بيع الرواح


مصطفى ناجي

 ما تزال معاول صفقة بيع شركة اتصالات عدن تحفر بهمة القبر الذي ستدفن فيه الشرعية معنويا وعملياً. كل يوم تتضح تفاصيل تجعل من الصفقة بمعاييرها الحالية كارثة اقتصادية وموضع شقاق وطني ونقطة مزايدة وتنطع. لكنها تكشف عورة الجمهورية اليمنية وهشاشة اتخاذ القرار في البلاد.
 
نعم هناك حاجة ماسة لتحرير الاتصالات من سلطة انقلابية وذات سلوك مافيوي؛ الجماعة الحوثية. وهناك حاجة لتثبيت قطاع اتصالات خادم يواكب الاتصالات الحديثة ويشغل الشباب ويدر أموالا للخزينة العامة. لكن هناك حاجة موازية لجعل قطاعات حيوية كالاتصالات متوافقة مع القيود الدستورية والسيادية.
 
والأكيد أن القطاعات الخدمية والاستثمارية في البلاد لا تستطيع النهوض إلا بمشاركة الرأسمال الخاص واستثمار خارجي. مرحبا بالاستثمار الخاص والخارجي. لكن بما يكفل حق اتخاذ القرار اليمني وصون أمن البلاد وضمان حقوق الشعب والأجيال القادمة وتفادي أي صراع مصالح او نفوذ مع المستثمر الأجنبي.
 
المشكلة في صفقة شركة الاتصالات أن الانفصاليين يروجون للبيع باعتباره مكسبا جنوبيا وأن الشركة لعدن بينما موضوع الصفقة شركة وطنية تخص كل اليمنيين. بما أنها كذلك فان مطابقة إجراءات البيع قانونيا وضمانات اقتصادية وأمنية مسألة حيوية فوق المزايدات توازي الحاجة إلى اتصالات أمنة.
 
كنت أتوقع أن الانفصاليين اكثر حرصا على ما ستكون موارد دولتهم القادمة لكن تهافتهم على اتمام صفقة بهذه المعايير إهدار فاضح. لو كانوا حريصين على ثروات ومنشآت الجنوب القادم لجعلوا الحصة المحلية من الشركة لا تقل عن70% بالمائة. إذ لا فرق بين أن تكون الاتصالات بيد الحوثي او طرف خارجي.
 
كل ظروف انجاز الصفقة تقتضي تقصي أعلى درجات الحرص واليقظة. فلسنا في وضع اقتدار سياسي يضمن لنا نزاهة الإجراءات ولا في استقرار مؤسسي يكفل أن تأخذ كل سلطة إجراءاتها بكل سلاسة وكفاءة ولا في فائض من النعمة يسمح لنا توزيع موارد البلاد مجاملة وتأليفًا للقلوب.
 
وقبل أن تكون معركة انفصال ووحدة هي معركة مؤسسات ومعركة مع أكثر المؤسسات الدستورية شرعية اي مجلس النواب. تجاوز موقف مجلس النواب من هذه الصفقة واتمامها خارج موافقته إجهاز كلي على الشرعية في الحكومة. عدا مجلس النواب فإن المؤسسات الاخرى توافقية تستمد شرعيتها الدستورية من البرلمان.
 
لكن العبرة مما يحدث هو أن الحوثي تشطيري يهدر ثروات البلاد ويهدد سلامتها وسيادتها بطريقة مباشرة عندما قوض مؤسسات الدولة واستولى سلالياً وعنصرياً على ثروات البلاد وبطريقة غير مباشرة عندما ولّد خصوما له على شاكلته مستعدين الارتماء في أي حضن وبأي ثمن مقابل الخلاص منه.
 
التحفظات كثيرة والمحاذير عديدة. ما يزال هناك خيط أمل نحيف في مجلس الرئاسة في ترجيح كفة المصلحة الوطنية والوصول إلى توازن بين الاحتياجات وبين التعامل مع تهور الشركاء السياسيين المحليين وشره الشركاء الاقليميين. الأكيد ان الانتصار على الحوثي يتطلب انتصارا قانونياً ومؤسسياً.
 

*من صفحة الكاتب على "فيسبوك"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر