مشاهد من هروب القيرعي


سلمان الحميدي

كان القيرعي أحد الوجوه التي استخدمتها جماعة الحوثي لإبعاد تهمة الاستعلاء والاصطفاء عن الجماعة. من صورته، كانوا يقولون للعالم: نحن لا نستعلي على أحد، وثيقة الاصطفاء التي اكتشفها الناس وثيقة مزيفة، نحن لسنا عرقاً متميزًا عن الآخرين، الآخرون هم من يقولون عنا أننا نؤمن بأحقيتنا في الحكم، وأننا نحارب الشعب لأجل هذا الهدف: الحق الإلهي.. إنهم يكذبون، وهذا هو الدليل: نحتضن أحد زعماء المهمشين، ونمنحه عضوية المجلس السياسي.
 
كثير من الذين صفقوا للحوثي وهللوا به، مدحوه، ورأوه القفاز المناسب لضرب الخصوم.. كثير منهم ظلوا تحت سيطرته، يمارسون الملق، ويرشدونه إلى العمل الدبلوماسي، ويشيدون ببدائيته العسكرية الباطشة الكاسرة للطغاة، وجوه اجتماعية وسياسية، صحفيون وناشطون، وحين بدأ المكر السيء يحيق بأهله، وخاصة بعد مقتل صالح، بدأت تلك الوجوه بالتسرب والتسلل إلى حيث تقيم الشرعية.
 
لم تنل تلك الوجوه الاهتمام الكامل في تتبع مسارات التحول، من المؤكد أنهم استقرأوا الوضع جيدًا واكتشفوا قرب انتهاء انتفاشة الحوثيين، تحليهم بالبراغماتية دون اكتراث لما سيقوله الناس عن مبادئهم، جعلهم ينتقلون بسرعة البرق إلى صف الشرعية.
 
لا يمكن المقارنة في الاحتفاء الذي أظهره البعض بوصول عبدالسلام جابر إلى الرياض بوصول القيرعي إلى عدن، ولا يمكن إرجاع ذلك لدوافع طبقية، لأن الحوثيين أنفسهم شنوا الحرب بدافع استعلائي طبقي، ومع ذلك هناك فارق كبير في استقبال الرجلين، الصدق يقال، هناك ظلم، فالقيرعي كان مجرد عضو في مجلس يتبع المليشيا، والآخر كان وزيرًا للإعلام في اللحظات الأخيرة، جابر حين فر من الحوثيين تم استقباله في الرياض استقبال الأبطال وتنظيم مؤتمر صحفي لاستشفاف مشاعر الرجل، أما القيرعي فبالكاد وصل إلى عدن وتحدث عن استغلال الحوثي له، فيما سارع المراقبون بطرح علامات الاستفهام والتعجب حول قبول الشرعية لراكب جديد اسمه القيرعي.
 
يمثل القيرعي البسطاء المستقطبين. لم يبن عمارة أو يتبوأ منصبًا مرموقًا، من هذا الجانب يمكن تتبع حالته وكيف تعاملت معه المليشيا، رغم تمثله للرجل المثقف إلا أنه لم يستطع التملص من وعي البسيط الذي يمكن خداعه بسهولة، الآخرون انتهازيون، نفعيون، أما قصة القيرعي وتفاصيلها من الاستقطاب إلى الهروب، فتلخص استراتيجية الحوثي بالتعامل مع المستقطبين، أربعة مشاهد تختزل ذلك.
 
المشهد الأول: الاستقطاب، حيث قام الأعضاء المكلفون بهذه المهمة، بإشعار المستهدف بأهميته، وقع القيرعي في الشبكة، ولتضخيم شعور الأهمية والاحتواء، نظموا له زيارة إلى صعدة، مازلت أتذكر تلك الصورة التي نشرها الراحل عبد الكريم الخيواني متباهيًا بها، صورة عبد الملك الحوثي وهو يصافح القيرعي، لقد أراد أن يمحي الصورة الذهنية لاستعلاء الجماعة، ومع ذلك لم يستطع تجسيد الصورة كاملة، إذ خانه التعبير يومذاك، وقال كم هو معجبًا بالابتسامة الحميمية في الصورة والتصافح بين "السيد" عبد الملك الحوثي و"الأخ" القيرعي.. السيد والأخ.

المشهد الثاني: الدفاع عن الجماعة.. يدخل المستقطب في مرحلة جديدة بعد الحفاوة، في حالة القيرعي المنتمي لفئة مظلومة ويتزعم مظلومية المهمشين، فجأة يجد نفسه راسًا براس مع آل البيت، وقد منحوه عضوية المجلس الثوري، عضوية شكلية لا أكثر، يدخل العضو مرحلة الدفاع عن الفكرة الحوثية إلا أنه لا ينتصل عن بساطته، تجلى ذلك عند القيرعي وعلى الهواء مباشرة، ففي لقاء مع قناة روسيا اليوم، كان الضيف سعوديا وفي الجانب الآخر القيرعي، تحمس القيرعي وخرج عن الأدب، شتم الضيف: أنا (....) عارك أنا وخلع السماعة وغادر.
 
المشهد الثالث: عند انقضاء هدف الجماعة من المستقطب، يحتفظون به لغرض إضمار الحقائق، لا يكتفون بذلك بل يلصقون فضيحة لتشويه سمعة المستقطب، معروف عن أحد المذيعين المنتمين للمليشيا بأنه كان يشرب عصير العنب الأجنبي وبسعر غال، لم يحاسبه أحد، وذات يوم احتجزت المليشيا القيرعي بتهمة عدم توقفه بإحدى النقاط، صورته في السجن وسربت مقطع الفيديو وهو يقول بشجاعة بأنه كان سكرانًا.. هل يوجد ما هو أسوأ من المرور بهذه الحلقات المتسلسلة، حين تجد نفسك قد عشت أكبر خديعة في حياتك.

المشهد الرابع: الهروب.
 

حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت" ©2018  

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر