حتى يصبح كلام بنس «ما يسوى فلس»


محمد كريشان

«شدوا الأحزمة واستعدوا للمطبات القوية المقبلة» … فبعد خطاب نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الاثنين أمام الكنيست الإسرائيلي لن يكون أمام الفلسطينيين سوى مطب وراء آخر.
 
الوضوح جيد ولن يكون هناك من وضوح أكثر صراخا ولا استفزازا من كلام بنس الذي صرح بأن ترامب باعتباره القدس عاصمة لدولة إسرائيل إنما قام بـ «تصحيح خطأ عمره 70 عاما» وأن سفارة بلاده ستفتح هناك قبل نهاية العام المقبل. ومع ذلك فالرجل لم يجد حرجا بالمرة في الإعراب عن أمله في «بزوغ فجر حقبة جديدة لمحادثات جديدة للتوصل إلى حل سلمي للنزاع المستمر منذ عقود».
الوضوح هنا تحول ببساطة إلى صفاقة، لأن المسؤول الأمريكي الذي يعلم جيدا أن الفلسطينيين نفضوا أيديهم من واشنطن وسيطا في عملية سلام ميتة أصلا ما زال يتحدث عن «فجر جديد» لا معنى له وفق كل ما جرى ويجري سوى أنه فجر استسلام فلسطيني كامل تعوّل واشنطن على أن تدفع باتجاهه، ترغيبا وترهيبا، دول عربية «شقيقة» أبرزها السعودية ومصر والإمارات وربما آخرون.
 
لم تكتف الإدارة الأمريكية الحالية بتخفيض مساهمتها في «الأونروا» (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) إلى النصف ومحاولة ابتزاز السلطة الفلسطينية بالتهديد بقطع المساعدات المالية التي تقدمها لها منذ سنوات، بل شرعت تدريجيا في محاولة نزع الشرعية عن القيادة الفلسطينية الحالية تمهيدا للإطاحة بها لتنصيب «دمى متحركة» مستعدة لتنفيذ «صفقة القرن».
 
من بين الأصوات التي بدأت في الحديث في هذا الاتجاه والتي ينتظر أن يزداد ضجيجها ارتفاعا في القريب ما قاله السفير الأمريكي الأسبق لدى الأمم المتحدة، جون بولتون من أن على ملك الأردن أن يجهز نفسه لتكون الضفة الغربية تحت إدارته من خلال التفاوض مع إسرائيل، معتبرا أن «هذه النتيجة أفضل من الاستمرار في خرافة قيام دولة فلسطينية».
 
ومضى بولتون أكثر فرجّح أن «تقوم الأردن وإسرائيل، كدولتين بينهما سلام، بالتفاوض حول تقسيم الضفة الغربية وتخصيص دور لملك الأردن في إدارة المسجد الأقصى عوض الاتفاق مع السلطة اللاشرعية في فلسطين»، معتبرا في تعليق له على شبكة «فوكس نيوز» اليمينية المحافظة أن «محمود عباس جعل من نفسه شخصا خارجا عن الموضوع، وهو ما أضر بالشعب الفلسطيني الذي تسببت سلطة عباس في تأزيم أوضاعه». واعتبر بولتون، الذي يمثل شريحة من الصقور لا يستهان بها في الحزب الجمهوري والطبقة السياسية الأمريكية بشكل عام، أن «ما يحتاجه الفلسطينيون، اليوم، هو بديل للسلطة الفاسدة التي تمثلها السلطة الفلسطينية، والإرهاب الذي تمثله حركة حماس، وبالتالي فإن لعب الأردن ومصر دورا في فلسطين سيخدم الفلسطينيين».
 
صوت آخر في نفس الاتجاه هو ما قاله مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، برادلي بلاكمان، من أن «الولايات المتحدة الأمريكية طفح بها الكيل من فساد القيادة الفلسطينية التي تدعم الإرهاب وتبيض الأموال عوض تقديمها للشعب الفلسطيني»، مضيفا «الكثير من مليارات الدولارات التي منحها العالم للفلسطينيين استخدمت بشكل فاسد وإلا لكانت لديهم بنية تحتية جيدة».
 
وأضاف بلاكمان، في حديث لـقناة «سكاي نيوز عربية» الإماراتية هذه المرة، أن «الفلسطينيين أصبحوا مخربين ويتسببون في انشغال الولايات المتحدة عن القضايا المهمة في المنطقة، فواشنطن تريد أن تركّز على محاربة التوسع الإيراني ونشرها للأسلحة النووية وتصديرها للإرهاب ومساعدتها لحزب الله، كما نريد أن نطرد داعش من الشرق الأوسط»، مؤكدا «لدينا قضايا أهم من القضية الفلسطينية في هذه المرحلة».
 
لا يمكن الاستهانة بمثل هذه الأصوات وإن بدت متناثرة وغير صادرة عن مسؤولين حاليين، لأنها تبدو أشبه ما تكون بانطلاق عملية تسخين لحملة إعلامية وسياسية ستتسع تدريجيا في الفترة المقبلة لمحاولة عزل الرئيس محمود عباس ونزع الشرعية عنه تمهيدا لمحاصرته وإنهاكه حتى يرضخ، وإلا فإن تجربة الرئيس الشهيد ياسر عرفات ليست ببعيدة.
 
لكل هذا، تبدو مهمة للغاية زيارة عباس إلى مقر الاتحاد الأوروبي أول أمس، وفي نفس اليوم الذي كان فيه بنس في القدس، ودعوته الدول الأعضاء فيه إلى الاعتراف «سريعا» بالدولة الفلسطينية المستقلة لأنها يفترض أن تكون بداية «الهجوم المعاكس» الذي على الفلسطينيين أن يشرعوا فيه في كل المحافل الدولية المختلفة.
 
صحيح أنه من المستبعد في الوقت الحالي أن يلبي الاتحاد الأوروبي مطلب الاعتراف بدولة فلسطينية نتيجة الانقسامات بين أعضائه حول هذه المسألة لكنه من المهم مع ذلك تسجيل ما قالته وزيرة خارجية الاتحاد فيديريكا موغريني من تأكيد على الالتزام الأوروبي بحل الدولتين مع القدس عاصمة لهما، في وقت يروج فيه الأمريكيون مقولة حل الدولتين «إذا ارتضاها الطرفان» وهو ما يعني عمليا أنه إذا لم يرضى بها الإسرائيليون فلتسقط في الماء!!
 
أمام الفلسطينيين في المرحلة المقبلة معركة دبلوماسية في كل المحافل الدولية لعزل الموقف الأمريكي وفضح انحيازه وهي معركة لا تقل ضراوة عن كل ما عرفوه من معارك السلاح والدماء.
 
? القدس العربي

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر