وسط غياب المنظمات الدولية... مبادرات شبابية تقدم المساعدات للمحتاجين في اليمن

[ صورة تعبيرية ]

يعيش اليمن أزمة إنسانية صنفتها المنظمات الدولية على أنها «أسوأ أزمة إنسانية في العالم» نتيجة للصراع الدائر لما يقرب من ثلاث سنوات بين قوات الحكومة الشرعية اليمنية بمساندة التحالف العربي الذي تقوده السعودية وجماعة الحوثيين وحليفها الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

تكشف تقارير المنظمات الدولية، أن ما يزيد على 75 % من الشعب اليمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وأن هناك على الأقل 60 % لا يملكون ما يكفي حاجتهم من الغذاء والدواء، منهم حوالي 11.3 مليون طفل معرضون لشبح الموت نتيجة النقص الحاد في الغذاء والدواء.

واجتاحت الأمراض والأوبئة مختلف المحافظات اليمنية وحصدت أرواح الآلاف حيث تقول تقارير المنظمات الدولية إن عدد وفيات الكوليرا بلغ 2244 في أواخر أكتوبر الماضي وحوالي 800 ألف حالة اشتباه بحسب منظمة الصحة العالمية، ويمثل الأطفال 50 % من حالات الاشتباه و32 % من حالات الوفيات، نتيجة لانعدام الأمن الغذائي والدوائي معاً وصعوبة الحصول عليه خصوصاً في مناطق النزاع. 

وفي ظل هذه الظروف الصعبة انبثقت العديد من المبادرات الشبابية للمساهمة في تخفيف حدة المعاناة التي تفتك بالمواطن اليمني وبرز دور ملموس لعبه إعلاميون يمنيون وناشطون في منصات التواصل الاجتماعي، واتجهوا لاستخدام شهرتهم من خلال صفحاتهم الشخصية أو من خلال عملهم في وسائل الإعلام المختلفة لإبراز المعاناة الإنسانية وعرض قصص لبعض الحالات الإنسانية وصور المعاناة.

حيث عملوا على تكوين مبادرات ذاتية ساهمت في إيصال بعض الخدمات الأساسية من ماء وغذاء وفراش للمحتاجين بل وساهمت في نشر واسع لحملات إغاثية في وسائل التواصل ومن ثم جمع التبرعات من الجهات التي تفاعلت في دعم جهود الإغاثة والإسهام في مساندة جهودهم الإغاثية..

صورة أخرى للحرب!

يقول خليل القاهري، وهو إعلامي يمني ومراسل تليفزيون العربي في صنعاء، إن التوجه العام للوسيلة التي يعمل فيها في تبني القضايا والقصص الإنسانية والتعبير عن حال الناس وواقعهم حيث تقع اليمن في الصدارة في أخبار المأساة والمعاناة المستمرة والمآسي التي لا حصر لها، دفعته لتسليط الضوء على «الصورة الأخرى للحرب» والتي تتمثل باتساع دائرة معاناة الناس ممن لا ناقة لهم ولا جمل في الحرب.

ويشير القاهري إلى أن هناك العديد من القصص حظيت بتجاوب كبير من قبل المجتمع الداخلي والخارجي قائلاً «هناك قصص تفاجأنا بأنها حظيت بتجاوب من المجتمع سواء الداخلي من فاعلي الخير أو خارجياً حيث بادر بعض الداعمين– مؤسسات أو أشخاص– إلى التواصل مع أصحاب تلك القصص والحالات، موضحاً أن التغطية شملت أنشطة خاصة كالحالات الإنسانية والقصص المختلفة وكذلك المؤسسات التي تقوم بممارسة الأعمال والأنشطة الإنسانية وتقوم برعاية مبادرات لمساعدة الناس وبالتالي فإنها كذلك حظيت بدعم لبعض مشاريعها حسب قوله.

يذكر أن مشاهدته لإحدى المبادرات التي توزع وجبات غذائية خيرية للناس في العاصمة صنعاء كان مشهداً مؤلماً وهو يرى طوابير الجوعى ينتظرون وجبة الغداء وبينهم نساء تعيل أسرا وأطفالا، مضيفاً أن هناك بعض الحالات كانت قد أنهك أجسادها الجوع وهي لا تملك سوى تلك الوجبة التي تمنحها المؤسسة الخيرية وتظل على تلك الوجبة حتى اليوم التالي بانتظار موعد الوجبة.

الكوميديا الانسانية!

كمال طماح وهو إعلامي وفنان كوميدي يمني، حيث سعى إلى استخدام شهرته وشخصيته التي تحظى بمتابعة وإعجاب كبيرين من خلال حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي لعرض الحالات الإنسانية ومن ثم دعوة المتابعين إلى مساعدة هذه الحالات بل من اللافت الذي تفرد به طماح أنه كان يقوم بعمل إعلانات ممولة في صحفته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ثم يقوم بتخصص جزء من العائد لإغاثة بعض الحالات الإنسانية.

يتحدث طماح أن هدفه الأسمى هو التخفيف من المعاناة التي يعانيها أبناء بلده في مثل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلد، ويذكر أن هناك العديد من القصص التي «تبكي وتدمي القلب ويتحرك لها الحجر قبل الإنسان» حسب وصفه، ولكن أبرز تلك القصص حالة وصلته إلى باب منزله لطفل معاق حركياً يريد أن يلعب مثل باقي أطفال اليمن فطلب منه دراجة كهربائية عادية بمبلغ زهيد تساعده على الحركة وممارسة حياته الطبيعية كطفل، حيث قام بتصوير مقطع قصير ونشره على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ولقي حسب تعبيره رواجا كبيرا من قبل الكثير ممن وصفهم بـ «الخيرين» ما مكنهم من إعطائه دراجة كهربائية بمبلغ خمسمائة ألف ريال يمني بما يعادل تقريبا 1200 دولار- بسعر الصرف الحالي للريال اليمني 430 ريالا لـ الدولار - وتم تزويدها بطاقة شمسية لدعمها بالكهرباء ومثلت نقطة البداية في نشاطه الإنساني.

يقول طماح، إنه عمل على استغلال شهرته وحب الناس له في السعي للتخفيف من ضائقة الظروف التي يعيشونها وذلك لكونه يحظى بالعديد من المتابعين ويعتبر حسب وصفه «أحد العشرة الأكثر متابعين في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك في اليمن» حيث يشير إلى أنه حاز الترتيب السابع حسب استطلاع موقع المشهد اليمني (موقع يمني إخباري) الذي تم إجراؤه في شهر يناير المنقضي.

ويوضح طماح، أن مبادرته ساهمت في تحقيق العديد من الأنشطة الإنسانية «لا يستطيع حصرها» وفقاً لتعبيره، حيث يشير إلى أنها كانت أنشطة عديدة ومتنوعة من مساعدات مرضية وغذائية أو بطانيات وكسوة عيد وأبرزها هي توزيع السلال الغذائية والتي تم توزيع أكثر من 4000 سلة غذائية خلال ما يقرب من عامين وكذلك تزويد العديد من الأحياء الفقيرة بخزانات المياة بالذات التي كانت بحاجة ماسة لذلك. بالإضافة إلى «حملة أكرموهم»، حيث قام طماح بمساعدة المشاركين معه في الحملة بعمل حملة أطلق عليها «أكرموهم» وكانت تتمثل بعضاً من أنشطتها في النزل إلى الشوارع ومقابلة الناس البسطاء والأطفال الذي يمارسون أعمال بسيطة كالباعة المتجولين وأطفال يقومون ببيع المياه المعدنية في أرصفة الطريق وآخرين يقومون بجمع عبوات الماء الفارغة فيقوم المشاركين في الحملة بشرائها منهم بمبلغ كبير مقارنة بقيمتها تشجيعاً لممارسة العمل إضافة إلى الهدف الإنساني في مساعدتهم وزرع الابتسامة في وجوههم. 

وسائل التواصل!

عز الدين عارف وهو يوتيوبر يمني وناشط في منصات وسائل التواصل الاجتماعي ويقيم في تركيا، يعتبر وسائل التواصل الاجتماعي نافذته التي من خلالها يقوم بتقديم واجبه حول الوضع الإنساني حيث يعتبره أنه «أقل واجب أستطيع أن أقدمه» في الظروف الإنسانية الصعبة، ويضيف أنه يساهم مع العديد من الشباب العاملين في النشاط الإغاثي في اليمن ويساعدهم في الترويج لمبادراتهم والتي تتضمن «حملة كالبنيان» وكذلك حملة «شتاء دافئ» إضافة إلى المساهمة في الترويج الإعلامي لحملة «سقيا 1000». 

يذكر عارف أن هناك الكثير من الحالات الإنسانية التي تصله عبر حسابه الخاص وكلها مؤثرة إلا أن هناك حالتين كانتا أكثر تأثيراً فيه حيث حاول مساعدتهما إلا أنه عجز عن ذلك، واحدة منهما لطالب وأخرى لطالبة كلاهما كان يبحث عن مبلغ بسيط لإكمال رسومه الدراسية والتي تحول بينه وبين الاضطرار للعودة إلى بلاده في حال عجز عن دفعها، مضيفاً أنه حاول التعاون مع الحالتين وإيصال رسائلهم إلا أنه لم يجد تفاعلا مع الحالتين، قائلاً «للأسف يبدو بسبب الوضع الحالي ووجود أولويات لدى الشعب مثل الماء والدواء والغذاء الذي لم يعد متوافراً حالياً لم أجد التفاعل الكافي لقضية الطلاب وللأسف تأكدت من عودة أحدهم من بلد الدراسة إلى اليمن ولا أدري عن القصة الثانية ولكن المبلغ إذا لم يتوافر خلال فترة قصيرة فهي ستضطر للعودة إلى اليمن».

ويشير عارف إلى أن لديه على الصعيد الشخصي فكرة لتوسيع العمل والتنسيق والتواصل مع منظمات دولية ومبادرات كبيرة، موضحاً وجود خطة ومبادرة من بعض المبادرات الشبابية لتنفيذ حملة إغاثية واسعة. مضيفاً أن لديه «شعورا قليلا بعدم الرضى عن النفس» ويشعر بالسعادة لقيامه بالواجب لا أقل ولا أكثر حد وصفه، داعياً بقية ناشطي التواصل إلى التركيز على الجانب الإنساني كونه بما أسماه «النداء النابع من الداخل» كأناس يملكون إنسانية وكبشر يجب أن نحس بمعاناة الآخرين والمساهمة بقدر الإمكان لتنفيذ حملة «إغاثة عاجلة» ويجب ألا نقف مكتوفي الأيدي حد تعبيره.

الدعم الاعلامي!

يوضح فداء الدين الخاشي، وهو ناشط في وسائل التواصل الاجتماعي يقيم في ماليزيا، أن ما دفعه لاستخدام وسائل التواصل في المساهمة في نشر الحالات الإنسانية هو سهولتها وثقة الناس وتفاعلهم معها. موضحاً بداية مشاركته في جانب دعم الإغاثة الإنسانية إعلامياً كانت قصة لأحد الأطفال تعرف عليها قبل عام من دخوله منصات التواصل الاجتماعي، أصيب الطفل بحادث وأصيب بضمور في جسمه وفقدان القدرة على الكلام وكانت حالته تزداد سوءاً وأسرته غير قادرة على دفع تكاليف السفر وإجراء العملية. 

ويواصل الخاشي أن تلك القصة جعلته يقرر أن يجمع له تكاليف إجراء العملية وأن يحفز الناس عبر منصات التواصل في برنامج التواصل الاجتماعي سناب شات وقام بنشر قصته، ويوضح أنه تفاجأ من ردة الفعل «القوية» كما يصفها والتفاعل الكبير حيث تمكنوا من جمع قرابة 20 ألف دولار للحالة. 

ويضيف أن هناك فكرة يطمح إليها لتوسيع العمل الإنساني إلا أن التنسيق مع الجهات الأخرى فيه صعوبات لكنه سيحاول ولن ييأس، مبدياً شعوره بالرضى والسلام الداخلي عند رؤية ثمرة جهده وهذا حسب تعبيره «ما يحفز للاستمرار»، مضيفاً «ابتسامة بسيطة من أحد المستفيدين كفيلة بأن تصنع يومك». 

مبادرات شبابية!

ويتحدث أنور الحيمي وهو ناشط في وسائل التواصل الاجتماعي ومشارك في عدد من المبادرات الشبابية في صنعاء، حول مشاركته في اطلاق حملة #سقيا_1000 أنها هدفت إلى تعبئة 1000 خزان في الأحياء الفقيرة خصوصاً في أطراف العاصمة صنعاء، نتيجة لتوقف الخدمات من ماء وكهرباء. مضيفاً «حققنا الهدف الذي رسمناه وقمنا بتركيب عدد من الخزانات في مناطق محتاجة وقمنا بصيانة عدد من الخزانات التي توقفت».

مؤكداً مواصلتهم الحملة باذلين كل ما بوسعهم في سبيل نجاحها. ويضيف الحيمي انهم قاموا بإطلاق حملة #شتاء_دافئ عبر مشروع #كالبنيان حيث عملوا على جمع وشراء البطانيات والملابس الشتوية ثم توزيعها على الفقراء والمحتاجين لها سواء ممن ينامون على الأرصفة أو في البيوت. مشيراً إلى أن الحملة حققت نجاحا كبيرا ولاقتا وتفاعلا كبيرا من فاعلي الخير في الداخل والخارج. 

ويشير الحيمي إلى قصة كانت من أكثر الحالات التي قابلها في عمله الإنساني وهي لـ 6 بنات قاصرات يتيمات الأم، والأب مريض مقعد، تعرضن لعدد من حالات الضرب والاعتداء من إخوتهن بسبب اعتراضهم على ذهابهن للمدرسة والتعليم مما اضطرهن للخروج من البيت وكانت خالتهن هي الملاذ الوحيد رغم حالتها المادية السيئة التي تكافح لأجل قوت أطفالها وزوجها مغترب وتسكن في بيت صغير إيجار، حيث يضيف أنهم عملوا ما بوسعهم لاستئجار منزل يتسع للخالة وأطفالها والست البنات وقاموا بتأثيثه ثم شراء بعض المواد الغذائية وغيرها من الاحتياجات وحالياً يسعون لاستخراج الشهادات المدرسية للبنات (بدل فاقد) بعد أن قام الإخوة بسحب وحجز ملفاتهن من المدرسة، ومن ثم تسجيل البنات في مدرسة جديدة لكي يواصلن تعليمهن ويشير إلى أنهم يقومون بزيارة البنات بشكل دوري لمتابعتهن.

ويؤكد الحيمي إلى سعيهم توسيع العمل في إطار مؤسسي منظم في الجانب الإغاثي ويحاول استقطاب دعم مستمر داخلياً وخارجياً، إضافة إلى تحويل مشروع (سقيا 1000) إلى مشروع دائم. ويتحدث عن شعوره تجاه ما يقدمه فيقول «العمل شاق والمسؤولية كبيرة ولكن بمجرد أن ترى الابتسامة في وجه طفل خففت من معاناته أو دعوة من كبار السن يزول كل التعب وتشعر بالرضى». كما يوجه رسالته إلى ناشطي وسائل التواصل الاجتماعي إلى تسخير هذه المنصات لما يحقق أثرا إيجابيا، متسائلاً لماذا لا نعمل على إيصال معاناة الناس فلا تدري قد يكون أحدنا سبباً في علاج مريض أو مساعدة محتاج.

المصدر: الوطن القطرية

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر