في إطار الحرب الدائرة باليمن، منذ مارس/ آذار 2015، يأتي استهداف معسكر تابع لجيش السلطة الشرعية، في منطقة العبر بمحافظة حضرموت، بضربة مزدوجة (هجمتان فأكثر) من قبل طيران التحالف العربي لدعم الشرعية باليمن، في يوليو/ تموز 2015، ليمثل أحد أبرز وقائع ما يعرف بـ"النيران الصديقة" وأكثرها دموية خلال هذه الحرب؛ حيث قضى فيها ما يزيد عن تسعين جنديا وضابطا، فضلا عن الجرحى، وذلك ضمن سلسلة طويلة من الغارات الموصوفة- مجازا- بأنها خاطئة، سواء ما وقع منها قبل هذه الحادثة أو بعدها، وصولا إلى آخر استهداف- والمقال هذا يكتب- الذي طال ثكنات للجيش في جبل العروس في محيط مدينة تعز، أواسط نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري 2017.
 
ما يجدر ذكره- هنا- أن مفهوم "النيران الصديقة"؛ تعني: نيران الأسلحة، التي تطلقها قوات ما، على قوات تقع ضمن تشكيلاتها، أو قوات حليفة لها، فتعرضها للضرر، أياً كان نوع الضرر أو حجمه. لكن المؤسف أن هذا التوصيف قد يستغل لإزهاق أرواح قادة ومقاتلين، بناء على حسابات ضيقة ذات صلة بأهداف الحرب ونتائجها الموجهة، وفي إطار أي من أطراف الحرب، ويحكمها في الغالب أجندات خفية ومتناقضة أشد التناقض، فضلا عن ما يترتب على ذلك من تدمير للعتاد والمنشئات العسكرية، وغمط لحقوق الضحايا، وتغييب للحقائق.
 
كما يجدر الإشارة إلى أن هذه الوقائع، تختلف تمام الاختلاف عن الاستهدافات الخاطئة الموصوفة بـ"الأضرار الجانبية"، التي يحدثها أي طرف في صفوف المدنيين والأعيان المدنية في الجانب المقابل؛ حيث يلزم في هذه الحالة معالجتها وفقا لما تحدده المبادئ الدولية المعتمدة، بواسطة ما يعرف بـ"جبر الضرر" المتمثل برد الحقوق، والتعويض، وإعادة التأهيل، والتسوية المالية، وضمانات عدم التكرار.
 
في كافة الغارات الجوية، التي استهدف بها طيران التحالف مواقع عسكرية تابعة للجيش الوطني، لم يحصل أن اعترفت قيادة التحالف بواقعة واحدة منها، بوصفها خطأ، بل عادة ما يبرر ذلك بأنها تمت وفقا لمعلومات ميدانية يجري تحليلها ومن ثم اتخاذ القرار بشأنها، وهو ما يعد محاولة بائسة للتملص من المسئولية، التي لا مجال- أساسا- للإفلات منها، سواء في حالة الإقرار، أو الإنكار، أو التزام الصمت؛ لأن المسئولية- في هذه الحالة- تضامنية بين كل مكونات التحالف، بما في ذلك قيادة السلطة الشرعية، كل بقدر مساهمته في ذلك.
 
أياً كان الضرر الناشئ عن الضربات الخاطئة أو النيران الصديقة، فإنه يجري معالجة آثارها في إطار كل طرف على حدة؛ لأن المسألة تخصها ذاتها، ولا تخص الطرف الآخر في الخندق المقابل، لكنه قد يستغلها، سياسيا، وإعلاميا، للنيل من خصمه المتسبب في ذلك، خاصة إذا لم يلق أقرباء الضحايا وملاك الأعيان أي التفاتة، كما هو واضح في الحالة اليمنية، التي يتغاضى فبها التحالف عن الكثير من ضحايا النيران الصديقة في صفوف قوات الشرعية اليمنية تحديدا، أو ما قد يطال المدنيين منها، ومن ذلك مثلا: ضحايا معسكر العبر، وجبل العروس. ففيما لم يجر معالجة ضحايا الحالة الأولى منذ أزيد من عامين، فإن ضحايا الثانية من عسكريين ومدنيين قضوا بفعل غارة جوية، وما تعرضت له أعيان مدنية، كل ذلك لم يجد- حتى الآن- ما يبعث على الطمأنينة بالإنصاف.
 
إن من المهم القول- هنا- إن ما تخلفه النيران الصديقة في صفوف العسكريين، لا تنظر إليه الهيئات المعنية بتطبيق القانون الدولي الإنساني المعني بمسائل الحروب والنزاعات المسلحة؛ لأنه مسألة تخص الطرف، الذي وقع فيه الاستهداف، لكن ذلك لا يعني ضياع الحقوق، ويمكن لذوي هذه الحقوق اللجوء إلى القضاء، والتصعيد الإعلامي في حال قوبل ذلك بالمماطلة أو غمطت حقوق ضحاياهم. كما أن عليهم عدم التعويل على فريق الخبراء المعني باليمن، التابع لمجلس الأمن، والمنشأ بالقرار 2140 (2014)؛ لأنه لا ينظر- ضمن مهامه-  إلا في ما يحدثه كل طرف في الحرب في الجانب الآخر من تجاوزات تنتهك القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وذلك ما لا يشمله ما سبق من وقائع النيران الصديقة؛ ولذلك لم يتطرق تقريرا الفريق المشار إليه، لعامي 2015 و2016، إلى أي من ضحايا النيران الصديقة.    
 
يبقى الإيضاح- أكثر- إلى استغلال النيران الصديقة في تصفية الحسابات السياسية، في إطار أي من الأطراف المتحاربة، وبالتحديد ما يجري في الحرب الدائرة باليمن، وعلى وجه الخصوص- كذلك- طرف التحالف ومعه السلطة الشرعية، التي صعد الإعلام المساند لهما هذه القضية وتداولها بشكل واسع؛ نظرا لما تمثله من أهمية في الحفاظ على تماسك قوى الشرعية، التي تتكون من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية. وعادة ما كان الاتهام يوجه نحو الطيران الحربي الإماراتي، بدلالة هوية الأهداف، التي تعرضت للضرب، مثل: معسكر العبر، وثكنة جبل العروس.
 
على كال حال، فإن التحالف يمثل كتلة واحدة، ولا يمكن تجزئتها -عمليا- إلى جانب سعودي وآخر إماراتي، كما لا يمكن عزل السلطة الشرعية عن ذلك، فالكل يعمل تحت قيادة واحدة، بما فيها التنسيق والتعاون في مجال المعلومات، التي على ضوئها تشن الغارات، لكن، ونظرا لتعقد المشهد، والاحتقان الظاهر بين بعض قوى الشرعية وبعض دول التحالف، فإن أصبع الاتهام يشير-دائما- إلى الجانب الإماراتي، الذي يتبنى -صراحة- موقفا معاديا تجاه قوى فاعلة في السلطة الشرعية، وهي قوى ثورة 11 فبراير/ شباط 2011، بمكونها السياسي والقبلي والفكري- الديني، وهذه القوى-دائما- محل الاستهداف؛ لأنها تعارض انحراف الدور الإماراتي في الحرب، الذي سلك طريقا مغايرا للأهداف المعلنة لتدخل التحالف، التي يندرج فيها إعادة الشرعية، وضمان وحدة اليمن، وسلامة أراضيه، واستقلال قراره.
 
أمام غموض ما يجري- إذا ما تجاوزنا الاتهامات السابقة- ما الذي يجب فعله، حتى لا تتكرر مثل هذه الأحداث، وكذا تقرير الحقوق لأصحابها؟
 
الحقيقة أن في الأمر صعوبة بالغة؛ لأن الطعنات، التي تأتي من الجهة، التي يؤمن شرها، عادة ما تكون غير قابلة للتفادي؛ وبالتالي فإن الحيطة هي أكثر ما يمكن القيام به، خاصة في مناطق تموضع القوات، التي يكون التباين فيها واضحا بين مكوناتها، أو بينها وبين ما يمكن أن تكون حليفة، فضلا عن عدم الوثوق من أي نشاط في الجو، والاعتقاد أن الاستهداف وارد.
 
أما على صعيد حقوق الضحايا، فإن هذه الحقوق لن تسقط بالتقادم مطلقا، وحتما ستحل في سياق المعالجة الكاملة لتبعات الحرب، لكن ليس في الأمد القريب، كما أن التصعيد الإعلامي والحقوقي، خياران مناسبان ومترادفان للوصول إليها، في ظل إعراض قيادة التحالف وقيادة السلطة الشرعية عن الإيفاء العاجل بهذه الحقوق، التي هي-كذلك- حقوق لذويهم، الذين أصبحوا ضحايا فقدان من كانوا سندهم لمواجهة أعباء الحياة، مع ما خلفته الحرب من تداعيات اقتصادية أكلت الأخضر واليابس.

باحث يمني في الشؤون الاستراتيجية

حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت"   ©2017

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر