"الهبة الشعبية" في صنعاء.. كيف أربكت مليشيات الحوثي وأجهضت "خططها الجذرية"؟ (تقرير خاص)

 بصورة تلقائية فاجأت مليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران واربكت حساباتها وخططها؛ خرج الآلاف من اليمنيين في صنعاء ومحافظات أخرى كإب والحديدة للاحتفال بالعيد الوطني الـ61 لثورة 26 سبتمبر التي أطاحت بالنظام الإمامي وأرست مداميك الجمهورية عام 1962م.
 
خلال يومي 25-26 سبتمبر، احتشد المواطنون في شوارع صنعاء وإب في مسيرات ومواكب سيارات ودراجات نارية رافعين العلم الوطني مرددين شعارات وهتافات وطنية، ما دفع بعناصر المليشيا الحوثية للاعتداء عليهم ونزع الأعلام وتدنيسها، واختطاف المئات منهم.
 
وتزامن ذلك مع تحضيرات كانت تجريها مليشيات الحوثي منذ أسابيع لإحياء ما يسمى "المولد النبوي"، والاستعداد لتدشين ما سمي "التغييرات الجذرية" التي كان زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي يعتزم الإعلان عنها في خطابه، في خطوة تستهدف تغيير شكل الدولة وضرب الثوابت التي أرستها ثورة 26 سبتمبر.
 
كسر حاجز الخوف
 
الخروج الشعبي العفوي الكبير في صنعاء، رغم ما تفرضه مليشيات الحوثي من حظر للتظاهرات وقمع أي تجمعات حقوقية وسياسية، أرعب المليشيا، التي بدت جماعة إمامية منبوذة وأن مشروعها وفكرها غير مقبول ولا مرغوب لدى اليمنيين.
 
وقال المحامي عبدالمجيد صبرة من صنعاء لـ"يمن شباب نت"، إن "هناك قناعة كبيرة عند الناس في مناطق الحوثيين أن هذه السلطة القائمة هي سلطة إمامية في حقيقتها وتصرفاتها مهما قالت لفظا خلاف ذلك"، مؤكدا أن "استمرار احتفالات اليمنيين رغم القمع هو تحدي للجماعة بأن ما يسعون إليه لن يتم ولن يكون".
 
وأوضح أن "الاحتفال بعيد ٢٦ سبتمبر هو المناسبة الوحيدة التي عليها اجماع كل اليمنيين وكل واحد يشعر بأن هناك من سوف يشد من ازره مهما كان انتمائه السياسي فهي المناسبة الوحيدة التي لا يختلف عليها اثنان باستثناء الإمامين واذنابهم".
 
وأكد صبرة، أن خروج اليمنيين رغم القمع هو تعبير عن رفض الظلم والعنصرية والتجويع الذي يواجهونه طوال العام"، مشيرا إلى أن ردة فعل المواطنين كانت قوية بسبب الاحتجازات التي قام بها الحوثيين على خلفية رفع الناس للعلم الجمهوري.
 
وكان المحامي صبرة، قد أفاد- في منشور على صفحته بالفيسبوك-، بأن الحوثيين احتجزوا قرابة ألف شاب في مدينة صنعاء على خلفية رفعهم العلم الوطني، احتفالا بثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
 
ولفت إلى أن اليمنيين كسروا، حاجز الخوف وينتظرون ساعة الخلاص من الإمامة الحوثية التي أعادة اليمنيين إلى عصور الاستبداد والعنصرية والخرافة والتجويع والإفقار الممنهج بينما هي تعيش في نعيم لم يسبق لهم أن عاشوه ويتباهون بالقصور والعمارات الفاخرة.
 
هشاشة الحوثي
 
الاحتفالات والزخم الشعبي لليمنيين في مناطق سيطرة المليشيات، أظهرت حقيقة الحوثية أنها مجرد فقاعة وتؤكد فشلها المليشيا في تعبئة الشباب وجيل النشء بفكرها الطائفي الدخيل على المجتمع الذي أثبت تماسكه وتمسكه بمبادئ وأهداف ثورة سبتمبر، رغم الأموال التي تنفقها المليشيا على الأنشطة والدعاية التعبوية الطائفية.
 
وعلق وزير الثقافة الأسبق، خالد الرويشان، على الاحتفالات بالعيد الوطني بالقول، إنها "غير حزبية وغير منظمة أو مدفوعة في كل مدينة وقرية.. اكتشافنا ولادة جيل سبتمبري جديد بعد 9 سنوات عجافٍ شداد! عنفوان جيل مفاجئ ووعي تاريخي بالجمهورية ورمزها العلَم وشجاعة في مواجهة تهديد القمع والمنع تستحق الإعجاب".
 
وأضاف: "في يوم وليلة اكتشفنا تلاشي كل جهود التحويث لسنوات، وحماقة تغيير المناهج وتعبئة عشرات إذاعات fm على مدار الساعة والخطابات المملّة في كل ميدان وشعارات ويافطات الشوارع الضخمة ومعسكرات الصيف الإجبارية للشباب والدورات مدفوعة الأجر.. كل ذلك طار في يوم وليلة".
 
وأشار الرويشان إلى أنه "رغم التهديد والوعيد وقطع الطرق احتفلوا في كل مدينة وقرية وكانت الشرارة الأولى من وادي بنا السدّة موطن الثائر الأكبر علي عبدالمغني".
 
وأردف: "جُنّ جنون الحمقى الذين لا يرون أبعد من أقدامهم فقد وصل الأمر في أزقة مدينة إب إلى استخدام الرصاص الحي والطقوم بالعشرات في مواجهة المحتفلين بل وحدث كر وفر وكأنها أزقة غزة أو الفلوجة".. وكل ذلك لمجرد منع الشباب من حمل العلَم الوطني والاحتفال بعيد 26 سبتمبر".
 
وأكد الرويشان، أن"ما يهم الآن هو إطلاق كل محتجزي ومعتقلي احتفالات شباب البلاد في صنعاء وإب تحديداً .. حمل العلَم الوطني ليس جريمة والابتهاج بعيد 26 سبتمبر واجبٌ دستوري".

من جانبه، قال الناشط ابراهيم عسقين، إن "تلك الاحتفالات والمسيرات هي هبة شعبية خرجت بشكل عفوي في رسالة واضحة للعالم أجمع برفض اليمنيين لجماعة الحوثي ومشروعها الإمامي الظلامي الكهنوتي".

وأضاف عسقين لـ"يمن شباب نت"، أن المليشيات فشلت بكل محاولاتها مسخ هويتهم الوطنية، وتمسكهم بأهداف وقيم ومبادئ الثورة، مؤكدا أن إحراق ودوس الإعلام الوطنية وتكسير السيارات التي تحمل الاعلام.. عمل جبان يكشف حقيقة مشروعها الإمامي الكهنوتي ويؤكد حقدها الدفين على الثورة والجمهورية".
 
إحباط عودة الإمامة

كان زعيم المليشيات المدعو عبدالملك الحوثي، قد تحدث عن إجراء تغييرات جذرية كانت تركز على القوانين، وظلت المليشيا تروج لها منذ أشهر، وهو ما اعتبرها مراقبون أنها كانت تستهدف النظام الجمهوري والثوابت الوطنية.

ويؤكد المحلل السياسي، عبدالهادي العزعزي، أن ما دفع الناس للاحتفال بهذه الطريقة، الى جانب تردي الوضع المعيشي، هو "تكثيف المليشيات، استفزازاتها التي تنتقص من الحقوق التي كان يتمتع بها المجتمع وصولا إلى ما يعتبره المجتمع ثوابت وطنية ترتبط بالهوية الوطنية والنظام السياسي كأعياد الثورة".
 
وقال العزعزي،لـ"يمن شباب نت"، إن "المجتمع لديه تخوفات جدّية (حقيقية) من تصرفات قيادات الجماعة وسعيها لبناء نظام استبدادي سياسي، وفرض نفسها كسلطة دينية مطلقة".
 
وأضاف، إن هذه الانتفاضة، عملت على إفشال مشروع التغييرات والاستفراد بالسلطة دون شركاء واستمرار تهميش البرلمان وبقاء الحكومة كغطاء كاذب لممارسة الهيمنة.
 
وأوضح أن "لو مرت هذه العملية فمن السهل إحلال ذكرى عيد الجلوس للإمام محمد البدر في 21 سبتمبر، فانقلاب المليشيات في تاريخ 21 سبتمبر ليس بالصدفة، بل توقيت مختار بعناية، وذلك لما يمثله لها من رمزية في أخر مراحل حكم الإمامة عندما تم تنصيب البدر إماما قبل قيام ثورة سبتمبر بخمسة أيام، إلا أن ذلك لم يدم.
 
وأكد العزعزي، أن "الاعتداء على رمزية العلم اليمني، مقدمة لمسألة إسقاط الرمزية الوطنية لثورة سبتمبر المختزلة في العلم اليمني كرمزية لها".

وفي هذا السياق كتب الكاتب يحيى الثلايا: "منذ أشهر يستعد ويجهز نفسه بحماس لإعلان نفسه اليوم إماما (الحوثي)، وقبل أكثر من شهر أعلن عن ما أسماه (تغييرات جذرية)، زعم أنها ستطال (السياسات والنظم والقوانين والإجراءات)"..
 
وقال الثلايا عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا)، إنالخطة كانت أن يعلن تغيير الدستور وشكل النظام السياسي لدولته، وحل مجلس النواب للمرة الثانية، وإلغاء مجلس الوزراء والاكتفاء بحكومة المشاط  كما هو حال نموذج التجربة الخمينية، بالإضافة لإعادة التقسيم الإداري بدمج محافظات وإلغاء أخرى وكذلك الحال مع مؤسسات مركزية، وفق الثلايا.

واستدرك، "لكن ما شهدته صنعاء منذ مغرب 25 سبتمبر إلى منتصف ليلة أمس 26 سبتمبر، من انتفاضة يمانية تبتهج بثورة سبتمبر المجيدة أفقده صوابه وأربك كل حساباته، خروج الشباب والأطفال والنساء والشيوخ ابتهاجا بثورتهم لم يكن في خياله ولا في باله، كما تفاجأ اليوم بأن الحشود ليست بقدر توقعاته ولا بحجم الانفاق المهول والتحضيرات الواسعة".

وتابع الثلايا، "لذا كان ظهوره في الخطاب مرتبكا وعاثرا ومترددا، لم تكن تغييرات جذرية ولا حتى قشورية، بقي يمارس اللف والدوران ويبحث عن تلافي فضيحته بكلام إنشائي مطاطي، قال أنه سيقيل حكومة بن حبتور، وستحل مكانها حكومة كفاءات".
 


- فيديو :


مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر