لا يؤمن صناع المسلسلات التلفزيونية في اليمن، بالمؤلف؛ وأكبر دليل على ذلك أن تشاهد ستة تترات لستة مسلسلات ولا تجد مؤلِّفاً كتب عملاً بمفرده، حتى يُلام على فشل القصة وفكرتها من الأساس.
 
حتى المسلسل الذي استعان صناعه، بواحد من أشهر كتاب القصة والرواية في اليمن، لم يكن المؤلف صاحب الفكرة، وأبى المنتج الذي كان هو نفسه المخرج، إلا أن يكون مع آخرين ضمن كُتّاب المسلسل.  
 
الجميع يزاحم الكاتب، إما فكرة أو تأليفاً، أو معالجة أو حواراً، وصولاً إلى نتائج تخالف منطق القص. المنتج، المخرج، صاحب القناة، الممثل، وبن خالة المصور، وبنت عمة الكوافيرة، وصاحب الجبن، وآخرون لا تعرف أسماءهم ولا صفاتهم، الجميع يتسللون إلى النص بغرض خدمته فنياً كما يقولون، وحين تخرج القصة معتلة، يلتفت الجميع إلى الزاوية حيث يجلس المؤلف شارداً بديونه متلقفاً نظراتهم المزدرية وتعليقات المستهزئين.  
 
الشكل الذي ظهرت به الدراما اليمنية  في الموسم الرمضاني الأخير، ينبي أن صناع القصة التلفزيونية يستغلون حاجة المؤلف لشرعنة مايريدونه هم، يقترحون أحداثاً ويعجبون بها، ولا يجد المؤلف سبيلاً إلى رفضها حتى لا يجد نفسه خارج القصة وعائدها المادي الضعيف الذي يتقاسمه المؤلف مع المتدخلين في النص بما في ذلك بنت عمة الكوافيرة وصاحب الجبن إن خطر على رأسه هاجس وظنه المؤلف عاموداً من أعمدة صناع القصة!.
 
لسنا ضد التعديلات والمقترحات والأفكار والمعالجة، وكل ما يخدم القصة التلفزيونية فعلياً، ولكن ذلك كله لا معنى له، إذا لم تتوفر الأجواء المناسبة للمؤلف، ليكتب عمله الإبداعي بحرية ويقارن بين التفاصيل التي كتبها هو، والمقترحات التي يطرحها صناع العمل والقريبين منه، ويعلن عن رؤيته بلا خوف.
 
القصة خيال، والكتابة تقنيات.
 
والمؤلف يبذل جهده الذهني ليُدر خياله أحداث القصة، ثم لا ينفك أن ينغمس في بطون الكتب لاستخراج النظريات والتقاط القواعد التي تساعد في تطوير عمله ـ ليس بالضرورة أن يبدو أمامكم ألمعياً غاص في الفلسفة والمنطق ليخرج بترتيب هيجيل للقصة وفق منطق الدعوى ونقيض دعوى والنتيجة المركبة، ويحاجج الآخرين بصواب ما يقوم به..
 
من برأسه فكرة، ليطرحها للمؤلف، ويترك له المساحة اللازمة للإبداع، وسيتصرف بها..  
 
من برأسه مقترحاً أو تعديلاً يطرأ قبل أو أثناء أو بعد كتابة النص، فليناقشها مع المؤلف، فَرُبّ تفصيلة أُزيلت في المشهد 8، كانت ممهدة لتفصيلة في المشهد 128 لم تُحذف، فسببت عيباً وجلبت فضيحة!.
 
وبلاش الاستهزاء من جملة في حوار، أو تسخيف لأحد المشاهد للانتقاص من الكاتب..
 
تحت وطأة الخوف من صناع العمل، وحاجة المؤلف في اليمن، تضيع شخصيته، ويبدأ يهز رأسه لكل من أراد أن يضيف شيئاً أو يحذف شيئاً من النص، مع أنه قد يمتلك حجة تثبت قوة المسار الذي اختاره ومنطقية الأحداث التي كتبها، ولكنه لا يجرؤ على الجهر بذلك خوفاً من التورط بدَينٍ تزايد للمقوت أثناء كتابة التفاصيل الأولى!.
 
يرى سد فيلد، وهو المرجع الأول لكتابة السيناريو، أن كاتب النص يعيش على عمل واحد في السنة، بمعنى أنه يتفرغ سنة كاملة لكتابة عمل إبداعي محترم، على أن المقابل المادي الذي يحصل عليه، يكفيه ليعيش سنة على الأقل. السنة هذه، تعتبر حدًا أدني، لكتابة عمل يتضمن التفاصيل الدقيقة، أما الأجر المناسب، فغرضه إبعاد الكاتب عن أي هم يؤثر على كتابة القصة التلفزيونية/ الفيلم السينمائي.
 
وقرأت حواراً للكاتب المصري الشهير، أسامة أنور عكاشة، يطالب فيه أن يتساوى أجر كاتب السيناريو، مع أعلى أجر يحصل عليه الممثل النجم في العمل.
 
القصة الإبداعية، تحتاج إلى أحداث ووقائع وتقاطعات، وخيال يربط بينها، تحتاج اهتماما بأدق التفاصيل وانتباهاً لكافة المسارات الرئيسية والفرعية للشخصيات، تحتاج حبك فرعية تتجدد في كل حلقة لضمان جذب المشاهد إلى الحبكة الرئيسية للقصة، وتحتاج ألف تفصيلة وتفصيلة، وهذا كله يحتاج لمؤلف مبدع يحتاج وقتاً طويلاً، لا استدعاء عاجلًا من ستة أشخاص يقولون أحداثاً ويُعجبون بها، ويهز المؤلف لهم رأسه.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر