وقفات في الذكرى الثامنة لثورة فبراير.. إرهاصات ما قبل الثورة (1 - 3)

[ حشود كبيرة من المتظاهرين المنادين بإسقاط نظام الرئيس الراحل "صالح" بميدان السبعين بالعاصمة صنعاء/ تصوير محمد العماد ]

  
حتى يمكن النظر في مسار ثورة 11 فبراير وثورات الربيع العربي عمومًا، ومئال تلك الثورات، يجب وضع الثورة، باعتبارها حدثا تاريخيا فارقا، في سياق العوامل المحيطة بها، والعوامل التي فجرت شراراتها الأولى، والتحديات التي تواجهها، وكذلك طبيعة القوى والنخب الحاملة لمشروع التغيير.
 
 وانطلاقًا من هذه المحددات يمكننا تقييم الثورة ومآلاتها بشكل مجرد..
 

وضع اليمن قبل فبراير
 
إن تعريف أوضاع ما قبل الثورة في اليمن، وفي المنطقة العربية ككل، يعد أساسا مهما لفهم لماذا انطلقت شرارة ثورات الربيع العربي؟ وما طبيعة الأنظمة التي ثارت عليها الشعوب؟ ولماذا سيطرت فكرة التغيير، وجذبت أعدادا كبيرة وقطاعات واسعة، مما جعل كل تلك الجماهير تشارك في مطلب التغيير، بصورة غير مسبوقة في نضالات الشعوب على امتداد التأريخ؟!
 
وهنا نسرد بعض تلك الإرهاصات السابقة للثورة الشعبية، والإرهاصات الرئيسية الكبرى التي مهدت لها وجعلت من الثورة فعلا شعبيا ضروريا لإحداث التغيير: 
 

  • أزمة النظام البنيوية
 
 في اليمن، ومنذ ما قبل 2011، كانت الحياة السياسية شبه معطلة، وكان النظام هو التجسيد الأبرز لحالة العبثية السياسية في طريقة إدارته للبلد. كان كل شيء جاهزا للانفجار، ولم يتبق سوى هامش عبثي تحاول المعارضة فيه دون جدوى..
 
وفي الجانب المعيشي والعجز الإجرائي؛ كان الفساد السياسي والاقتصادي يعصف بالنظام على كل المستويات، لدرجة عجزه كليّا عن تجاوز أزماته الداخلية. وكل محاولاته التطبيبية أثبتت فشلها. وبدى واضحًا أن الأزمات المركبة في البلد، تكشف عن أزمة بنيوية في النظام، لم يعد بالإمكان ترقيعها بعد أن استنفذ مقومات بقائه.
 
في تلك الأثناء كان المجتمع الداخلي يغلي بصمت، وكانت الأوضاع تتفاعل لتنتج شروط ثورة ستنفجر لاحقًا، في لحظة تقاطعها مع غليان الشارع العربي ككل.
 
والحال هذا، وبدلًا من أن يستجمع النظام شجاعته ويطرح حزمة من الإصلاحات الجوهرية لتخفيف حدّة الاحتقان ويدشن بداية جديدة، خرج مسؤولون رفيعون فيه بتصريحات مستفزة، تضاعف أزمته الداخلية أكثر. وبالتحديد نذكر هنا، تصريح رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم آنذاك، سلطان البركاني، حول تعديل الدستور لـ"تصفير عداد" فترة رئاسة صالح المنتهية.
 
بالطبع، كان هذا الإجراء إعلانا، غير حصيف، عن نوايا النظام لتأبيد نفسه في الحكم، وبالضرورة: التمهيد لتوريثه.
 
وبالمجمل، شكلت تلك التصريحات تعبيرًا صارخًا عن هزلية اللعبة بكاملها، وكاشفًا لعقلية النظام وطريقة تفكيره الكارثية، والأفق المظلم الذي ينوي إدخال البلد فيه. الأمر الذي ضاعف احتقان الشارع والنخبة السياسية المعارضة، لتكتمل عناصر الانفجار الشعبي، وتولد الثورة.
 
  • إهدار مصالح الأغلبية
 
عانت المنطقة العربية من الاستعمار الخارجي لقرنين من الزمان، والذي تبعته أنظمة حكم مستبدة أصبحت وريثة الاستعمار ودولته؛ بل ووريثة سياساته ونهجه. وبهذا تشكلت منظومة الدولة المستوردة والتابعة، والتي تخدم مصالح الطبقة الحاكمة والقوى الخارجية المهيمنة على حساب مصالح الشعوب المقهورة.
 
وفي اليمن، كان نظام صالح، بالطبع، هو الوريث الأخير لحكم الإمامة وحكم الاستعمار البريطاني معًا. وكان هذا النظام عبارة عن مركب ذو إطار ديمقراطي فارغ ومضمون حكم ديكتاتوري مستبد.
 
والمعروف أن أي حكم مستبد، يمكن أن يحقق مصالح فئات واسعة من المجتمع في مرحلة من المراحل. كما يمكن أن يحشد الجماهير خلف بعض القضايا الحقيقية أو المصطنعة، ثم يتحول هذا الحكم المستبد تدريجيًا، إلى حكم الأقلية، التي تهدر مصالح الأغلبية.
 
هكذا يتواكب الحكم المستبد مع الفساد، حتى يصبح تحالف الاستبداد والفساد هو المهيمن على السلطة والثروة والاقتصاد، وهو الحائز على النفوذ والفرص. وهو ما يجعل الحكم المستبد يتحول إلى حكم شبكة من المحسوبية والأقلية التي تهدر مصالح الأغلبية. الأمر الذي يخلق حالة من الاستياء والتململ، وينتهي باحتجاج اجتماعي من مستويات مختلفة، وصولًا إلى انفجار شامل، يشبه كثيرًا انفجار 11 فبراير في البلاد.
 

اللحظات الأخيرة قبل الانفجار
 
في يناير 2011، كانت المعارضة تخوض حوارًا عسيرًا مع النظام القائم، فيما كان النظام يحاول الهروب من أزماته الداخلية عبر الحديث عن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية دون إصلاح الاختلالات الحاصلة في النظام الانتخابي، الذي كانت تطالب به المعارضة. وبالطبع كانت الفترة الزمنية، التي تم بموجبها تأجيل الانتخابات البرلمانية عام ???? لمدة سنتين إضافيتين، قد شارفت على الانتهاء..
 
رفضت المعارضة إجراء أي انتخابات قبل تنفيذ الإصلاحات، كون الذهاب لانتخابات بنفس النظام لن يعني أكثر من إعادة شرعنة للنظام الحالي، والسماح له بإعادة إنتاج نفسه. وهكذا ظلت الأمور تراوح مكانها، ولم يكن النظام قادرا على استشراف ما يتخلق في الأفق.
 
إلى جانب هذا، فالعقلية السياسية التي كانت تدير البلد لم تكن جادة في البحث عن حل لمأزق النظام، وظلت تعمل بذهنية المراوغة ولعبة المد والجزر مع المعارضة، إلى أن يئست المعارضة. وفي الوقت الذي بلغ فيه الغليان ذروته، ومع تداعي الشعوب إزاء شرارة الاحتجاجات في تونس ومصر، كان الشعب اليمني في أعلى جاهزيته للانفجار، لتدخل البلد- بعدها- طورا تاريخيا جديدا، لم تعد معه سياسات الترقيع ممكنة، ولا مراضاة النظام تجدي نفعا.
 
ومن هنا، بدأت مفاعيل اللعبة تتغير بكاملها، بعد أن تجاوزت أحلام الشارع كل عروض النظام، وارتفع سقف مطالبه إلى الدعوة لرحيله بالكامل.

وتلك بداية ثورة فبراير 2011..
 
يتبع.. الجزء الثاني: "في خضم الثورة"
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر