الأشرار والأخيار يجتمعون في لوحات الفنان "شهاب المقرمي"

[ المقرمي يضع اللمسات الأخيرة على لوحة الشاعر البردوني (الجزيرة نت) ]

فوق وسادة مستطيلة الحجم جلست مرام، الطفلة ذات الخمس سنوات، تتأمل بعمق اللوحة الورقية التي ينهمك الفنان التشكيلي اليمني شهاب المقرمي في رسم ملامحها وتحديد معالم وجهها ويطلب منها أن تبتسم.
 
مرام رمز الطفولة البريئة والمتدلي شعرها الأسود خلفها على شكل ضفيرة وتعلو رأسها ضفيرتان صغيرتان أخريان بدت مرتاحة سعيدة بكونها الشخصية الجديدة لأحدث بورتريه يقوم جدها "شهبوب" بوضع اللمسات الأخيرة على لوحتها.
 
في شقته المتواضعة المستأجرة في صنعاء فتح المقرمي للجزيرة نت قلبه وسكنه وحكى مشواره الفني وشغفه برسم الوجوه للمشاهير من الساسة والقادة ونجوم الفن والشعر والأدب والرياضة الذي تحول إلى احتراف ومهنة.
 
ولم يعد الرسم من أجل الفن فقط وممارسة لهواية استهوته منذ الطفولة، بل أضحى مصدر رزق لتوفير لقمة عيش كريمة لأسرته، يكافح به طوفان الجوع والفقر الذي غرق فيه ملايين اليمنيين جراء الحرب في اليمن.
 
عجين أمي

بدأ المقرمي ميوله للرسم قبل دخوله المدرسة الابتدائية، فقد كان يشكل عجين أمه المكون من الدقيق والقمح الذي يصنع منه خبز الطعام في تنور المنازل التقليدية المصنوع من الصلصال، وأيضا كان يقوم بتشكيل الطين واللعب به، ولا يتذكر بالضبط متى بدأ رسم الوجوه.

وبدأ مشوار تعلقه بالتشكيل من قريته بمنطقة الحجرية في تعز، ثم مدينة عدن التي كان يعمل بها والده قبيل رحيل الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن، والتي عرف في مدارسها الطباشير وألوانها التي جذبته لعالم الرسم بها، مرورا بمدينة الحديدة التي انتقل إليها والده مع أسرته، وافتتح بها محلا تجاريا بسيطا. 
 
غير أن أول لوحة رسمها الطفل شهاب حينذاك، المقيم في مدينة الحديدة غربي اليمن والتي ما زالت عالقة في ذهنه هي وجه الرئيس اليمني الراحل إبراهيم الحمدي، الذي اغتيل في 11 أكتوبر/تشرين الأول عام 1977 بالعاصمة صنعاء.
 
ويرجع تعلقه بالرئيس الحمدي بكونه كان وما زال صاحب شعبية جارفة بالشارع اليمني، وما زالت ذاكرة الناس تتحدث عن محاسنه وأعماله ونهوضه بالاقتصاد وبدء التنمية في البلد وطموحه لبناء دولة قوية.
 
وفي الحديدة، التي تشهد هذه الأيام معركة فاصلة تقودها قوات الرئيس عبدربه منصور هادي، المدعومة من التحالف السعودي الإماراتي، لانتزاعها من سيطرة جماعة الحوثيين الانقلابية، كان الطفل شهاب يقف متأملا بذهول أمام لوحة إعلانات السينما التي كانت تبهره الرسوم والألوان لشخصيات وأبطال الأفلام العربية.
 
وما كان يلفت انتباهه وتدهشه كثيرا هو طرق الفنانين الكبار في الرسم وتعاملهم مع الألوان والضوء والظل في رسم الوجوه مثل جمال قطب الذي كانت رسوماته على أغلفة الروايات المصرية، وهو ما كان دافعه ليبدأ الرسم بالمدرسة لوجوه معلميه وزملائه.
 
صراع التحريم
 
بعد تخرجه من الثانوية العامة عام 1984 انتقل للعاصمة صنعاء لأداء خدمة التجنيد الالزامي، ومنذ ذلك الحين عشق صنعاء وازداد شغفه بالرسم، وكانت أول لوحة له بالألوان الزيتية لملكة بريطانيا إليزابيث، في العام 1985 وشارك بها في معرض أقامه المركز البريطاني الثقافي، وقد حازت على إعجابهم وكرموه وقدموا له مبلغ 3000 ريال، تقديرا له وللوحته.
 
وحينها أحس أنه انتقل من مرحلة الاحتراف والتمكن من قدراته الفنية، لكنه اصطدم بإشكالية تحريم الرسم التي كانت منتشرة حينها، فلم يجد نفسه إلا وهو يمزق لوحة ملكة بريطانيا، ويتجه للحياة العملية مخرجا فنيا بصحف يمنية، مبتعدا عن الرسم.
 
كان الصراع يعتمل في نفسه بين شوقه للرسم وبين التزامه بدعاوى تحريمه، وبعد 14 عاما من تمزيقه للوحة اليزابيث، عاد لشغفه القديم وانكب على رسم وجوه أكثر الشخصيات تأثيرا باليمن والعالم، وذلك عقب اقتناعه بفتوى للشيخ يوسف القرضاوي تجيز الرسم كفن إبداعي وأداة ثقافة وتنوير يغطي العالم.
 
ذاكرة وجوه

بتواضع الواثق من قدراته، يصف نفسه بأنه يحاول أن يكون فنانا تشكيليا ورساما له بصمة خاصة به في مجال البورتريهات، فهو من خلال ولعه برسم وجوه المشاهير يحاول أن يسبر أغوار الشخصيات التي برزت في ميادين الفكر والسياسة والرياضة.
 
وبالقلم الرصاص كانت انطلاقته الواسعة حيث رسم أكثر من 5000 وجه يمني وعربي وعالمي، وأصدر عام 2008 كتابه "وجوه رصاصية" ضم في دفتيه 700 وجه لشخصيات برزت يمنيا وعالميا، كما يعتز بلوحته الكبيرة التي سماها "الذاكرة الشهابية" التي حوت 300 من مشاهير السياسة والقادة ونجوم الفن والرياضة.
 
لم يفرق المقرمي في رسوماته بين الأشرار من الطغاة والمستبدين، الذين يجمعهم إلى جانب الأخيار من الدعاة والمصلحين في لوحة واحدة، هاجسه الأوحد هو ولعه برسم وجوه المؤثرين في اليمن والعالم، ويقدم عبر لوحاته صورة بانورامية ونماذج لأكثر الشخصيات تأثيرا بالمجتمعات والدول.
 
ومشروعه القادم المأمول إقامة معرضين تشكيليين، الأول عن فنان الشعب أيوب طارش ملحن ومغني النشيد الوطني اليمني، وصاحب الأناشيد الوطنية الصادحة بالحرية والعزة والكرامة الثاني عن الشاعر الكبير الراحل عبدالله البردوني، الذي يوصف برائي اليمن ومتنبي العصر.
 
ومع دخول الحرب باليمن العام الرابع، انعكست تداعياتها على الفنان المقرمي كغيره من أبناء الشعب الذي بات يكافح من أجل وقف طوفان الجوع الذي صار كتسونامي يكتسح الملايين من اليمنيين، لكنه ما زال يقاوم ويحاول الصمود ليبقى الفن والثقافة تعطي أملا بالنجاة ورسم الابتسامة على وجوه ورموز للأمة.
 

المصدر: الجزيرة نت

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر