على ماذا نخاف؟


نسيم القواس

في العنوان أعلاه؛ قد يبدو السؤال سخيفًا، وقد يبدو جديّ في حين، وأكثر سخفًا في أحايين كثيرة.

يحدد جدَه من هزله، الرد والجواب عنه.. 

هنا سأقف وأتساءل: على ماذا نخاف إن عاد طلابنا من الصين، تلك الدولة التي تصارع وتصنع الفيروسات وتحاربها، الدولة التي تعرف كل شي وتصنعه، تقف عاجزة أمام المرض، ونقف أمام عجزها مذهولين، إزاء ما يحدث، وما تعانيه اليوم من حجم كارثة لا تهددها فحسب؛ بل تهدد البشر جميعًا. 

لكنني وبعيدًا عن الصين، وكل المهددين بالفناء بسبب هذا الفيروس المسمى "كورونا"؛ أقف عند حال طلابنا المحاصرين هناك، الذي يستغيثون لإجلائهم من المُدن الموبوءة بالمرض، المعزولين في المنازل، والمصابين قبل المرض بالقلق والترقب.

اضع نفسي مكان أحدهم، استشعر خوفهم، عجزهم عجز وطني في احتوائي داخله، حين أجبرني على الهجرة، وعجز مرة أخرى على أن يمسك يدي، وينقذ روحي، حينما يكون هو سبيل النجاة الوحيد.

لا أكثر قهرًا من شعور أحدنا، ألا وطن يحميه، أو أن الوطن الذي أحببته قد تخلى عنك عندما طلبت نجدته وعونه، لا من أجل منصب أو مال أو شهرة؛ بل من أجل حياة كريمة، فقد هاجرت لتتعلم وتتطور وتعود بخبراتك وكفاءتك لتساهم في نهضته، ثم لا تجد وطنًا ينقذك، وأنت على هاوية الحياة، يقترب منك الموت، كل وقت وحين. 
 
والأشدّ قهرًا، ألا يكون لك وطن يخاف عليك ويحميك، أن يكون لك أسرة وأقارب يخافون عودتك، ومواجهة المصاعب معك، يمدون أيديهم لأنتشالك، يحاربون في أنفسهم فيروس الخوف والعجز واللاشعور بالمسؤولية؛ ليقفوا معك قبل أن يصيبك فيروس المرض ويساعدونك إن تعرضت للإصابة. 

إذًا يبقى السؤال: على ماذا نخاف؟  بل على ماذا نخاف، هل من الفقد والمرض والموت ..؟؟
 
من يعيش في وطن صور القتلى في جامعاته أكثر من الدارسين فيها، ومساحات المقابر في مدنه والقرى أكثر من المزارع والحدائق، ورواد المستشفيات أكثر من طلاب مدارسه، على ماذا يخاف؟ 

على ماذا نخاف حتى نترك غيرنا لشبح الموت، وقلق الانتظار خوفًا من عدوى، أو من عدم القدرة على مواجهة الموت، ونحن في وطن نفتح في كل بيت عزاء، يحاصرنا الموت والقتل والدمار حتى أصبح روتينًا اعتدنا عليه؟ 

لماذا نخاف من مرض يقتلنا دون أن نشعر منه بالقهر والغبن؛ مقارنة بموت على يد من يدعي الوطنية، يقتل وبدم بارد ابناء شعبه ووطنه؟
 
على ماذا نخاف، ونحن نموت ببطئ، حتى ندع طلابنا يموتون في منافي الخوف والإنتظار؟!

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر