قبل أشهر، رأيت جوار مرآة سائق الباص، صورة لهوية شخصية لشخص بدا لي أنه معروف. لأن الوقت كان قبيل المغرب؛ حاولت أدقق النظر من الكرسي الخلفي لقراءة اسم صاحب الهوية، قلت للسائق: لو صاحب البطاقة اسمه عادل فأنا أعرفه. نزع السائق البطاقة من جوار المرآة وناولني إياها لأوصلها لصاحبها، كان بالفعل هو عادل، قال صاحب الباص أن الهوية سقطت من أحد الركاب ووجدها في الكرسي قبل أسبوع. 
 

صاحب صورة الهوية، هو عادل الياسري، عضو المجلس المحلي عن الدائرة 57 المركز ح، قريتنا قريبة من قريتهم، سوقنا واحد، وعادل شيخ نبيل وإنسان متواضع وخدوم، لذا هو شخصية معروفة عند معظم أبناء المنطقة المشتركة بين مديريتي التعزية وشرعب السلام. 
 

جلست مع أحد أبناء عشيرته، كلمته عن البطاقة، لكنه أخبرني أن الشيخ عادل في الهند منذ أكثر من شهر، من الذي أسقط صورة البطاقة في الباص إذن؟ لا يهم. ماذا يفعل عادل في الهند؟ يعالج ابنه الوحيد الذي جرح في إحدى جبهات مدينة تعز. نحتاج هنا لبعض التفاصيل، لنعرف عظمة هذا الإنسان، وشموخه، ووطنيته أيضاً.   
 

يعد الشيخ عادل، من الرجال النشطين في المنطقة، الساعين في مصالح الناس والصلح بينهم، ربما هذا القرب هو الذي جعله كمرشح للإصلاح للمجالس المحلية، يفوز في المديرية عن المركز، بينما فاز مرشح المؤتمر عن المديرية في ذلك الوقت في نفس المركز. حتى المؤتمرين أنفسهم آثروا انتخاب عادل على انتخاب مرشحهم المحترم هو الآخر. 
 

من قبل ذلك الوقت وبعده، كان عادل ممثلاً للجميع ومقرباً من الجميع، يقف أمام المخطئ ولو كان قريبه ويبذل جهده لقضاء حوائج الناس قدر استطاعته، ظل على هذا الطريق حتى اندلعت الحرب وانتفشت مليشيا الحوثي في اليمن، فحمل أبو عز بندقيته وجمع الرجال للمواجهة. 
 

في 2015 استشهد شقيقه قيس في إحدى هجمات المقاومة على المليشيا في الستين، وإثر ذلك بدأت المقاومة تخف تدريجيا في المناطق الريفية شمال المدينة نتيجة انعدام خطوط الإمداد علاوة على حسابات عسكرية تتعلق باحتياجات الجبهة لقوة بشرية هائلة على جغرافيا ليست استراتيجية. 
 

على امتداد سنوات ظل عادل شغله الشاغل مواجهة الحوثي رغم اقتراب المليشيا من القرى وتجوالهم في المنطقة. ذات يوم ترصده الحوثيون واختطفوه من الطريق وزجوا به في المعتقل سيء السمعة المعروف بمدينة الصالح، وهناك تعرض لصنوف التعذيب، لم تسلم حتى أظافره، وبعد فترة خرج عادل في عملية تبادل. 
 

خرج عادل رافع الرأس إلى جبهات المدينة، لم يوقفه من التحرك في ميدان المعركة غير إصابة ابنه الوحيد، الصديق عزالدين في الجبهة الغربية، إصابة عز شلت حركته فظل والده يداويه داخل تعز لفترة، قبل أن يسافر به إلى الهند التي استنزفته.  
 

لم يتذمر عادل من الإهمال كما لم يستنجد بأحد أو بجهة لمعالجة ابنه الوحيد عز. سمعت أنه باع معظم ممتلكاته، وصل الأمر لبيع جنبيته وسلاحه الشخصي: المسدس والآلي لاستكمال العلاج. قبل أيام فرحت حين رأيت مقطع فيديو لعز وهو يتمرن بصعوبة وبمساعدة مستلزمات يمسك بها ويخطو ليستعيد حركته تدريجياً بإذن الله، وفي نفس الوقت سمعت أن عادل ينوي العودة من الهند بسبب الاستنزاف المادي المنهك!.  
 

فقدان أخ عزيز، وتعذيب قاس تعرض له، وإصابة خطرة حلت بابنه الوحيد، والحالة المادية التي وصل إليها، كل ذلك لم يخلخل معنويات عادل وعزيمته القوية، أرى تعليقاته في الفيسبوك بما يتعلق بمعركتنا كيمنيين مع مليشيا الحوثي، وأدرك شجاعة هذا الإنسان ولماذا يحبه الناس. 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر