"مياه المجاري" الطافحة في الشوارع تخنق سكان صنعاء وتنشر الأمراض والأوبئة (تقرير خاص)

[ أحد أحياء في العاصمة صنعاء بعد طفح مياة الصرف الصحي ]

روائح كريهة تنبعث هنا وهناك بشكل متتالي، وتمتلئ الشوارع بمياه الصرف الصحي حتى يكاد السكان والمارة يختنقون، وتتكدس القمامة المنثورة على أرصفة الطرقات والأحياء ويتجمع حولها الكلاب المتكاثرة، وتضيف روائح أخرى إلى جانب المجاري. هكذا تبدو أحياء وشوارع العاصمة صنعاء والتي تكتظ بالسكان الذين يتجاوزن ثلاثة مليون نسمة.
 
على مسافة بعيدة تعمل "سارة صالح" على سد أنفها عندما تجد مياه في الشارع، حيث لا تتوقع الا ان تكون مياه مجاري، ويعمل كل المارة نفس السلوك ويعقدون جباههم ويتمتمون بكلمات غاضبة، ويظهر على وجوههم "التقزز والقرف" من الروائح الكريهة التي تخنقهم. ولا تكاد تنتهي هذا المشكلة الا وتعود من جديد خلال السنوات الماضية.
 
ومن الواضح ان سنوات الحرب استطاعت ان تقضى على شبكة المجاري المهملة من الصيانة من قبل السلطات التي تسيطر على صنعاء (الحوثيين) والتي تهتم فقط بجباية الأموال لجبهات القتال ولثراء قياداتها، في الوقت الذي يلاحقون حتى مالكي المنازل والعقارات المؤجرة بالضرائب ورسوم الخدمات ومن بينها "الصرف الصحي" لكنها لا تذهب إلا لمصارف أخرى لا علاقة لها بالبنود التي من المفترض التي تصرف لها.
 
أمراض وأوبئة

رغم انتشار الأوبئة والأمراض في العاصمة صنعاء حيث كانت الأولى في نسبة المصابين بوباء "الكوليرا" بالإضافة إلى انتشار "انفلونزا الخنازير" خلال الأشهر الماضية ووفاة العشرات. بحسب ما أعلنت مصادر طبية. لكن ذلك يعد وضع طبيعي في ظل حالة التلوث التي تنتشر في الأحياء بسبب تكدس القمامة ومياه الصرف الصحي التي تسيل في الشوارع بشكل دائم.
 
"سارة صالح" (25 عام) تسكن في "حي الصافية" وسط صنعاء تقول "عدم اهتمام البلدية بالنظافة والقمامة وما يجري من خراب في المجاري ما بين الحين والآخر، هي في الحقيقة تعمل على توزيع الأمراض على السكان فكل هذه الروائح تكفي للإصابة بكل الأمراض".
 
وأضافت في حديث لـ "يمن شباب نت" أصبح السكان بصنعاء مستسلمين بشكل غريب للواقع السيئ الذي يعيشونه، حيث تنفجر مجاري مياه الصرف الصحي في أي حي وتستمر أيام على ذات الحالة، دون ان يتحدثوا للبلدية او يصرخوا بوجه السلطات ان يقوموا بمهمتهم في الاهتمام بحياة الناس".
 
وخلال الأشهر الماضية غرقت كثير من شوارع صنعاء بمياه الصرف الصحي، بسبب خراب في شبكة المجاري، وعندما تسيل مياه الصرف الصحي في الشوارع تستمر أيام وأسابيع أحياناً دون إصلاح، حيث لا أحد يكترث لصحة المواطنين رغم الخطر الذي يلحقه هذا التلوث الكارثي، والذي يخنقهم ايضاً.
 
تعطل مصالح الناس

أنور الحدائي (30 عام) يمتلك بقالة في حي هايل وبالقرب منه مياه مجاري تطفح ما بين الحين والآخر مما تسبب له كثير من المشاكل حيث لا يستطيع العمل فيضطر للإغلاق بسبب حالة الاختناق التي تتسبب به الرائحة الكريهة والتي تصل إلى نهاية الشارع. وبسبب كثرة طفحها انهارت طبقات الأسفلت.
 
يقول في حديث لـ "يمن شباب نت" لا أحد يكترث لهذه المشكلة التي نعاني منها منذ أكثر من عام يتحول الشارع إلى وباء متكامل وتغلق كل المحلات القريبة، حتى المارة في الحي لا يسلمون من أضرارها المباشرة حيث تمر السيارات تتطاير المياه الملوثة نحوهم، وعلى جدار وأبواب المحلات وصلت المستنقعات الطينة المتطايرة".
 
وذكر الحدائي "الحوثيون يطالبون منا كل شهر مبالغ مالية للنظافة والبلدية والصرف الصحي، بالإضافة إلى الضرائب والزكاة وكثير من الإتاوات لكننا لا نجد شيء على أرض الواقع كل تلك المبالغ تسير لصالحهم ولا يكترثون وعندما نطالبهم يقولون "نحن في حالة حرب".
 
ويضطر أهالي الحي والتجار في نفس الشارع للتعاون وتقاسم تكلفة الإصلاح، خوفاً من الوباء الذي يمكن أن تسبب به طفح مياه الصرف الصحي. لكن اصلاحهم لا ينهي المشكلة نهائياً، حيث تبقي فترة ومن ثم تخرب من جديد، لأن المشكلة معقدة في الشبكة بشكل كامل والتي أصبحت منتهية الصلاحية، بسبب عدم الصيانة وتوسعها بالتزامن مع تضاعف عدد السكان.
 
موسم الامطار

ومع اقتراب موسم الأمطار ستبدو المهمة أكثر تعقيداً في حالة استمر عملية الخراب في شبكة الصرف الصحي، لان الأمطار تشكل عبئ مضاعف على شبكة المجاري الهشة والتي لم يتم صيانتها منذ سنوات، بالإضافة إلى انها غير مكتملة في كثير من الأحياء الشعبية، ومع تزايد السكان والبناء خلال السنوات الأخيرة لكن لا شيء تغيير في بنية شبكة الصرف الصحي.

ففي سائلة صنعاء المحيطة بسور "صنعاء القديمة" شهدت شبكة المجاري خراب استمر لعدة أيام، حيث كان يتم إصلاحها من قبل البلدية ومن ثم تعود للانفجار من جديد وعلى هذا الحال استمرت نحو شهر، حتى تم التدخل من قبل منظمة اليونيسف والتي تعمل حالياً على صيانة شبكة المجاري هناك، قبل دخول موسم الأمطار. باعتبارها مصب لمياه الأمطار المتجمعة من غالبية مناطق أمانة العاصمة.

وفي 24 فبراير/ شباط الجاري أعلنت اليونيسف، أن الاتحاد الأوروبي ساهم بـ 10 ملايين يورو، لدعم مشروعين جديدين للتغذية، والمياه والصرف الصحي، في جميع أنحاء اليمن. وقالت في بيان لها "أن المشروع الثاني سيركز على الحد من المخاطر التي تشكلها الكوليرا والإسهال المائي الحاد ومعالجة المخاطر المرتبطة بالخدمات السيئة لنظم المياه والصرف الصحي".
 
وخلال موسم الأمطار هذا العام يتوقع أن تتفاقم مشكلة الخراب في الشوارع بسبب رداءة شبكة المجاري التي أصبحت بحاجة للبناء من جديد كلياً، بالإضافة إلى عملية صيانة بشكل كلي، وتعيش شوارع العاصمة صنعاء حالة من الخراب بسبب السيول ومياه الصرف الصحي.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر