تنشأ إعاقات السلطة من قصورها الذاتي والوظيفي بحيث تراكم أخطاءها، ومن ثم تعيق استمراريتها، بيد أن هناك نماذج في السلطة، كالمجلس الرئاسي في اليمن، تتأتّى أسباب إعاقتها من عوامل بنيوية تقيّدها، وتعمل في المقابل على تفكيكها، فبعد مرور عام على تشكيل المجلس، باتت تحدّيات إعاقته تتجاوز صراعات القوى المنضوية فيه إلى تحدّيات لا تقلّ عنها خطورة، إذ إن المجلس الذي فُرض نتيجة توافق حلفائه الإقليميين أصبح مرتهنا لتحوّلات هذه العلاقة، إذ إن التنافس السعودي - الإماراتي الذي بدت مؤشّراته واضحة في المناطق الخاضعة للمجلس الرئاسي قد تنعكس على سلطة وكلائهما، بما في ذلك تباين مقاربتهما من القضايا الدولية والإقليمية، إلى جانب التحوّلات الحالية، سواء التفاهمات السعودية مع جماعة الحوثي لإنهاء تدخلها في اليمن أو التقارب السعودي - الإيراني الذي قد يضيف أعباء إضافية على سلطة المجلس.
 
فرضت صيغة السلطة الانتقالية المشكّلة من توليفةٍ من القوى المتصارعة تماثلاً بينها من حيث المشروعية، بحيث أنتج ذلك تنافسها على القرار ومن ثم على السلطة، إذ إن بنية السلطة لم تؤسّس حتى لهرمية سياسية أو تراتب في السلطة، بحيث يخلق حالة من التوازن، بل خضع لعوامل القوة العسكرية، بما في ذلك دعم حلفائها الإقليميين، وهو ما ولّد حروب الإزاحة والتمكين التي شهدتها بعض المناطق الجنوبية في العام الماضي، إلى جانب أن تعدّد السلطات داخل المجلس وعدم وجود آلية تنظم عمله، وتحدّد صلاحيات النواب والرئيس كرّس فوضى سلطات متنافرة، بحيث افتقر المجلس للحد الأدنى من التوافقية، حتى على مستوى تنسيق المهام، وهو ما انعكس على إدارة الدولة في المناطق المحرّرة، فمن تعطيل الحكومة واستمرار الانفلات الأمني إلى تردّي الجانب المعيشي وغياب الخدمات مقابل تحوّل المدن اليمنية إلى مناطق نفوذ سياسية واقتصادية وعسكرية لقوى المجلس.
 
 
ومن جهة ثانية، أدّى فشل المجلس الرئاسي في توحيد القوى العسكرية والأحزمة الأمنية تحت سلطة وقيادة موحدة، ورغم تأسيس لجنة لهذا الغرض، إلى استمرار حالة الصراع والتنافس بين قواه، والمضي بتأسيس تشكيلات عسكريةٍ لفرض نفوذها. ومع أن استمرار الهدنة، وإن لم تكن رسمية مع جماعة الحوثي، جنّب المجلس حالة انكشاف عسكري، وذلك بزجّ قواتٍ منقسمةٍ في جبهات القتال مع الجماعة، فإن تجدّد المواجهات في جبهة حريب، جنوب مأرب، أخيرا، ومخاوف تصاعد حدّتها، قد يشكّل ضغطا عليه مستقبلاً، وإذا كان تشظّي المجلس قد انعكس على كل أطره وأجهزته الوظيفية، فإن تشظّيه السياسي يعد أبرز ملامحه، إذ افتقرت السلطة المشكلة من قوى سياسية متباينة الأيديولوجيات والأجندات لسياسة موحّدة تحدّد خطابها وأيضا لرؤية وطنية، حيث احتفظت كل قوة بخطابها الذي يعكس أيديولوجيتها وأجنداتها وعلاقتها بحلفائها، ومن ثم عكست خطابها في المجلس الرئاسي من خلال نوابها، فمن الخط الإماراتي الذي يمثله المجلس الانتقالي الجنوبي، وحزب المؤتمر الشعبي والقوى السلفية، إلى خط التوافق السعودي - الإماراتي الذي يمثله رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي والقوى السلفية ورئيس الحكومة، إلى حزب التجمّع اليمني للإصلاح الذي عكس، هو الآخر، رؤية الحزب وداعميه الإقليميين.
 
وإلى جانب حالة الاستلاب السياسي لسلطة المجلس الرئاسي، فإنها مقيّدة بإدارة حلفائها حيث تشرف السعودية والإمارات على موازين القوى داخل سلطة وكلائها، بما في ذلك التعيينات، إضافة إلى دورهما ضامنين لاستمرارية سلطة المجلس الرئاسي وحلحلة الخلافات بين قوى المجلس، فضلاً عن احتكارهما قراره الاقتصادي والعسكري والسياسي، ومن المستوى الإداري إلى السياسي، حيث يخضع المجلس للسياسة السعودية – الإماراتية، سواء مع جماعة الحوثي أو تبنّي القضايا الإقليمية والدولية لحلفائه، بيد أن السلطة التي تأسّست بقرار سعودي - إماراتي تكون عرضةً للهزّات السياسية مع تغير علاقة حلفائها أكثر من تمترس قواها أيديولوجياً وسياسياً، فإذا كانت علاقة التابع بالحليف قد أخضعت المجلس لسياسة وكلائها، إلى جانب استخدامها من قوى المجلس ورقة ضغط ضد شركائه، أو للتلويح بالقوة، فإنها أيضاً جعلت المجلس وقبلها قواه محطا للتجاذُب، ومن ثم التنازع من الحلفاء.
 
أنتج التوافق السعودي - الإماراتي في إدارة اليمن شروطا سياسية، وإن كانت ظرفية أفضت إلى تشكيل المجلس الرئاسي في السابع من إبريل/ نيسان الماضي، وذلك بعد عزل الرئيس عبد ربه منصور هادي، ونقل السلطة إلى المجلس، وضمنت السعودية (ثم الإمارات) من خلال هذه الصيغة تمثيل وكلائهما، وتغير شكل تدخلهما في المستقبل، بحيث يتناسب مع أجنداتهما الجديدة، ومن ثم عملتا على تخفيف حدّة التجاذبات بين وكلائهما، وإن مكّنتا طرفا على حساب آخر.
 
رافق ذلك توافق الحليفين على تخفيض الصراع مع جماعة الحوثي من خلال فرض الهدنة وتجديدها في العام الماضي، بيد أن نقطة الخلاف المركزية ظلت في تباين مقاربتهما الملفّ اليمني، ففي حين تمحورت المقاربة الأمنية في إدارته، ومن ثم طرق الحل بالنسبة للسعودية، وذلك باعتبارها عمقا أمنيا يجب احتواؤه، حيث تظلّ أراضيها، بما في ذلك منشآتها النفطية، هدفا متاحا لصواريخ جماعة الحوثي مقارنة بالإمارات، إلى جانب المشكلات الأمنية في حدودها الشاسعة مع اليمن، فإن البعد الجغرافي من اليمن بالنسبة للإمارات جعلها أكثر تخفّفا في إدارة تدخّلها في اليمن، ومن ثم مقاربتها بحسب مصالحها، وذلك باستثمار تدخّلها بوصفها قوة حليفة لوكلائها، ومن ثم تكريس وجودها في الموانئ اليمنية.
 
وبالتالي، بدت السعودية أكثر حرصا لتثبيت الهدنة في اليمن من الإمارات، وإن طاولتها صواريخ الجماعة في العام المنصرم، وإذا كان تقاربهما السياسي، ومن ثم الاستراتيجي والأمني، طوال العام السابق، قد جنّبا الساحة اليمنية خلافاتهما، فإن تصاعد التنافس البيْني، سواء في اليمن أو في الإقليم، وقبلها تنافسهما على استثمار تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية مثل مؤشّرا لبداية افتراق الحليفين أو على الأقل فتور علاقتهما.
 
دوليا، بات خط الافتراق واضحا مع تبنّيهما سياسات اقتصادية متعارضة في سوق النفط حيال زيادة الإنتاج أو خفضه، رافقه تنافس سعودي - إماراتي على تنمية شراكاتٍ دوليةٍ تمكّنهما من تعزيز هيمنتهما قوتين نفطيتين في منطقة الخليج، وفي اليمن، الساحة التي تنشط فيها الدولتان كحليفتين لوكلاء متعدّدين بدا التنافس واضحا، ففي حين استثمرت السعودية سلطة وكلائها لتثبيت نفوذها في المهرة وحضرموت، فإن الإمارات بدأت منذ نهاية العام الماضي بتعزيز موقعها الاقتصادي، ومن ثم الاستراتيجي في المناطق المحرّرة من خلال صفقات اقتصادية مع الحكومة.
 
إلى جانب السيطرة على الموانئ في المناطق الجنوبية، الأمر الذي، وإن تغاضت عنه السعودية سابقا، قد يشكّل، وفي ظل تصدّع علاقتها بحليفها، بالنسبة لها تحدّيا لنفوذها أو توسّعا على حسابها، إذ استطاعت الإمارات، ومن خلال وكيلها، التمركز في باب المندب، وهو ما يمنحها موقعاً استراتيجياً على البحر الأحمر الذي يمثل بالنسبة للسعودية منطقة نفوذ حيوي باعتبارها إحدى الدول المطلة عليه، إلى جانب توسّع النشاط الإماراتي في حضرموت، وهو ما يعني مضاعفة التنافس مع السعودية في منطقة نفوذها، إلى جانب سعي الإمارات إلى إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة عبد الكوري، وأمام نجاح الإمارات في استراتيجية الاستقطاب الاجتماعي والسياسي في المناطق الجنوبية مقارنة بالسعودية، فإنها قد تلجأ إلى وسائل أخرى لحماية نفوذها وتوسيعه.
 
 وإذا كان انخراط السعودية في عقد تفاهمات مع جماعة الحوثي جرى بمعزل عن حليفها، وكذلك توقيعها مع إيران اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية، وإن كانت الإمارات تتمتع بعلاقات أمنية واقتصادية ودبلوماسية مع إيران، فإن هذه الاستراتيجية ستمكّن السعودية من تغيير إدارة نفوذها في اليمن، والذي قد يعني مراقبة حليفها ومنافسها الإماراتي وتقييده.
 
الأزمة بين الحليفين، وإن كانت في سياق تباين سياستهما الإقليمية والدولية، وقبلها إدارة نفوذهما في اليمن، انعكست إلى حد ما على سلطة وكلائهما، وذلك بتصاعد التوترات السياسية بين قوى المجلس الرئاسي وتناقض مواقفها من سياسات حلفائها الحالية، فمن جهة، مثلت التفاهمات السعودية مع جماعة الحوثي تهديدا للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال، بحيث قد يحيّده من أي تسوية سياسية مستقبلية تنهي الحرب في اليمن، ومن ثم لا تكرّس تثبيته قوة سياسية وعسكرية تمثل الجنوب في السلطة، وهو ما انعكس بتصريحات زعامات "الانتقالي" إلى جانب التصعيد في حضرموت الوادي. ومن جهة ثانية، حاول "الانتقالي" مواءمة سياسته في ضوء التحوّلات الإقليمية الجديدة التي قد تؤثر على الملف اليمني، حيث رحب بالاتفاق السعودي - الإيراني، خلافا للحكومة اليمنية التي بدت مرتبكة حيال سياسة حليفها من إيران.
 
ومن جهة ثانية، وعلى الرغم من أن تنافس الحليفين لم يتّخذ في اليمن نقطة اللاعودة، وإن كانت سلطة المجلس أضعف من معارضة حلفائها، حتى لو كان على حساب قضم الأراضي اليمنية، فإن مضي الحليفين في تكريس نفوذهما قد يدفعهما إلى تحريك أدواتهما بعضها ضد بعض، خصوصا في المناطق الجنوبية، إلا أن الأكيد بالنسبة لسلطةٍ تمثل قوى الخارج أنها لا تملك خياراتٍ كثيرة في معركة آبائها.
 

*نقلاً عن العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر