أعداء الفن والجمال !


هشام المسوري


ذهب كثير من زملاء المتسابقة سهى المصري في اعتراضهم على ضعف إعجاب البعض بأدائها في برنامج ذا فويس، للقول بأن هؤلاء الذين يعبرون عن عدم اعجابهم إنما يفعلون ذلك لأنهم " أعداء الفن والجمال"، وهناك من يدعو للإعجاب بالأداء لمجرد أن صاحب العمل الفني يمني ويمنيته تستلزم مساندته والتعبير عن الإعجاب والتفاعل معه ! منذ متى كان الفن عناد وتصنيف وفرض سادية على أذواق المتلقين واعتساف لذائقة الآخر والتحكم بها وتنميطها، او محكوماً بقواعد الدولة الوطنية ذات السيادة والحدود القُطرية؟
 
موقف المشاهد من أداء الفنان هو موقف فني إنساني وإدراك شخصي يعكس عدم قدرة الأداء على إشراكه في الإبداع، إذ ينحاز بموقفه إلى الفن الذي يجعل الإنسان يتناغم مع ذاته الإنسانية ويتأثر بإيقاعه ويعبر عن رغباته وأحاسيسه وحدسه. الفن تعبير عن جوهر الإنسان وتأكيد على إنسانيته، ولا يكون معبرًا عن ذلك مالم يحدث الفنان في المشاهد هزة وجدانية وحماس وتفاعل ويستثير مشاعره ويحيله إلى عالمه الفردي الخاص ويثير ردود الفعل الجمالية فيه ويلهم عاطفته، على اعتبار أن الفن يخاطب الإنسان الفرد، وليس الشُلة او الجماعة.
 
هذه النظرة للفن آلية وتسير على العكس من طبيعته وجوهره، والفنان الذي ينتسب لجوهر الفن بما هو تعبير عن شخصية الإنسان وأعماقه، يبدع ويأسر وجدان المشاهد ويثير رغبته وشوقه وشغفه ويجره إليه ويدمجه في الجو ويأخذه في تلك اللحظة من تعب وهموم عقله وجسده إلى رحابة روحه الداخلية .
 
هذه السمة الإنسانية الخالصة للفن هي ما تجعل السامع أو القارئ يميز روحيا بين الإبداع الذي يأتي نتيجة لحرارة وحماس وصدق الفنان، وبين الأداء الذي يصاحبه تكلّف وتصنع وزيف وغرور، كما أن الإنسان الصادق بمشاعره ووجدانه وأحاسيسه الفنية يستطيع أن يميّز بين انتاج الفنان الروائي بحسب الطلب وبين إبداع كاتب الإلهام الحرية .
 
رمي المشاهد بتهمة أنه عدو الفن والجمال لمجرد عدم انغماسه بأداء يعجبنا ولا يعجبه، فيه جهل لمفهوم الجمال والفن، ومحاولة غير فنية لتنظيم وتنميط الإبداع الفني وفرض ذائقة على الاخر، ومحاولة تحكم بإنطباعاته وأحاسيسه.
 
أدوات قياس العمل الفني ومدى تأثيره، ليست آلية وغير مصنفة وتتجاوز التحيزات وليس من بينها دولة الفنان ووطنه ومقر إقامته وقوميته وأين يعمل، وإنما بمقدار انفعالنا وتفاعلنا و استغراقنا في الإبداع الفني، وفي نجاح الفنان نفسه في التعبير عن فكرته الفنية وتصوير عاطفته ورسم انفعالاته ،كانت انفعالات ألم وأسى وحزن وخوف، أو فرح وسعادة، والفنان لا يملك القدرة على إقناع المشاهد بأن ما قدمه، فن وإبداع، مالم تتشكل لدى المشاهد ذاته قناعة بذلك، وسيكون بمقدار انغماسه بالفن.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر