الحرب وتنظيم القاعدة


بشرى المقطري

يشكل مقتل زعيم تنظيم القاعدة في اليمن وجزيرة العرب، قاسم الريمي، ضربة موجعة للتنظيم، إذ يمثل ذلك استهدافا لقياداته من الصف الأول، وبالتالي استنزافاً له، الأمر الذي قد يفرض على "القاعدة" العودة إلى مرحلة الكمون، وذلك لحماية نفسه، فعلى الرغم من ضعف التنظيم تحت ولاية قاسم الريمي، وهو ما انعكس في انخفاض عملياته على الأرض، فإن من المبكر الاعتقاد بأن مقتل المذكور قد يعني، في أي حال، القضاء على مستقبل تنظيم القاعدة في اليمن، أو تجفيف منابع التطرّفات الدينية.
 
إذ لا تزال عوامل عديدة تعمل على تعضيد حضور "القاعدة" وتوسيع قاعدته الاجتماعية، فإضافة إلى تماسك الحاضنة القبلية التقليدية للتنظيم في مناطق يمنية محددة، بحيث شكلت مربعات آمنة لنشاطه والانطلاق إلى مناطق أخرى، فإن سنوات الحرب في اليمن كرّست، إلى حد كبير، ظاهرة التشدّد الديني ردة فعل لاواعية على صدمة الحرب.
 
وهو ما مكن الجماعات الإسلامية الجهادية، وعلى رأسها تنظيم القاعدة، من التوسع في مناطق ظلت مغلقة بالنسبة له، كما مثلت بيئة الحرب الاقتصادية القاهرة التي ما زال يعيشها معظم اليمنيين محيطا حيويا لاستقطاب أنصار جدد، من خلال شبكات اجتماعية موالية للتنظيم مدّته بمقاتلين عقائديين، فيما عزّزت سياسة قوى الحرب المحلية والإقليمية من تمكين تنظيم القاعدة، فضلاً عن إصرارهم على استدامة الحرب في اليمن، وهو ما يصبّ في صالح التنظيم والجماعات الدينية المتطرّفة.
 
تولّى قاسم الريمي، المكنى بأبي هريرة الصنعاني، قيادة تنظيم القاعدة خلفاً للقيادي ناصر الوحيشي الذي قتل في غارة أميركية في منتصف عام 2015، حيث واصل نهج التنظيم الذي اتسم بالبراغماتية، فقد استغل ظروف الحرب الحالية التي مثلت بنية دعم متعدّد الأوجه لتنظيم القاعدة.
 
 فمن جهة، أدّى اصطباغ الحرب في اليمن بالبعد شبه الطائفي إلى تكريس التنظيم قوة محلية سنية رئيسة في سياق الصراع مع التمدد الشيعي، فيما استثمر انشغال فرقاء الصراع المحليين في إدارة الحرب، بحيث استطاع ملء الفراغ السياسي في بعض المناطق اليمنية، كما تحوّل إلى سلطة مجتمعية موازية في مناطق أخرى.
 
ومن جهة ثانية، نتج عن توظيف الإمارات والسعودية عناصر من تنظيم القاعدة كمقاولين محليين في بعض الجبهات، بما في ذلك انخراطهم في تحريرها، إلى ازدياد شعبية التنظيم في هذه المناطق. ومن جهة ثالثة، استغل تنظيم القاعدة تنافسية الأحزاب الإسلامية والجماعات السلفية المقاتلة المنضوية في تحالف السلطة الشرعية، والتي تشترك معه بأنها المخزون التقليدي للإسلاميين المحافظين، بما في ذلك القوى المناوئة للشرعية في جنوب اليمن، بحيث تمكن من جذب العناصر المتشددة كمقاتلين موالين له، فضلاً عن اختراقه مؤسسة الجيش التابع للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، والأحزمة الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات، بما في ذلك تسرّب الأسلحة إلى مقاتليه، وفقاً لتقارير استقصائية.
 
تنبع قوة تنظيم القاعدة من قدرته على التكيف مع مختلف الظروف، إذ استطاع خلق طرق بديلة للتعاطي مع هذه المتغيرات، وتوظيفها لصالحه، بحيث لم يؤثر استمرار استهداف قياداته على بنيته العامة، إذ مكّنته استراتيجيته الحذرة القائمة على عدم الاصطدام بالأطر الاجتماعية المحلية، وإنما الاشتغال من داخلها، من مراكمة علاقات قبلية تاريخية، أصبحت في ظروف الحرب الحالية إما قوى رديفة له، أو توفر له الحماية.
 
كما أن ترجيح كفّة تنظيم القاعدة في اليمن على حساب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) جعلت من التنظيم القوى الدينية الأكثر جذباً، بحيث استقطب طوال سنوات الحرب عددا كبيرا من الشباب الفقراء والعاطلين عن العمل، كما أدّى استمرار انزياح القوى السياسية لصالح المليشيات المسلحة على اختلاف تموضعاتها السياسية، وتآكل القوى المدنية، إلى تنامي تنظيم القاعدة، وغيره من التنظيمات الراديكالية في اليمن، على حساب هذه القوى.
 
في المقابل، شكلت إدارة القوى الإقليمية المتدخلة وأجنداتها المتضاربة في المناطق المحرّرة عاملاً حاسماً في تمكين تنظيم القاعدة، وتعزيز مواقعه، بحيث أصبح طرفاً ثالثاً، ولاعباً محلياً استفاد من هذه الأجندات المتنافسة وخدمها، بحيث تحوّلت المناطق الجنوبية جغرافيا مثالية لنشاط التنظيم.
 
إذ مثلت بنية الصراع المحلي المستمر في جنوب اليمن، القائمة على استقطابات مناطقية وجهوية وسياسية، والتي عمّقتها الأجندات الإماراتية - السعودية، مناخاً ملائماً للجماعات المتطرّفة التي تتغذّى على مختلف أشكال التطرّف. كما أن استمرار دعم الإمارات والسعودية طرفي الصراع في جنوب اليمن، ممثلاً بالمجلس الانتقالي والسلطة الشرعية، وعرقلة تشكيل سلطة سياسية مستقرّة، مكّن التنظيم من تثبيت مواقعه، بما في ذلك استخدام القوى المتصارعة للتنظيم لتصفية خصومها أو تحميله مسؤولية جرائمها.
 
كما أن عرقلة جهود تطبيع الحياة في مناطق الجنوب، وغياب السلطة التي تتولى إدارة هذه المناطق، بما في ذلك تيسير حياة المواطنين، مكّنت القاعدة من استثمار حالة الغضب والتغلغل في المجتمع، فيما صبّت آلية القوى المتدخلة وحلفائها المحليين في مكافحة الإرهاب في تكريس "القاعدة"، إذ لا تزال أجهزة مكافحة الإرهاب في مدينة عدن ومناطق الجنوب عموماً أداة لتعزيز التنظيم، بسبب ممارساتها اللا إنسانية واعتقالها أبرياء بتهم كيدية، فضلاً عن تمكين سلطات الحرب رجال الدين المتطرّفين من السيطرة على المنصّات الاجتماعية والدعوية، على حساب التيارات الوسطية، حيث أوجد ذلك بؤرا جديدة للتطرّف الديني، وبالتالي تعزيز منابع الإرهاب في اليمن.
 
هكذا تريد الدول الراعية للحرب والإرهاب أن يعيش اليمن في هذه الدوامة، إذ إن القضاء على الإرهاب وتجفيف منابع التطرّفات الدينية بكل أشكالها، لا يتأتى من استهداف قيادات التنظيم، واعتبار ذلك نصراً كما تفعل إدارة ترامب في محاربة القاعدة في اليمن، وإنما من استئصال البيئة الاقتصادية والاجتماعية التي أوجدت التطرّف عقودا، كما أن ادّعاء مكافحة الإرهاب في اليمن، وإقامة يمن مستقر، كما تدّعي السعودية والإمارات، لا يتأتّى أبداً من تأبيد الحرب وتغذية صراعات القوى المحلية لتحقيق أجنداتها، وإنما من إنهاء الحرب والاقتتال والعنف والمجاعة التي تستنزف اليمنيين، وتجعلهم عرضةً لاستقطاب التنظيمات الجهادية.
 
 
*نقلاً عن العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر