إحالات الدراما والكوميديا


سلمان الحميدي

 يتضمن مسلسل بنات غيلمور، درامي كوميدي أمريكي، ما يزيد عن ثلاثمائة اقتباس.
 
روري، الفتاة المحبة للدراسة والتي تعيش مع أمها، تعشق الكتب، نعم؛ ولكن الإحالات التي يتضمنها المسلسل لا تأتي على لسانها روري فقط، تأتي على ألسنة الآخرين أيضاً.
 
وبالطبع، لا تغطي الاقتباسات عيوب العمل، ولكنها تظهر قدرة الكاتب على تكوين الشخصية، وثقافتها، ولغة حوارها سواء في الكوميديا أو الدراما.
 
وإلى جوار الاقتباسات التي تظهر في الحوار، يتم توظيف الأمثال أيضاً.
 
في مسلسل "الخربة" كوميدي/ سوري، وهو من تأليف الدكتور ممدوح حمادة مؤلف المسلسل المعروف "ضيعة ضائعة"  تحيلك الشخصية التي تؤديها شكران مرتجي إلى الأمثال الشعبية، وأحياناً تضطر لصناعة مثل يبدو كأنه من الموروث الشعبي ولكن يتبين أنه "شغل ساعته عمي، شغل ساعته".
 
ولا تقتصر الإحالات على الاقتباسات، أو الأمثال الشعبية. في الكوميديا تأتي تقنية التلاعب بالكلمات، وهي بتعريف ميلفن هيلترز: «لوي للرواسم المعتادة والملاحظات المبتذلة، والاستعارات، والأقوال المأثورة والكتب والأفلام، وعناوين الأغاني، والاقتباسات الشهيرة، والشعارات الإعلانية الوطنية، كل التعبيرات التي تكون معروفة للجماهير».
 
في فيلم محمد سعد، يقول بوحة وهو يحاول أن يعبر لحبيبته عن عظمة الأم: الأم مدرسة.. عريقة!.
 
وليست التلاعب بكلمة وحدها، هو ما يصنع الكوميديا للقول المعروف، أحياناً تأتي تقنية تهشيم اللغة لتفعل ذلك. أذكر مرةً، بأن أخوالي قالوا لجدي بأنهم سيقومون بأعمال الوادي، من الغد. في اليوم التالي، أرسلوني أنا. جدي أمي لا يقرأ ولا يكتب، حين عرف بالأمر، تمثل وهو يربط "اللي" قول الشاعر: كلام الليل يمحوه النهار، نطقه "بضم الليل وفتح النهار". انتشر البيت الشعري داخل العائلة، بسبب نطق جدي له، ولا يمكن أن يظهر الليل والنهار دون تذكر جدي رحمه الله.
 
واحدة من عيوب الأعمال التلفزيونية اليمنية، خلوها من الإحالات، رغم وقوفها على موروث شعبي هائل، وفي في الأعمال الكوميدية تحديداً، يجري صناعة الشخصيات خالية تماماً من الثقافة، لا تستخدم في حواراتها بعض الكلمات التي تحيل إلى أشياء قد تكون عالمية ربما، رغم بساطة قائليها.
 
الأمي، كبير السن، لابد أن برأسه الكثير من المعرفة التقطها من جوار ملازمته للمذياع.
لم تكن جدي وحدها، من تستخدم تعبير «زمن دقيانوس» ليدل على قدَم الشيء مثلاً.
بعد أعوام من وصول الكهرباء إلى منطقتنا الريفية، كان عبده صالح يخشى من فصل التيار، ولهذا كان يدفع الناس وينصحهم بشيئين: الاقتصاد في استخدام الكهرباء، وتسديد الفواتير.
 
وذات يوم رمضاني، خرجنا من المسجد بعد صلاة الفجر، وكالعادة، قال عبده صالح بأن علينا تسديد الفواتير كي نتفادى فصل التيار..
 
كان باستطاعتنا أن نرى بيتاً، تحت الجبل، مطل على كافة الريف، وكان «عارف» صاحب ذلك البيت قد وضع أكبر عدد من اللمبات حول منزله الذي لا ينطفئ أبداً إلا في حالة انقطع التيار، أما الآخرون فبالكاد وضعوا في الخارج من لمبة أو لمبتين بالكثير، وفي حال احترقت لا يجري تغييرها.  
 
كنا نرى ذلك البيت المضاء ليلاً.
وبما أن منزل عبده صالح قريباً من المسجد، فكان أكثر ما يراه هو إضاءة ذلك منزل عارف المرتفع، كلما خرج من منزله باتجاه المسجد، أو كلما خرج من المسجد باتجاه منزله.
 
في يومٍ ما، خرج بعد صلاة الفجر متضايقاً، وأكد أن وزارة الكهرباء ستفصل التيار، وحين سألناه عن السبب، أشار باتجاه ذلك المنزل، وقال: بسبب قصير الإليزيه.
 
رغم المنطق السديد لعبده صالح، إلا أن قوله هذا، ظل ينتشر في البلاد كنكتة، لأنه قارن بين منزل «عارف» في القرية، وبين قصر الإليزيه، الذي جعلنا نشعر بعظمته من خلال ذكر الاسم.  
 
وللمعلومة، فقد فقدنا الكهرباء بعد ذلك، ولكن ليس بسبب استهلاك صاحب "قصر الاليزية" وإسرافه في استخدام الطاقة، أو لعدم تسديد الفواتير، السببان اللذان أرَّقا عبده صالح، انطفأ ضوء القرية بسبب الحرب!.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر