شيئًا من نور الميثاق


أحمد عبيد بن دغر

 
إن التعصب الأعمى لا يثمر إلا الشر، وأن محاولات أية فئة متعصبة للقضاء على الآخرين، أو إخضاعهم بالقوة، قد فشلت عبر تاريخ اليمن كله، وأن الاستقرار الجزئي أو الشامل لليمن في ظل حكم يتسلط بالقوة ويتسلط بالدجل والخديعة لا يدوم طويلاً، وغالباً ما ينتهي بكارثة، بعد أن كان نفسه كارثة على الشعب، وأن الحوار الواعي هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق حياة أفضل للجميع"، ((من مقدمة الميثاق الوطني))
 
قليلًا هي الوثائق المنهجية المرجعية التي تَعبُر المراحل وتظل ذات معنى وقيمة، موجهة ومحرضة وهادية، الميثاق الوطني للمؤتمر الشعبي العام واحدة من هذه الوثائق الوطنية، ليس الوحيد بين المرجعيات السياسية مع كثرتها لتعدد مصادرها الفكرية والسياسية، لكنه يبقى الأهم، والأكثر حضورًا عندما تظهر الحاجة إلى مرشد نظري نستضيئ به في حياتنا السياسية والاجتماعي والاقتصادية، أو عندما تضطرب بنا الأحوال.
 
قد ندخل على هذا النوع من الوثائق المرجعية بعض التعديل، وهذا ما حدث لهذه الوثيقة، الرؤية والمنهج، لكنه تعديل لا يمس كثيرًا الجوهر والقيم الكبرى التي تحكم وتنظم حياة الشعوب التي تعيش عالم اليوم عالم العلم والمعرفة، بل قد يمنحها التعديل معنًى أكثر عمقًا وصفاءً ونورًا.
 
يلخص هذا النوع من الوثائق خلاصة وعمق التجربة الوطنية والإنسانية في الدعوة للخلاص وبلوغ مستقبل أفضل، وعادة فهي لا تبدو (هذه القيم) منبتة أو منفصلة عن القيم السائدة في المجتمع، والتي حكمت مساره، وكونت ثقافته وعاداته وتقاليده، وإن أعادت تقديم العام الإنساني منها بلغة وثقافة العصر، وبتأثير من تطور الإنسان ذاته.
 
مع اقتراب ذكرى تأسيس المؤتمر في أغسطس من كل عام أدعو زملائي أعضاء المؤتمر الشعبي العام وأنصاره ومحبيه والمهتمين بتاريخه الذي هو وجه آخر من تاريخ التجربة السياسية الحديثة في اليمن، أدعوهم -وهم يستعدون للاحتفال بذكرى التأسيس- لقراءة الميثاق الوطني من جديد، والوقوف بتمعن عند رؤاه الوطنية وقيمه الكبرى التي حكمت أؤلئك الذين صاغوه، وقد عانى بعضهم من ويلات النظام الإمامي، وقاسوا من آلامه، كتبوه وفي خلفيتهم تاريخ من النضال الوطني والنزوع المستمر العنيد نحو الخلاص نحو الحرية والعدالة والمساواة.
 
إن الجوهر في الميثاق الوطني هو الدفاع عن النظام الجمهوري لارتباطه العضوي الوثيق بالوحدة، وبحاضر ومستقبل اليمن، وهو لا ينص حرفيًا على أنها دولة اتحادية من أقاليم، لعدم خضوعه لقراءة ما بعد 2011، فمفهوم الدولة أو النظام السياسي الاتحادي مفهوم جديد نسبيًا في الوعي الجمعي للنخب المثقفة وهو خلاصة تجربة وطنية مثلت شيئًا من الاجماع الوطني، لم تتبلور بعد كنظام سياسي لكنها رؤية موضوعية تستشف مستقبل اليمن وقد عجز النظام السياسي المركزي عن استيعاب تناقضاته.
 
النظم الاتحادية في جوهرها حقوقًا بل تكثيفًا لهذه الحقوق الانسانية. وفي جذورها تكثيفًا للديمقراطية التي لا تستقيم الجمهورية والوحدة بدونهما، كما أن الديمقراطية تسقط الحق الإلهي المزعوم كذبًا في الحكم، ومن هنا الاصرار عند الحوثة ودعاة الولاية على العودة للماضي الإمامي العنصري البغيض، ليتيح لهم قيادة المجتمع من جديد.
 
وأبعد من ذلك فالنظم السياسية الاتحادية كما هي في تجربة الشعوب المعاصرة تمثل اعترافًا وأخذًا بالتنوع في إطار الوحدة، وهو ما نفتقده نحن في اليمن المعاصر حيث النزوع للتسلط والمركزية لازالت وعيًا سياسيًا مشوهًا لدى البعض، يسعى لفرضه عبر الادعاء ذو الأصول الخرافية، أو من خلال القوة والعنف.
 

*من صفحة الكاتب على فيسبوك

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر