلشاوية متمردة على الدولة الشرعية. حالة الغضب تشاهدها في مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل الحد الى المطالبة بطردها من اليمن".


 
وغرد حساب تحت اسم "باسم Basem" على تويتر- بالإنجليزية- قائلا: "يجب أن نتحد جميعاً على يد واحدة لنطلب من الحكومة اليمنية طرد هذا الاحتلال الإماراتي من البلاد".
 
وتحت الوسم نفسه، كتب الصحفي اليمني هشام الزيادي- بالإنجليزية أيضا: "تقوم الإمارات بتأسيس ميليشيات في جنوب وشرق اليمن لتقويض المؤسسات الحكومية، وجر المنطقة لتكون أكثر فوضى، إلى جانب سمعتها السيئة بامتلاك سجون سرية في اليمن".
 
ونشر الصحفي اليمني سامي حروبي، تغريدة قال فيها إن الإمارات "عملت على تفكيك المجتمع في جنوب اليمن، وانشأت سجون سرية لقتل ابنائنا وسحل ابطالنا الذين قاتلوا الحوثي. وها هي اليوم تشعل الصراعات الداخلية من أجل انقاذ الحوثي والسماح له بترتيب صفوفه، نكاية بالرئيس هادي، الذي رفض التوقيع لها على جزر وموانئ اليمن".
 
وكتبت اليمنية شفا الناصر في صفحتها بتويتر: "التحالف العربي تدخل في اليمن من أجل القضاء على المليشيات الحوثية، وتمكين الشرعية الدستورية من تعزيز بسط نفوذها على الاراضي اليمنية شمالا وجنوبا. ولكن شوال الرز خرج عن أهداف المعركة الرئيسية إلى معارك جانبية، تستهدف اليمن ووحدته وسيادته. والعبث لم يعد مقبولاً".
 
الناشطة الاجتماعية والسياسية الجنوبية، سهام باشراحيل، طالبت، في تغريدة لها ضمن الوسم، من رئيس الجمهورية والحكومة ومجلس النواب "باتخاذ موقف صارم وقوي، بإصدار قرار الاستغناء عن خدمات الإمارات في التحالف"، كونها "انحرفت عن مسار أهدافه، وتمارس احتلال وتريد تمزيق اليمن".
 


ذباب الكتروني للتشويش

وكان ملاحظا مشاركة الذباب الإلكتروني الإماراتي تحت الوسم نفسه، لكن بهدف التشويش ومحاولة التخفيف من حدة الحملة الإلكترونية. حيث عمل هذا الذباب على إغراق الوسم بصور تضم قادة الدولتين الخليجيتين (الإمارات والسعودية)، مع عبارات مقتضبة، معظمها باللغة الإنجليزية، تشير إلى أن الإمارات والسعودية يدا واحدة ومصيرا واحدا. الأمر الذي رفع من نسبة الانتشار وتداول الهشتاج على نحو أكبر وأوسع، ليصبح على رأس قائمة الترند في الخليج والوطن العربي، لاسيما خلال اليومين الأولين من بدء تداوله على تويتر.
 
ومع ذلك، فقد وجدت في المقابل، أصوات سعودية كبيرة تنتقد ما يجري في جنوب اليمن. وإن لم تكن تشير صراحة إلى دولة الإمارات، إلا أنها كانت تلمح إليها، أو بذكر أحد أذرعها كـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" أو قوات "الحزام الأمني"، و "قوات النخبة"، التابعة لها.

 ومن بينهم المهندس السعودي م. سلطان الطيار- مؤلف كتاب "الدبلوماسية في زمن الحرب الباردة"، الذي نشر عدد من التغريدات التي عرض فيها ضد ما تقوم به الإمارات في اليمن من تجاوزات، في ظل استهداف الحوثيين لمطار أبها، وما تمر به المنطقة من توترات.
 
وفي إحدى تغريداته، كتب الطيار: "بعد قصف مطار أبها، تشكل رأي عام دولي، وضوء أخضر لرد نوعي، وتم الاستنفار مع الحكومة الشرعية في اليمن، وفجأة: محاولة انقلاب ضد الشرعية في عدن؛ محاولة انقلاب ضد الشرعية في سقطرى؛ محاولة انقلاب ضد الشرعية في شبوة..". وأستدرك في نهايتها بالقول: "نعرف أن هذه المحاولات من جهة ممولة من صديق، لكن لا نعرف دوافعه".

 
وفي تغريدة أخرى، قال: "يمكن القول إن المساحة التي أتيحت لبعض الاطراف للعب في اليمن أوشكت على النفاذ. فهناك سخط شعبي متزايد ضد طرف ما، بسبب انحيازه لفئة مناطقية صغيرة على حساب الغالبية. وهذا يؤثر بشكل كبير على العاصفة، وقد يعيدها الى ما قبل الصفر. لذلك ما بعد مطار أبها ليس كما قبله". وأختتمها بكلمتين: "طفح الكيل".


 
وينظر البعض إلى أنتشار الحملة على نطاق واسع، دون تدخل السعودية بإيقافها، كما جرت العادة- أو كما يقال بحدوث ذلك دائما- على أن هناك توتر في العلاقة بين الرياض وأبو ظبي، على خلفية طغيان ممارسات الأخيرة في مناطق الجنوب المحررة، دون أي اعتبار لمصلحة المملكة. بما في ذلك، وفي مقدمته: دعم الانفصال.
 
ومع أن هذا التفسير، يجد له معارضون كُثر، من الذين ينظرون إلى أن كل ما تقوم به الإمارات "ليس إلا بضوء أخضر سعودي". إلا أن أصحاب تفسير "سوء العلاقة" يستدلون على ذلك بدخول شخصيات سعودية، بينهم محللين سياسيين معروفين، في الهجوم على المجلس الانتقالي الجنوبي (ذراع الأمارات)، دون أن يتعرضوا لأي إيقاف أو مسائلة سعودية حول ذلك، باعتباره "ضوء أخضر سعودي".

في الوقت الذي ظهر فيه تعارض واضح بين توجهات الدولتين فيما يتعلق بدعم الانفصال (مقارنة تغريدة ضاحي خلفان، بهجوم شخصيات سعودية ضد الانفصال). اضف إلى ذلك؛ أن تركيز "الذباب الإلكتروني" الإماراتي، في هذه الحملة، على التذكير بقوة العلاقة السعودية – الإماراتية، يوحي هو الأخر، بأن وراء الأكمة ما ورائها.     
 

وبإنتظار ما يعزز وجهة النظر تلك، أو يدحضها، خلال الأيام القادمة، يظل الأمر مرهونا- من جهة أخرى- بقدرة هذه الحملة الألكترونية على مواصلة مضيها على ذات الزخم، خلال الأيام القادمة، دون توقف لتحقيق أهدافها، أم أنها ستنتهي دون تحقيق شيئ، كسابقاتها؟
 

 وفي واحدة من تغريداته كتب الصحفي أنيس منصور، وهو أحد النشطاء المتبنيين للحملة، أن حملة "ضرورة طرد الامارات من اليمن، لم، ولن، تنتهي"، مضيفا: "لا يوجد شيء نخاف عليه، أو نخاف منه. البلاد راحت بين سندان الحوثي ومطرقة الامارات وصمت الشرعية"، مؤكدا على أن المرحلة الثانية من الحملة ستشمل تسجيل ونشر فيديوهات واستطلاعات من الشارع (أرفق إحداها في تغريدته)، مشيرا إلى أنه ستكون هناك مراحل أخرى، "حتى يحكم الله بيننا وبينهم. وهو خير الحاكمين". 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر