لا تقترب من القوارير


سلمان الحميدي

مطلع الأسبوع كان رائعًا؛ يوم واحد على الأقل يستحق أن نحتفي به.
لقد كنا على قدر كبير من الحظ وعدنا من حافة الفاجعة. ليس لهذه الروعة أي ارتباط بهزيمة الريال وفوز برشلونة ولا بالإطلالة الأنيقة لرئيس الوزراء الجديد، نحن أكبر من خوض التشفي الرياضي في هذه الظروف، وكذلك أصغر بكثير من الاهتمام بسفاسف سياسية مثارة حول زيارة مسؤول إلى محافظة نكبها الإعصار، فعاد على متن طائرة سعودية.

كمنت الروعة عندما ذهبت الفاجعة من مفاصلنا. لقد عاد أحد أبناء المنطقة من الموت المحقق، أُسعِفَ إلى المركز الطبي مغمى عليه، كان هامدًا وعيناه شاخصتان، والرضاب الأبيض مع لزوجة فحم أسود يسيل من شدقيه، وكل ذلك بسبب خطأ في تقدير ما بداخل القارورة، شرب منها معتقدًا أن بداخلها "بيبس".

لم تكن القارورة مترعة بالخمر المغشوش، لم يكن مشروبًا كحوليًا تم خوضه بمازوت الطائرات النازحات في مطارات العالم.
إنه أسبوع ضحايا القوارير المختلفة والحقائق المهملة التي لم يعد يأبه لها أحد، ولم تعد تجذب الشغوفين بالسبق الصحفي وعمل التحقيقات ذات القيمة الكبيرة، إنها الحرب التي أشعلت النيران بالورق وأخمدت رغبة التقصي لدي الصحفيين.

في هذا الأسبوع تتحدث الروايات عن موت أكثر من عشرة أشخاص في عدن، أحدهم قال بمبالغة أن الرقم تجاوز الأربعين. الموت المباغت جاء نتيجة قوارير الخمر المغشوشة والمخلوطة بمواد سامة تزيد من لذوعته، السبورت والمازوت وأحيانًا القليل من البترول وأخرى لا نعرفها، فكانت النتيجة كارثية بحصاد الأرواح.
بكل تأكيد لا يمكن للحكومة أو المليشيا، الشرعية أو الانقلاب، استخدام مبرر الخلط لاتهام غشاشي الخمور بأنهم وراء أزمة مشتقات نفطية.

مات "تمباكي" الفنان الشعبي الصغير، الذي لم يصدر ألبومًا ولا أغنية كاملة، كان ضحية لقارورة مغشوشة، هذا هو المؤكد من كافة الروايات المتداولة التي تقول بأن القارورة كانت سببًا، وتعددت أسباب الخمول في البحث عن الحقيقة، ربما خشية النظرة الدينية للمجتمع تجاه السكارى؛ لكن هذا السبب تافه مقابل الحقيقة. لو أن واقعة كهذه حصلت في أمريكا لتسابقت كبرى المؤسسات الإعلامية للتقصي، من الواشنطن بوست إلى نيويورك تايمز: من زود؟ من هو التاجر؟ من خلط؟ ما حقيقة اللعب بمازوت الطائرات المتوقفة، وما علاقة المسؤولين وقيادات الواجهة بما يحدث؟ من المستفيد من جائحة الموت الزؤام في عدن؟ أئمة المساجد يغتالون، والهاربون من بؤسهم إلى تعاسة النبيذ يغتالون أيضًا. أي حال وصلت إليه العاصمة المؤقتة.

إنه خبر غريب ويثير الكثير من التساؤلات، الموت نتيجة القوارير المغشوشة اقتصر على بسطاء، أكبر واحد نعرفه منهم ونال اهتمام القلة "تمباكي"، فيما لم يمت أحد المسؤولين، ما يعني إنهم متواطئون أو أنهم يملكون مِعَدًا خارقة لديها القدرة على إفراز ما هو أقوى من حمض الهيدروكلوريك لامتصاص الشوائب!.

معدة "ابن منطقتنا، الذي عاد من حافة الموت، لم تستطع مقاومة مذقة من القارورة.. كان في لحظة كيف، رأى القارورة في الزاوية، فاهتاجت نفسه للمشروب الغازي الأسود، العلبة في الديمة منذ البارحة وبداخلها سواد، فتحها ليهنأ مرة واحدة وشرب، كان شقيقه قد خلط ستة أنواع من المبيدات في تلك القارورة ليرش القات، كاد يكون شقيقه ضحية القارورة لو تداركه في اللحظات الأخيرة.

إذا ما كان حولك قوارير فارغة وبعضها تحتفظ ببقايا البيبس من مدة، تخلص منها.
لا تثق بقارورة في زمن الحرب. ولا تمد يدك إلى قارورة تغريك..
لا تقترب من قارورة نبيذ، كي لا تكون ضحية، وعلى سبيل الدعابة: لا تدخل مسجدًا في عدن هذه الأيام.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر