كيف تبدو العاصمة "صنعاء" بعد أربعة أعوام من سيطرة ميلشيات الحوثي؟ (تقرير خاص)

[ يحاول الحوثيون تبديل هوية العاصمة صنعاء من خلال الألون وضخ الدعاية بشكل مبالغ فيه (يمن شباب نت) ]

إذا كنت ممن غادرا صنعاء عقب اندلاع الحرب الشاملة وتدخل التحالف العربي، قد تجد نفسك في المدنية التي عشت فيها وكانت العاصمة للبلاد، قد تغيرت هويتها وملامحها وطقوسها الاعتيادية التي اعتاد عليها السكان خلال سنوات ما قبل الحرب، كل شيء حولك يقول "ان مسيرة من الماضي السحيق تحكم هنا وبصماتها على كل ملامح المدينة" ستأخذ حينها زفرة حسّرة...! وتتذكر زمن ما قبل الميلشيات. بعد أربع سنوات من التدخل العسكري للتحالف.
 
تعلو "باب اليمن" شعارات الحوثيين بلافتات كبيرة غطت الجمال المعماري، وفي الليل أضواء خضراء غيرت هوية المدينة القديمة، واللون الأخضر هو الذي يطغى كل جدران الأحياء والشوارع، وتنتشر أيضاً لافتات إعلانية كبيرة تروج لعبارات لزعيم الحوثيين وشقيقة المؤسس للجماعة. لازالت مثار للسخرية في أوساط المواطنين الذين يصمتون عن التعبير عن أراءهم.
 
صور قتلى الحوثيين في كل مكان وبكافة الأشكال والمقاسات، ملصقة على الجداران ولافتات الدعايات التجارية فرادى وجماعات، وملصقة على جنابي وبنادق المسلحين الحوثيين وعلى نوافذ سياراتهم رباعية الدفع، وتوجد صور كبيرة بطول بضع أمتار مفردة لصور القيادات الحوثية الكبيرة الذين قتلوا في الجبهات، وغالبيتهم لم تعرف أسماؤهم من قبل في الاعلام. لكنهم على ما يبدوا شخصيات كان لها تأثير كبير في سير المعارك.
 
صنعاء لم تعد التي نعرفها

بالقرب من جامعة صنعاء "الأكشاك" فارغة من الصحف والكتب ومن ازدحام القراء وطلاب الجامعة الذين كانوا يملئون الرصيف للاطلاع على عناوين الصحف والكتب والدوريات المحلية والدولية، في المقابل انتشرت محلات بيع الأسلحة الخفيفة والذخيرة في معظم الأسواق وأصبحت بشكل علني ومتاحة للجميع.
 
"ع. ي. و"-بائع صحف ويملك كشك صغير- قال "صنعاء لم تعد التي نعرفها فقد توقفت كل الصحف والإصدارات التي كانت تلقى رواجاً واقبال من قبل القراء، بعد أن غادرها جميع المثقفين والصحفيين والأكاديميين الذين كانوا زبائن بشكل يومي، لم يبقى سوى المسلحين الحوثيين".
 
يجول الحوثيون فقط في الشوارع بشكل مستمر مدججين بالأسلحة على أكتافهم، وعلى جُنوبهم خزانات الذخيرة، وتظهر على ملامحهم البداوة والملابس الرثة لكن سيارتهم فاخرة -وهؤلاء هم القادمين من صعدة بعد الانقلاب- وهم أكثر من استطاعوا تغيير ديمغرافية السكان بعد ان نزح منها الكثير الذين عاشوا فيها عشرات السنين.
 
وأضاف البائع في حديث لـ "يمن شباب نت" حتى اتساخ الشوارع أصبح صفة لازمة لصنعاء وانتشار القمامة على الأرصفة والتي تبقى أيام بدون رفع، افتقدنا حتى الزي الرسمي الذي كان يرتديه عمال النظافة في ساعات الصباح الأولى" وتابع قائلاً "لم أكن أتخيل أن تتغير صنعاء بهذا الشكل أو نصل لهذا الواقع المُحبط والمثير للخوف بشكل دائم".
 
أربع سنوات على "عاصفة الحزم"

تتذكر "رشا محمد" (23 عام) اللحظات الأولى لبدء التدخل العسكري للتحالف العربي، في قصف مواقع ومعسكرات في العاصمة صنعاء فجر 26 مارس/ آذار 2015، كان الناس نائمون ويائسون وسيصبحون على يوم جديد من زمن الميليشيات وهي تتوسع في سيطرتها بعد نحو خمسة أشهر من دخول الحوثيين صنعاء.
 
وقالت في حديث لـ "يمن شباب نت" خلال الأربع السنوات الماضية تبدلت عاصمة اليمنيين وتبخرت كثير من الاحلام، بدأت حياتي الدراسية بتفاؤل وأنا الآن على عتبات التخرج بلا أي فائدة أو محصول علمي، لم نتعلم خلال الأربع السنوات وقضيناها اجازات.
 
وذكرت رشا "ان السكان بصنعاء كانوا متفائلين في بداية التدخل العسكري للتحالف في أن الحرب ستحسم سريع وسيهزم الحوثيون بأشهر لكنها طالت وارتكبت أخطاء وتركت صنعاء للحوثيين يتمددون أكثر وأكثر ويستقطبون اشخاص الى صفوفهم ويرتكبون انتهاكات بحق المواطنين".
 
وخلال السنوات الماضية استطاع الحوثيون التمدد بصنعاء أكثر وصناعة شبكة من العلاقات والمصالح مع الشركات ورجال الاعمال، مما أتاح لها السيطرة على أكبر قدر من الأموال وتحوليها إلى استثمارات تجارية أو شراء العقارات والتوسع بالعُمران من قبل قيادات حوثية رفيعة، وبهذا يحاولون تغيير ديمغرافية العاصمة.
 
واستخدم الحوثيون بصنعاء طول أمد الحرب لصالحهم، في فرض سطوة أمنية والتوسع أكثر في عملية استقطاب إلى صفوفهم، واستغلو أخطاء التحالف وضعف الحكومة الشرعية في مناطق لصالحهم، وحالة الجمود في جبهات القتال وغياب التهديدات ضدهم في الجبهات، للاسترخاء وتثبت مداميك سلطاتهم الانقلابية.
 
لون واحد وأمن خادع

يحاول الحوثيون في صنعاء إضفاء لون واحد بحسب ثقافتهم وتوجهاتهم الطائفية والسياسية حيث لا يسمح للآخرين ممارسة أي نشاط مجتمعي، - أما السياسية فممنوعة كلياً ولا صوت يعلو فوق توجيهات زعيمهم عبد الملك الحوثي - ولم يقتصر الأمر عند هذا، بل صنعوا حالة رعب عامة لدى الجميع.
 
إذا أراد شخص ان يتحدث عن وضع سيئ يمارسه الحوثيين "يوشوش" فقط لصديقة الذي يعرفه أو يثق فيه أو يرى أنه يتوافق معه في وجهات النظر، ويتجنب الحديث أما أي شخص يعتقد أن له أي علاقة بالحوثيين، لأنه سيتكبد خسارة وقدر يتعرض للاستجواب والاختطاف.
 
تقول "نورة حميد" (29عام) - وهي موظفة في قطاع خاص - في الشركة التي أعمل فيها فرض الحوثيين موظفين بالقوة على الإدارة وكل مهمتهم الوشاية بزملائهم حيث لا يستطيع أحد ان يتحدث أمامهم بأي رأي سياسي لأن أولئك الحوثيين يوجهون تهم لهم بأنهم مع العدوان وعلى هذا يمكن ان يتعرضوا لأي انتهاك بأي وقت.
 
ففي الوقت الذي يتباهى الحوثيون ان مناطق سيطرتهم فيها امن قوى، حيث استطاعوا التكتكم عن جرائم جنائية بشعة تمارس في صنعاء أبرزها القتل العشوائي في الشوارع واختطاف الأطفال والنساء، حيث لا تكاد تأمن من دخول أحد الأسواق خوفاً من أن يحدث شجار بين مسلحين وتسقط قتيلاً، وبما ان غالبية من يحملون الأسلحة هم حوثيين فالضحايا بلا عدالة. وهذه معادلة مرعبة لدى سكان صنعاء.
 

تبييض أموال وقنوات وإذاعات جديدة

تفتح مذياع السيارة وتبدأ في البحث عن الإذاعات التي تبث في العاصمة صنعاء، فتظهر عشرات الإذاعات غالبيتها حوثية وتتبعهم بشكل مباشر وغير مباشر، ما عدا قليل منها تهتم ببث أغاني وبرامج لا تتحدث عن السياسية أو مشاكل المواطنين، بالإضافة إلى ذلك تم إطلاق ثلاث قنوات فضائية وهي "الهوية" و "اللحظة" و "المسيرة مباشر" وهي تتبع قيادات حوثية.
 
وعلى الشوارع الرئيسة تتكاثر محلات الصرافة بشكل لافت، كما تزايدت وبشكل كبير المشاريع التجارية الاستثمارية في عدد من المجالات وغالبيتها تتبع قيادات حوثية، استطاعوا تكوين ثروة خلال السنوات الماضية للحرب ويسعون إلى تبييضها من خلال اشهار تجارة خاصة بهم.
 
ومن خلال هذا الاستثمار التجاري للحوثيين خلال سنوات الحرب يسعون إلى توسيع نفوذهم الاقتصادي، وإنشاء مؤسسات خدمية مدفوعة بأرباح كبير بديلة عن مؤسسات الدولة، حيث انتشرت بشكل واسع عملية الاستثمار بمحطات الكهرباء وغالبيتها مولدات كبيرة تابعة لوزارة الكهرباء تم نهبها من قبل قيادات حوثية للاستثمار، ويصل سعر الكيلو وات إلى 300 ريال يمني.
 
وهكذا تبدو العاصمة التأريخية لليمنيين بعد أربعة أعوام من سيطرة الحوثيين، وهذه صورة جزئية وعامة على التغييرات التي احدثتها الميلشيات في المدينة التي تضم نحو أربعة مليون نسمة، ويواصل الحوثيون خنق سكانها بالقمع والتهديدات والجباية واثارة الرعب. في انتظار حبل النجاة الذي على ما يبدو متعثر وبعيد المنال على المدى القريب.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر