هل تنجح موجة الضغط الأمريكي بإنهاء الحرب في اليمن؟ (تقرير خاص)

[ مقاتلين من الجيش اليمني على تخوم محافظة الحديدة (أرشيف) ]

 بشكل مفاجئ ومثير للاهتمام، توالت الدعوات الأمريكية والدولية المطالبة بضرورة إنهاء الحرب في اليمن، على وقع تداعيات مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول في الثاني من أكتوبر الماضي.
 
فقد اتجهت مواقف المشرعين الأمريكيين، وكذا الصحف الأمريكية والأوربية، إلى اعتبار جريمة قتل "خاشقجي"، تشكل "فرصة متاحة الآن" من أجل الضغط على المملكة لإنهاء الحرب في اليمن. باعتبارها باتت تشكل أكبر مأساة إنسانية على مستوى العالم في الوقت الراهن.
 
وفي السياق، ذكرت وكالة بلومبيرغ الأميركية أن الولايات المتحدة تزيد من الضغوط على السعودية من أجل تخفيف حصارها المفروض على دولة قطر ووقف الحرب التي تشنها على اليمن.
 
وتدعم واشنطن حلفائها السعوديين والإماراتيين في التحالف الذي يقود حربا عسكرية في اليمن منذ مارس/ آذار 2014، لإنهاء الانقلاب الذي قام به المتمردون الحوثيون ضد السلطة الشرعية المعترف بها دوليا.
 
وحيث توشك هذه الحرب المأساوية على نهاية عامها الرابع، حذرت الأمم المتحدة عبر وكيل الأمين العام للشئون الإنسانية، من أن اليمن في طريقها إلى أكبر مجاعة يشهدها التاريخ بدء من العام القادم.
 
 
واشنطن تريد وقف الحرب
 
وأفتتح وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، موجة الدعوات المطالبة بوقف الحرب في اليمن، حين دعا في 28 أكتوبر/ تشرين الأول- من مؤتمر المنامة (عاصمة البحرين) المخصص للأمن الدولي والإقليمي- إلى ضرورة إيقاف الحرب في اليمن، والبدء بالدخول في تسوية حقيقية لإنهاء المأساة التي تزداد سوء يوما بعد آخر.
 
وقال ماتيس: "لقد تم أهدار ما يكفي من الوقت على القضايا الثانوية؛ والأن حان الوقت للمضي قدمًا في وقف هذه الحرب. ويجب أن نبدأ في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني (الجاري)، في التفاوض حول القضايا الجوهرية، مشددا على أن "التسوية يجب أن تحل محل القتال، والناس يجب ان يحظوا بالسلام". مع أنه في الوقت ذاته، أكد على أن بلاده ستستمر في دعم حلفائها في حرب اليمن.
 
ولم يمضي سوى يومان فقط، حتى عزز ماتيس تلك الدعوة بدعوة أخرى رديفة. وقال، في ندوة عقدها معهد واشنطن للسلام العالمي في 30 نوفمبر، إنه "في غضون ثلاثين يوما من الآن، نريد أن نرى التفاف كافة الأطراف حول طاولة سلام يرتكز على وقف إطلاق النار، والدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الحرب".
 
في إثر ذلك توالت الدعوات المشابهة بخصوص الحرب في اليمن. فقد أعقبه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، يوم أمس الأربعاء 31 أكتوبر/تشرين أول، بتوجيه دعوة إلى كافة الأطراف بوقف فوري للأعمال القتالية في اليمن.
 
وقال بومبيو: "نعتقد بأن المناخ مناسب للمضي قدما في محادثات السلام لإنهاء حرب اليمن، ويتعين على الحوثيين وقف إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة صوب السعودية والإمارات على أن يوقف التحالف الذي تقوده الرياض بعد ذلك الضربات الجوية".
 
وأيدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، الأربعاء، الدعوة الأمريكية لوقف الحرب في اليمن.
 
وقالت "نحن بالتأكيد نؤيد الدعوة الأمريكية لوقف التصعيد في اليمن، ويظل هذا موقفنا الذي نتمسك به"، مضيفة "وقف القتال لن يتحقق إلا بوجود اتفاق سياسي بين الأطراف المتحاربة".
 
وسبق ذلك موقف فرنسي مشابه، على لسان وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي. والتي أكدت هي الأخرى أن باريس تمارس ضغوطًا من أجل الوصول إلى حل سياسي في اليمن.
 
وقالت الوزيرة لإذاعة "BFMTV" الفرنسية، الثلاثاء الماضي، إن "فرنسا تمارس ضغوطًا بالتعاون مع الأمم المتحدة لكي يتم التوصل إلى حل سياسي في اليمن، لأن الحل العسكري لن يؤدي إلى أي مكان".
 
 
لا تنازل عن المرجعيات
 
أكثر من ذلك، كان وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، قد حدد معالم الحل الذي تنشده أمريكا في اليمن.
 
وقال في معرض رده على الصحفيين عقب كلمته في مؤتمر المنامة، إن صيغة الحل للأزمة اليمنية، تتضمن إقامة منطقة منزوع السلاح- ويقصد بذلك بين اليمن والسعودية- وسحب السلاح الثقيل من الحوثيين، ومنحهم حكم ذاتي في شمال اليمن.
 
وأثارت تلك المعالجة الأمريكية، المعلنة لأول مرة، ردود فعل محلية، تمثلت أبرزها برفض تجاوزها لمرجعيات الحل الثلاث التي أقرها مجلس الأمن الدولي. وهي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية (2011-2012)؛ ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني (2012 – 2013)؛ وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
 
وفيما يشبه الرد غير المباشر على ما تضمنته معالجة ماتيس، أكد نائب رئيس الجمهورية اليمني، الفريق الركن علي محسن صالح، خلال لقائه أمس الأربعاء بوزير الخارجية اليمني بالرياض، على حرص الشرعية بقيادة الرئيس هادي، على إحلال السلام الدائم، المبني على المرجعيات الثلاث، وعدم التنازل عن أي منها؛ بما يحقق إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة اليمنية.
 
وأضاف الفريق الأحمر، إن "المعركة التي يخوضها اليمنيون اليوم بدعم الأشقاء في التحالف هي حرب دفاعية فرضتها الميليشيا الانقلابية واقتضتها ضرورة الموقف ومستوى التهديد الذي تشكله جماعة الحوثي على مرجعيات اليمنيين وأمن اليمن والمنطقة".
 
وعلى مستوى ردود الفعل الخارجية والإقليمية، علق الأكاديمي الإماراتي المقرب من سلطة أبو ظبي عبد الخالق عبد الله، على دعوات الأمريكية لإنهاء الحرب في اليمن، عبر تغريدة على صفحته بتويتر، قال فيها: "تفضلوا أقنعوا الجماعة الانقلابية الحوثية بالانسحاب من صنعاء وإلقاء السلاح وعودة الشرعية كما ورد في القرار الأممي 2216".
 
وأضاف عبدالله "في المقابل سيحصلون (أي الحوثيين) على حصتهم وأكثر في الحكومة اليمنية، ووعد باستثمارات خليجية ودولية سخية لتطوير مناطقهم".
 
ويرى مراقبون، يمنيون وخليجيون، أن الدعوات الأمريكية والأوروبية المتتالية لوقف الحرب في اليمن، والدخول في مشاورات سياسية من أجل التوصل لحل سياسي، على ضوء الضغط التي تتعرض له السعودية بشأن قضية "خاشقجي"، سيصب في مصلحة المليشيا الانقلابية.
 
أجندة المفاوضات
 
ولم يصدر حتى الأن موقف رسمي من السعوديين وحلفاؤهم الإماراتيين على الدعوات الأمريكية.
 
لكن ماتيس، كان أكد في حديثه مع الصحفيين في مؤتمر معهد واشنطن للسلام، على أنه يضمن مواقف الجانبين السعودي والإماراتي.
 
وبالنسبة للحوثيين، فقد تناقلت وسائل إعلامية محلية ودولية ما يؤكد رفضهم لعرض ماتيس المقدم للحل، إلا إنه لم يصدر منهم أي موقف معلن بشكل رسمي، حتى اللحظة.
 
في غضون ذلك، رحب المبعوث الأممي "مارتن غريفيث" بالدعوات للاستئناف الفوري للعملية السياسية، ووقف ما وصفها بـ"الأعمال العدائية في اليمن" وذلك من خلال عقد جولة جديدة من المشاورات في دولة أوروبية خلال شهر نوفمبر القادم.
 
وقال إن "المشاورات السياسية القادمة ستعمل على تدابير بناء الثقة بين الحكومة والحوثيين، وتتضمن على وجه الخصوص، تعزيز قدرات البنك المركزي اليمني، وتبادل الأسرى، وإعادة فتح مطار صنعاء".
 
وأضاف "أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للصراع، وعلى جميع الأطراف المعنية اغتنام هذه الفرصة للانخراط بشكل بناء مع جهودنا الحالية لاستئناف المشاورات السياسية على وجه السرعة، من أجل التوصل لاتفاق على إطار للمفاوضات السياسية وعلى تدابير لبناء الثقة".
 
ويبقى السؤال الأسهل والمتكرر منذ أخر مفاوضات في الكويت قبل عامين: هل ينجح الضغط الأمريكي هذه المرة في التئآم طاولة الحوار المزمعة أواخر هذا الشهر، والتي يرجح أن تكون في دولة السويد؛ ومن ثم- ثانيا؛ في إيصال المفاوضات إلى تحقيق تلك الأهداف المشمولة في أجندة المبعوث الأممي؟
 
أما السؤال الأسوأ، فهو: في حال لم تلتئم طاولة الحوار، أو لم تحقق المفاوضات أي اختراق جديد لإنهاء الحرب، فما هي الخيارات البديلة أو المتاحة أمام واشنطن والمجتمع الدولي؟ 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر