ضريبة مضاعفة


نور ناجي

 الحرب مُعلِّمة قاسية، لا تعطيك دروسها وحكمتها عن طريق التلقين السهل. بل ترميك بكل بساطة في جحيمها لتنضج أو تحترق مع ما تحمل نفسك على مهل..!
 
شتان بين ما كنا نشعر به، لحظة تلقينا خبر تكوين نواة المقاومة، ومن ثم الجيش الوطني، وبين ما نعيشه اليوم ..!
 
أتذكر لهفة الناس وتسابقهم على نشرات الأخبار؛ الغرق بين الخرائط للبحث عن بلدة هنا تم تحريرها وأخرى هناك على وشك ذلك؛ هتافات النصر التي كنا نسمع ترددها على مسامعنا ونحن نتخيل فك حصار تعز أو الفرحة المتوقعة لاستعادة صنعاء! ..
 
مرت أيام الشهر الأول، الذي قدره الكثير من المحللين فترة لانتهاء الحرب، ليُسلِّمنا من عام لآخر، عدنا فيها منكسرين للتحليلات المتشائمة التي كنا نتجنبها. فالكأس الذي كان نصف ممتلئ أفرغ نفسه وأصابه الجفاف..!
 
الأرض في نهاية المطاف تتحرر ببطء. لا أحد ينكر ذلك. لكن بشارة الخلاص من الانقلاب فقدت بهجتها، بعد إدراكنا أن مع كل تغيير لمساحات الخرائط المحررة، هناك ثمن وضريبة مضافة لفاتورة الدماء التي تم نزفها. سيظهر لنا مقدارها ونوعها مع الأيام...
 
تتفاوت تلك الضريبة من حالة لأخرى؛ أقلها تكلفة، تلك التي تنال من البشر، أرخص سلع الحروب، عبر مجزرة متوقعة، سواء كانت انتقام من قبل مليشيا الانقلاب، أم نيران صديقة أخطأت التقدير. ففي كلا الحالتين لا يخرج الضحايا عن كونهم مدنيين أبرياء لم يشاركوا في الحرب سوى عبر تسجيل أعدادهم كأشلاء ميتة! ..
 
يتضاعف الثمن حين يستبدل شركاء التحرير مواقع متارسهم، ليصوبوا فوهات بنادقهم باتجاه بعضهم البعض، في نزاع جديد تسعى أطرافه للسطو على المستقبل، كلٌ بما يراه مناسباً لطموحاته، وفرضه على الأرض كأمر واقع..!!
 
سيناريو ليس ببعيد عما أجبرتنا عليه سابقاً ميليشيا الانقلاب، وبسببه قامت الحرب..
 
وفوق كل ما سبق، تتجدد تهديدات تمزيق خارطة الوطن، سواء من أطراف داخلية، أم أخرى خارجية، وقد فتحت شهية الجميع على قطع منها. بينما من يُفترض به أن يكون صاحب القرار الفعلي في هذه الخارطة، يتابع ذلك بخنوع مطلق، يجعلك تقترب من حافة جنون التساؤلات والريبة التي لم تعد تجدي لها أية تفسيرات مقنعة!..
 
كل هذا، واليمني حائر، مثقل بأكثر مما يتحمل أمام ما حدث ويحدث! وقد انعكس عليه ضعف وعجز حكومته التي لن تفضي لنصر، أو تهب وطن. أُجبر على تكرار خطيئة صمته، عن غد أستحقه ودفع ثمنه غالياً، في انتظار معطيات جديدة تناسب شروط النصر، أو استكفاء أطراف الحرب منها...!!
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر