هل تغير موقف مصر من النزوح الفلسطيني المحتمل؟

فارق كبير بين تصريحات رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، التي ألقاها أمام برلمان بلاده في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، والتي أكد خلالها أن "أي نزوح للفلسطينيين من غزة سيواجه برد حاسم"، وأن "مصر لن تتوانى في اتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن حماية وصون حدودها"، وبين تلك التي ألقاها في الجلسة الحوارية بشأن الوضع في غزة على هامش أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في العاصمة السعودية الرياض، في 29 إبريل/نيسان الماضي، وقال فيها إن "أي اعتداء على رفح الفلسطينية سيمثل كارثة وسيؤدي إلى نزوح، وقد يعني ذلك أن يضغطوا لعبور الحدود نحو مصر. ونحن جاهزون لتزويدهم بأي دعم"، في معرض تعليقه على النزوح الفلسطيني المحتمل بحال شنّ الاحتلال الإسرائيلي هجوماً على رفح الحدودية.
 
تصريح غير مفهوم حول النزوح الفلسطيني
 
تصريح مدبولي الأخير في السعودية وصفه المساعد السابق لوزير الخارجية المصري السفير عبد الله الأشعل بأنه "أول تصريح من مسؤول رسمي كبير يعترف بأن مصر جاهزة ومستعدة لاستقبال الفلسطينيين". وقال الأشعل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هذا التصريح خطير ويساهم في دعم خطة الاحتلال الإسرائيلي لإقامة دولة فلسطينية في سيناء المصرية"، مضيفاً أن ذلك يحدث "بينما الشعب المصري مغيّب بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها".
 
بدوره، رأى نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو هاشم ربيع، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "من الصعب التكهن بما هو المقصود تحديداً من حديث رئيس الحكومة المصرية، وما الغاية منه، ولكن هذا بالتأكيد كلام غير صريح، فلا يوجد شيء اسمه تقديم الدعم للفلسطينيين، من دون توضيح ماهية هذا الدعم، وتحديد مكانه، وما إذا كان سيقدم داخل حدود قطاع غزة، أم أن مصر ستستقبلهم وتفتح أبوابها لاستقبال الآلاف منهم".
 
وأضاف ربيع أن حديث مدبولي "يحتوي على قدر من الغموض، وهذا ليس جيداً، خصوصاً أنه يمكن فهمه من قبل إسرائيل بأن مصر مستعدة لاستقبال لاجئين فلسطينيين، ولكن العزاء الوحيد أن الحديث عن النزوح الفلسطيني المحتمل صدر عن رئيس الوزراء، ولم يصدر عن وزير الخارجية (سامح شكري) ولا رئيس الجمهورية (عبد الفتاح السيسي)، ولا شخص متخصص في السياسة الخارجية". وأضاف أن مدبولي "قليل الخبرة في هذا المجال، وفي طريقة اختيار المصطلحات والأسلوب والتعبير، لكن تصريحه يعتبر غير مفيد على الإطلاق".
 
وفي هذا السياق، قال أستاذ القانون الدولي العام وخبير حفظ السلام الدولي السابق في البلقان أيمن سلامة، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا تستطيع دولة الجوار للنزاع المسلح أن تصد اللاجئين الإنسانيين الفارين من أتون النزاع المسلح وتداعياته الكارثية على حياتهم وأرواحهم وممتلكاتهم، إذ تلزم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وفي الصدارة منها اتفاقية الأمم المتحدة للمركز القانوني للاجئين عام 1951، دول الجوار للنزاع المسلح بإيواء وقبول هؤلاء اللاجئين وقاية وحماية لهم بشكل مؤقت لحين انتهاء النزاع المسلح، ولحين استتباب الأوضاع واستقرار الأمن في ذلك النزاع".
 
وأضاف: "هذا ما حدث في عام 2009 في مصر حين استضافت عشرات الآلاف من اللاجئين الفارين من الصراع المسلح وتحديداً حملة الرصاص المسكوب الإسرائيلية في قطاع غزة، التي بدأت عام 2008 وانتهت في يناير/كانون الثاني 2009".
 
وتابع أنه "حين تزعم أي دولة جوار لصراع مسلح أن ظروفها الأمنية تبرر لها رفض هؤلاء الفارين، فلا بد أن توفر المسوغات القانونية التي تجعلها لا تستطيع استقبال هؤلاء اللاجئين".
 
 
معايير المنطقة الآمنة
 
وتعليقاً على "المناطق الآمنة" التي تحدث عنها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، والتي زعم أنها قد توفر الحماية للنازحين الفلسطينيين قبل اقتحام رفح، بما يمنع حدوث النزوح الفلسطيني المحتمل مرة أخرى إلى سيناء، رأى سلامة أن "حتى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن لا تستطيع الوفاء بالمعايير الموضوعية والقانونية لأي مناطق آمنة في هذه البقعة السكانية كثيفة العدد، بعد أن ناهز عدد النازحين في رفح الفلسطينية مليوناً و200 ألف".
 
وأضاف: "حين يقتحم جيش الاحتلال المنطقة الآمنة، وحين تستخدمها التشكيلات والوحدات المقاتلة الإسرائيلية في أعمال الكرّ والفر والتحصين والالتفاف والحصار من أجل تحقيق ميزة عسكرية على حركة حماس في رفح، فهل سيظل نتنياهو يزعم أنها منطقة آمنة؟ وهل توجد أي مناطق آمنة في العالم أثناء النزاعات المسلحة دون مراقبة إما من الأمم المتحدة أو من قوة متعددة الجنسيات محايدة ومستقلة؟".
 
وحول الرد المصري المتوقع على الاقتحام المرتقب لرفح، توقع سلامة أن مصر "لن تقوم بالمساس أو تعليق الملاحق الأمنية الثلاثة لمعاهدة السلام مع إسرائيل، ولكن ربما إن لم تستجب إسرائيل لبعض المحظورات المصرية الأمنية التي أكدتها مصر غير مرة لإسرائيل وراء الكواليس، فإن مصر قد تقوم بتعليق بعض النصوص التي وردت في المعاهدة".
 
من جهته، رأى الرئيس السابق لحزب الدستور علاء الخيام أن "مصر هي الدولة الوحيدة القادرة على منع اقتحام قوات الكيان الصهيوني رفح الفلسطينية"، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنها "كانت تمتلك الكثير من الفرص للتحرك بجدية لمنع الاعتداء على غزة، ولكنها لم تتحرك كفاية".
 
 وتابع: "بخصوص القضية الفلسطينية، فلن تجرى تصفيتها أبداً، فهي قضية إنسانية وقضية كل صاحب ضمير حي، وباقية حتى النصر". وتابع: "كل المؤشرات تؤكد أن الاقتحام سيحصل ونتنياهو يرى أن هذا هو الحل الوحيد لإنقاذ مستقبله السياسي، وقد نال موافقة أميركية، ومع ذلك، فإن التصريحات المصرية لم ترتق إلى المستوى المطلوب حتى الآن".
 
العربي الجديد
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر